الجديد

حدّثت الثورة قالت: ثورة "حدثت " و ثورة "وقعت"

مازري طبقة
هل ابدأ مقالي هذا بعبارة ” و مرّت 6 سنوات على قيام الثورة ” ؟ لا لن أفعل لأن الأصل و المصداقية يحيلان على عبارة أخرى في شكل تساؤل ” هل حدث في تونس ثورة ؟ ” تساؤل سيراه البعض مقبولا و يراه البعض الأخر إجحافا في حق “الثوّار” هذا إن وُجدوا فعلا بما أن الثّائر الحق هو ذاك الذي يثور ليغيّر واقعا معينا ثم يهدأ ليبدأ في البناء و أمام غياب أي مظهر من مظاهر البناء في تونس ما بين 2011 و 2018 لا يمكننا الجزم بوجود “ثوّار”.
شعارات رأت النور ذات 2011 لكنها فقدت ما لها من معاني لكثرة ما رددوها في كل محافلهم و اجتماعاتهم و خصوماتهم , شعارات كرّسوها فقط من أجل تقسيم الشعب بعد أن كان موحّدا ضمن غلاف الطبقة الوسطى ليتحوّل ببركة نضالاتهم إلى فقير إسلامي و فقير يساري و فقير من الأزلام , شعارات لم تُغيّر إلا من حال الطبقة السياسية فحوّلت من حوّلت و رفعت من رفعت و كشفت من كشفت حتى أضحى البعض منهم يتجوّل بين دكاكين السياسة دون أن يُواري عنا عوراته السياسية , تضخم سياسي فقدت من خلاله معاني الوطنية و الانتماء كل ما كان يميزهما عن بقية المعاني و أصبح التفاخر بالعلاقات مع السفارات و الحكومات الأجنبية سِمة الأغلبية إلا من رحم ربّي
ثورة لا يعلو فيها صوت على صوت الحقد و الكره و لا رأي فيها إلا لمن يشتم و يفضح و يكشف و يتهم و لا بطولة فيها إلا لـ دون كيشوت ذلك الفارس الذي توهّم معركته مع طواحين الهواء و كم من “دون كيشوت” بلباس سياسي في تونس اختلق المعارك و الأعداء فقط ليجد لنفسه موطئ قدم إما في وسائل الإعلام أو في نتائج سبر الآراء و قدر هذا الشعب المسكين أن ينقاد في اليوم ألف مرة وراء هذا الرأي أو ذاك و يصطف خلف ذاك الدون كيشوت أو ذاك.
شعب لم تقتصر مأساته على استخفاف السياسيين به بل و افتكوا منه انتفاضته و بطولته و انتصبت كل مجموعة على اختلافهم في الأصل و المنتهى ناطق باسمه مدافعا عن مصالحه باعتماد الحوار السلمي بواسطة الهراوات و إدارة الاختلاف في الآراء بواسطة التهديد و الترهيب و بما أن “العفن” يتكاثر حيثما كان الإهمال و عدم المبالاة فلسوء حظ هذا الشعب المنتفض أن إرهابيي الفكر هؤلاء عادوا من جديد لينغّصوا عليه التمتع بلحظة انطلاق الإنقاذ و بوادر الانفراج .
نعم “وَقَعَتْ” الثورة في تونس , “وقعت” حيثما أراد لها الشعب أن تنجح , وقعت و احتلّت القاع بسبب تكالب المصالح و تشابكها و تغلغلها و ترابطها مع الخارج و اجنداته بعملائه و سياسييه , شعب افتكوا منه قيادة ثورته على الظلم و الفقر و التمييز و انعدام الكرامة , ثورة “وقعت” عندما انحرفت أهدافها نحو أضيق الآفاق لتلبي مطامح البعض في بهرج الحكم و تغذي طمع البعض الأخر في بث ما لديه من حقد و كره و نقمة على أركان الدولة و تاريخها , أركان الدولة من مجتمع وسطي و مرآة متحررة و قيادية كانوا عُرضة للتهديم في الأهداف المنحرفة لثورة تعرضت لسرقة موصوفة , و لم يبقى منها للشعب سوى ذكراها في لحظة أثبت للعالم أن السلطة فقط بيد الشعب و أن مصير الأمم لا يرسمه سوى شعب أراد الحياة , و لكن هل من “حياة” لمن تُنادي أيها الشعب المغدور في ثورته ؟ هل من ” حياة ” لدكاكين سياسية أعمتها المطامع و المصالح و الحسابات ؟
بمعيار الشعب حدثت “ثورة” و لكن بمعيار دكاكين السياسة مع بعد 14 جانفي ” وقعت ” الثورة بما للعبارة من معاني السقوط و الانحراف و احتلال القاع الذي أصبح ينادي “هل من مزيد “؟ , هل مناك مزيد من هُواة القاع ؟ هل السياسة احتراف للفعل الوطني أم احتراف للصعود نحو القاع ؟
أراد الشعب يوما الحياة فاستجابت الأقدار و نسجت على منواله بعض الأقطار , أما اليوم فما على الشعب إلا أن يثبت إرادته لاسترجاع ثورته من سماسرة التاريخ و هُواة ركوب أحلام الشعوب , ما على الشعب الا ان يفتك ثورة من خندق المصالح الضيقة لدكاكين السياسة , على الشعب أن يقطع مع “التطبيع”،  تطبيع مع السلبية،  فرضتها عليه خزعبلات بعض القنوات الخاصة.
إلى أن يسترجع الشعب “ثورته”،  و ينتشلها من القاع ، الذي احتلّه سياسيي 14 جانفي ….  حدّثت “الثورة ” قالت ….

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP