الجديد

إدغار موران يتحدث عن الحرب في أوكرانيا .. “يجب أن نفكر قبل أن نعلن سخطنا على ما يجري”

ترجمة: شعبان عبيدي                                                                                         

نشر الفيلسوف وعالم الاجتماع إدغار موران وهو في سنّ 101 تقريبا كتابا جديدا تحت عنوان ” دعونا نستيقظ” وفيه يدعونا إلى التّفكير الرّصين في أصول الحرب الّتي تضرب أوروبا اليوم وفهم أسبابها.

ويقدّم موران للقرّاء أفكاره حول الأخبار التّي تتواتر حول أسباب غزو روسيا لأوكرانيا مثلما يقدّم تأمّلات حول الانتخابات الرئاسية القادمة في فرنسا ومسألة الهوية الفرنسية.                                             

في حوار أجرته معه صحيفة ” الجنوب” واداره كلّ من الصّحفيين “فريدريك جوردا” و” باتريس مويان” تحدّث “إدغار موران” عن الحرب الرّوسية الأكرانية حديث الفيلسوف وعالم الاجتماع الذي يجمع الآني إلى التّاريخي في استقراء الظواهر، دون مواربة ولا دوغمائية أو اصطفاف عقدي.

في ما يلي أهم ما جاء في الحوار:                                               

-السّؤال: وأنت في سنّ 101 تقريبا، ما هي الذّكريات الشّخصية التي تعيد فتحها هذه الحرب على أبواب أوروبا حسب رأيك؟

– الجواب: من الواضح أنني فكرت فيما حدث في عام 1939. حين أعلنت فرنسا وإنجلترا الحرب على ألمانيا بعد غزو بولندا. لكن كان ذلك من أجل عدم الذّهاب إلى الحرب. وكنّا نحن ضحاياها. أمّا الوضع الحالي فله على الأقل خصوصيّة. فنحن لا نريد خوض الحرب، وهذا موقف واقعي لأنّنا لم نعد في وضع مماثل لما سبق.

-السّؤال: ألم نشهد مثل هذا الوضع منذ الحرب العالمية الثانية؟

-الجواب: إنّك تنسى الحرب المروّعة والدّمويّة في يوغسلافيا بين 1991 -1995 والّتي أعقبتها حرب كوسوفو بين 1998-1999 ، وتدخّل فرنسا عسكريا عام 1992 ثمّ حلف شمال الأطلسيّ عام 1995 وما أعقب ذلك من قصف في يوغسلافيا، حتّى فرضت الولايات المتّحدة إطلاق النّار، في تلك المرحلة كانت روسيا ضعيفة للغاية بعد انهيار الاتّحاد السّوفيتي ولم تستطع التدخّل في الصّراع، كما كانت هناك حرب كوسوفو وتدخّل فيها حلف النّاتو عندما قصف صربيا.

 

-السّؤال: كيف تفسّر الصراع بين روسيا وأوكرانيا؟

-الجواب: تعود أصول الحرب الرّوسية الأوكرانية إلى عودة روسيا كقوّة عالمية من جهة وإلى توسّع حلف النّاتو من جهة ثانية، بعد الانفصال التّدريجي لروسيا عن حمايتها للدّيمقراطيين الشّعبيين الذين انضموا بعد ذلك إلى الاتّحاد الأوروبيّ. فروسيا اليوم تسعى إلى بسط نفوذها واستعادة سيطرتها، وقد نجحت في ذلك بعد قمع شامل مارسته في الشيشان. وبالرّغم من فشلها في جورجيا فإنّها استطاعت أن تدعم الانفصاليين في دونباس الأوكرانية. وهي تشعر بأنّها مستهدفة من مشروع توسّع حلف النّاتو في مناطق البلقان، وهذا التصرّف من الغرب مخالف للوعود الّتي وقع تقديمها لغورباتشوف سنة 1991

إن أصول الحرب الروسية الأوكرانية تعود إلى عودة روسيا كقوة عالمية وإلى توسع حلف الناتو بعد الانفصال التدريجي عن حمايتها الديمقراطيين الشعبيين السابقين الذين انضموا إلى الاتحاد الأوروبي

هذا إضافة إلى أنّه لم يتمّ السّعيّ إلى القيام بأيّ عمل دبلوماسيّ للتوصّل إلى حلّ وسط بين الدّولتين قبل الهجوم المتطرّف الّذي أدّى إلى غزو أوكرانيا.

-السؤال: ألا تحتفظ الذّاكرة وهي ترقب هذا الغزو بالدّيكتاتورية المأسوية الستالينيّة?

-الجواب: قام ستالين في عام 1931 بترحيل أو تصفية الكولاك؛ وجعل الفلاحين يستقرون في أراضي القمح الأوكرانية الغنية؛ وكان على الأوكرانيين وقتها أن يواجهوا مجاعة رهيبة.

-السؤال: هل أنّ أوكرانيا اليوم مقسمة بين الشرق والغرب؟

-الجواب: أعتبر أنّ أوكرانيا فريسة سائغة لكل من الشرق والغرب، وهي الدّولة الغنية بالمواد الأولية والمناجم مع أراضي خصبة للزراعة القمح، وهي إضافة إلى ذلك معزولة بسبب انتمائها السّابق للإمبراطورية الروسية وبين رغبتها أو طموحها الديمقراطي الذي تريده أن يصلها بأوروبا أكثر فأكثر.

-السّؤال: ولكن لماذا يتحدث بوتين عن ضرورة اقتلاع النازية من أوكرانيا؟

-الجواب: لا يمكن فهم هذا التوصيف دون العودة إلى التاريخ، وذلك أنّه عندما هاجم الألمان روسيا سنة 1941 ظهرت حركة قومية تحت قيادة ستيفان بأنديرا (قائد منظمّة القوميين الأوكرانيين سنة 1941) وأعلنت تحت غطاء النازيين الّذين اعتقلوا “زعيمهم” أوكرانيا مستقلة. لكن الوضعية الحالية ليس لها علاقة بتلك المرحلة، ولكنها تمثل وسيلة ضغط وتلاعب بالنسبة لبوتين حتى يحشو أدمغة الرّوس بفكرة أن الوضعية اليوم هي نفسها وضعية الأمس حين استغل الأوكرانيون النازية لإعلان الحرب ضدّ روسيا.

-السؤال: ألم نفوّت بعض الأشياء بعد أن انهار الستار الحديدي؟

-الجواب: لا شك أن بوتين ديكتاتور نندّد به، وأعتقد أنّ هذا التاريخ هو نتاج لعاملين متداخلين من جهة: حلف الناتو الذي يتحرّك تحت مضلة الأمريكيين أراد أن يتقدّم ما أمكن نحو حدود روسيا لمحاصرتها، ومن جهة ثانية نجد روسيا التي تريد أن تعيد بناء روسيا القديمة. هذان الدّافعان كان يعملان بطريقة سلمية قبل أن يسقطا في الحرب التّراجيدية التي نعيشها اليوم. وهذا يعيدنا إلى منطقة أو مرحلة صراع القوى العظمى، لنفكر في كوبا وأمريكا اللاتينية في علاقتها بالأمريكان مثلا، يمكن أن ندافع عن أوكرانيا دون أن نكون عميانا عن هذه الحقائق، لننتبه لهستيريا الحرب التي لا يمكنها أن ترينا إلا مظهرا واحدا للحقيقة، وقد يكون أحيانا أكثر تعقيدا. كنت دائما أحاول أن أخذ موقف وأن أكون في الوقت نفسه واضحا في ذلك.

-السّؤال: ماذا يمكننا أن نأمل بعد هذا؟

-الجواب: نحن نوجد اليوم في وضعية متناقضة، بأن لا نقبل الغزو الروسي بدء، وفي نفس الوقت ألا ندخل الحرب. ومن هنا يأتي هذا النّوع من المعادلة الصّعبة. علينا أن نعرف أنّ هذه الحرب حرب اقتصادية أُخرجت في شكل عمل مسلح. ليست الحرب ولا الضّعف هما الحل. فالضعف خطير لأنّه قد يُلهب الأطماع الرّوسية الإمبريالية ولكن الرّغبة في محاولة محاصرة روسيا اقتصاديا هو خطر كذلك، ويمكن أن تكون له نتائج لم نحسب لها حسابا. والحلّ الوحيد يجب أن يكون مقبولا من الأطراف الثلاثة أمّا البقية فيحددها الرّئيس الأوكراني، وهذا الحلّ هو حيادية أوكرانيا على شاكلة النّموذج السويسري. وأعتقد أنّ أوكرانيا مجرّدة أم لا من انتمائها الرّوسي الأوروبي يجب أن تكون دولة فيدرالية نظرا لتنوّع مكوّنات مجتمعها العرقية والدّينية، وأنّ حوارا داخليا يمكن أن يؤدي إلى اتفاق بين الشرق والغرب. ولكن يبقى هذا مجرد أمنية.

-السّؤال: -قلت لنا منذ سنتين في مونبلييه أنا رجل لا أستسلم لليأس هل ما زلت دائما رجل الأمل؟

-الجواب: عندي ثلاثة مبادئ للأمل، في حين أنّ الفرضيات تبدو مخيبة للآمال عندما ينتصر الاستبداد. المبدأ الأول هو الرهان على اللاّمحتمل وهو ما عرفته عندما كان ” جيورجيو جوكوف قائدا تحت ستالين وأنقذ موسكو سنة 1941 عندما كنّا نتصوّر أنّ الاتحاد السّوفياتي قد ضاع، يومان بعدها دخلت الولايات المتحدة في حرب بعد هجوم اليابان. هذا الأمل وجدته عندما جاء وريث الدّيكتاتور فرانكو “جون كارلوس” ووضع أسس الدّيمقراطية في إسبانيا، وأخيرا عندما أعلن الأمين العام للحزب الشيوعي غورباتشوف وضع نهاية للسّنوات الستين من الديكتاتورية. عندي دائما كذلك أمل في الكفاءات المبدعة والمدافعة عن الأقليات التي طال الزّمن أو قصر أنّ لها قدرة على تحقيق الاستقلال كما حدث مع منديلا، ومبدئي الثالث أنّ النّظام الكلياني القائم على المراقبة الإعلامية المعولمة يحمل في ذاته أعطابا ومجموعة من الإخلالات كما يظهره لنا فيلم “ماتريكس”. فالآلة الجهنمية الإعلامية يمكنها أن تحوّلنا إلى آلات ولكن سيظهر بعض الأشخاص لإنقاذ العالم.

-السؤال: هل يجب أن نكون ساخطين كما دعانا ستيفان هوسال للقيام بذلك أم أن نلتزم بالقيام بدورنا؟

-الجواب: أقول إنّه يجب علينا أن نفكر وألاّ نكتفي بالالتزام أو بالسّخط، لا بدّ أن ندرك في أيّ عالم نحن نعيش، ذلك ما كان يحدو كبار المفكرين أمثال “كارل ماركس”-وإن كان قد خُدع-وما أرادوا فعله. لا بدّ من إجراء تشخيص دقيق للإنسان في العالم وفي التاريخ المعاصر قبل الانخراط أو الالتزام أو الاحتجاج…. يجب أن نفهم قبل كلّ شيء.

-السّؤال: لماذا نرى الهوية الفرنسية دائما موضع جدل؟

-الجواب: منذ ثورة 1789 تتابعت لفرنسا صورتان أو تعايشتا: فرنسا الإنسانية التي نشأت مع الثورة انطلاقا من إعلان حقوق الإنسان والمواطنة وفرنسا الرجعية، وهما وجهان يتواجهان إلى اليوم. ففي سنة 1930 وجدت فرنسا الرجعية موقعها مع “شارل موراس” الرّجل العقائدي الذي أعطاها توجّها قوميا مفرطا في عصر معاداة السامية، في حين أن زيمور (المرشح للرئاسة الفرنسية والذي يعتبر أنّ الهوية الفرنسية مهددة) يركز على مسألة الهوية الفرنسية المهدّدة وعلى ملفّ المهاجرين غير الأوروبيين الوافدين من البلدان العربية والمغاربية على وجه الخصوص ومن منطقة السّاحل وأفريقيا السوداء، ويحذر من الإسلام غير القابل للانخراط في المجتمع الفرنسي،  وهو موراس اليوم الذي يستند إلى تطهير فرنسا من بقية العرقيات و من المهاجرين والمسلمين. هذا هو بالأساس العقائدي المؤمن بالتفوّق، وبأنّنا متفوّقون، سواء كان ذلك عن وعيّ أو جهل.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP