الجديد

توزر: صناعة الأجر المحلي منحت مدن الجريد طابعا معماريا مميزا لكن ذلك لا يمنع عنها خطر الزوال

توزر – (وات)

حركاته سريعة متتالية يعيدها بلا كلل، يأخذ سكينا صغيرة ويقوم بتنظيف المئات من قطع الأجر المحلي وإزالة ما علق بها من أتربة وحصى.

هي مرحلة من مراحل اعداد الأجر المحلي بجهة الجريد تعقب خلط الطين في أحواض ووضعه في قوالب جاهزة وتسبق عملية التجفيف الآجر في أفران تقليدية بواسطة الحطب وبقايا الجريد والنخيل.

حرفة تقليدية توارثها سكان مدينتي توزر ونفطة تحديدا منذ ما لا يقل عن 600 سنة خلت، إذ تستعمل قطع الأجر في البناء داخليا وخارجيا قديما أما حديثا فقد اقتصر استعماله على تزيين واجهات المباني وتوشيحها برسومات مختلفة بقطع الآجر الصغير المسمى محليا بالقالب.

في قرية حرفية معدة للغرض بإحدى المناطق جنوبي مدينة توزر، يجلس عنتر الغربي ذو الأربعة والأربعين سنة، في ورشته لساعات طويلة تتواصل حتى مغيب الشمس يقوم خلالها بصناعة معدل ألف قطعة في اليوم وبين 25 ألفا و30 ألفا في الأسبوع وقد يزيد هذا العدد أو ينقص حسب ظروف العمل وعملية الترويج المرتبطة بحضائر البناء.

“قضيت مدة تقارب الثلاثين سنة في ورشات صنع الآجر المحلي بين طفل يتعلم الحرفة عن والده وبين صاحب ورشة يوفر موطن شغل لاثنين من العملة” يتحدث عنتر عن نفسه.

ثم يردف قائلا”القرية الحرفية تضم عشرين ورشة توفر جميعها أربعين موطن عمل إضافي لعملة من أعمار مختلفة وهو ما يؤكد أنها ليست بالحرفة التي تستهوي الشباب لتعلمها فسنة تلو الأخرى يتضاءل عدد الحرفيين حتى أصبحت حكرا على عائلات محدودة”.

هي إذا وبحسب عنتر حرفة مهددة بالزوال لظروف العمل الصعبة واشكاليات ترويج المنتوج في أحيان كثيرة ولعزوف الشبان عن تعاطيها، ولا سبيل للحفاظ عليها حسب رأيه إلا بفتح مجال التكوين في مجال صنع وتركيب الآجر زيادة على إمكانية تطويرها بإدخال آلات حديثة تعوض العمل اليدوي في بعض المراحل كعملية خلط الطين وتجفيف الآجر والحفاظ على طابعها التقليدي اليدوي في مراحل أخرى.

فعملية تركيب الآجر في واجهات المباني والمنازل مستعصية على كثير من عمال البناء وقليل منهم يتقنها لذلك فحتى عند ترويج كميات من قطع الآجر خارج ولاية توزر يحتاج صاحب المنزل أو المبنى الى اصطحاب عمال بناء من الجهة وهي بذلك مربحة بالنسبة الى عملية التركيب وذات مردود متوسط بالنسبة الى عملية الصناعة.

ولا مهرب كذلك من تنظيم هذا القطاع المهمش بحسب توصيف عنتر الغربي رغم كونه منح مدن الجريد طابعا معماريا مميزا وساهم في الترويج السياحي للجهة وحظي بدراسة ومتابعة من المهتمين بالمعمار وتاريخه.

وعلى سلط الاشراف التدخل حسب رأيه بتحسين ظروف العمل على غرار ايصال الماء والتيار الكهربائي للقرية الحرفية حيث يضطر أصحاب الورشات هنالك الى جلب صهاريج مياه يوميا حسب حاجتهم، أما الحديث عن تهيئة قرية حرفية أخرى شمالي مدينة توزر بعيدة عن مواطن العمران حتى لا تتسبب في التلوث كما هو الحال في القرية الحالية، فهو يعد ضربا من ضروب القضاء على الحرفة نهائيا وفق قوله.

ذلك أن لا أحد مستعد لقطع عشرات الكيلومترات يوميا للوصول الى موقع عمله في ظل ظروفهم المادية الراهنة وصعوبات الترويج والحل يكمن حسب رأيه في ادخال تحسينات على القرية الحالية.

وقد تعمل البرامج على غرار توجه بلدية توزر منذ تسعينات القرن الماضي بتوشيح ما لا يقل عن 30 بالمائة من الواجهات بالآجر المحلي في تحسين مردودية الحرفة والحفاظ عليها من الزوال شريطة الرفع من هذه النسبة وانخراط بقية البلديات في ذلك حتى تصبح الواجهات المزينة بالآجر الجريدي علامة ترويجية مشتركة بينها.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP