الجديد

ذكرى انبعاث الجامعة العربية: الهيكل الذي وأد الحلم العربيّ الذي بعثه للوجود

شعبان العبيدي                               

تمرّ خلال 22 من شهر مارس 2022 الذّكرى 77 لنشأة الجامعة العربية، الهيكل السياسي الجامع للأقطار العربية والمعبّر عن أحلام الأمّة وشعوبها وقضاياها أو ما يطلق عليه البعض بيت العرب أو خيمة العروبة الشّرعية الّتي أريد لها منذ بعثها أن تكون الخيط الرّابط بين شعوب الأمّة والهيكل الحامل لحلم الوحدة العربية على الأقل على مستوى الرؤية السياسية والمواقف من الأحداث العالمية والقومية وعلى مستوى الرؤية التنموية والنّهضوية اقتصاديا وثقافيا. ولكنّه كان حلما فهوى وبيتا لا يُسمع فيه صوت ولا إرادة ولا فعل سياسيّ ردّا على مجريات الأحداث.

لعلّه من المفيد التّذكير بعد مرور هذه العقود من الزّمن على بعث الجامعة العربيّة كمنظمة سياسية تتدافع عن القضايا العربية العادلة و حقوق دولها القطرية و ترسيخ الوحدة العربيّة أنّ تأسيسها في أواخر النصف الأوّل من القرن العشرين، وما لعبته مصر في بعثها من دور طليعيّ في عهد الملك فاروق، الذي دعا حينها لعقد أوّل قمّة لها في 28 ماي 1946 وشارك فيها ملوك وأمراء مصر والسّعودية والعراق ولبنان واليمن والأردن و رئيس سوريا شكري القوتلي الزعيم القومي و أحد رموز نشأة الجمهورية العربية المتحدة بين سوريا ومصر مع شريكه الزعيم القومي عبد الناصر في 22 فيفري  1958 .

من الضروري أن نستعيد إلى الأذهان أنّ الدّوافع وراء بعث جامعة الدّول العربية هو تنامي المدّ القوميّ مع جمعيات وأحزاب و كتابات لمنظرين واجهوا مشاغل الأمّة خلال النّصف الأوّل من القرن العشرين بالبحث عن حلول لمواجهة الاستعمار الغربي و التصدّي لحركة الاستيطان والاستعمار الإسرائيلي لفلسطين و مناصرة حركات التحرّر العربيّ.

قرابة 77 سنة مرّت على ولادة الجامعة العربية في شكلها الأوّل ثمّ اتّساع تمثيل بقية الدّول العربية بعد استقلالها، لم تخرج من مؤتمراتها المتعاقبة عن بيانات التنديد والغضب والرّفض لما كان يجري من اعتداءات على الدّول والشّعوب العربيّة وما يحدث من انتهاك للأراضي والأعراض والأرواح في فلسطين ثمّ في اليمن والعراق وليبيا وسوريا ولبنان سواء من طرف العدّو الخارجي أو من طرف الأخوة المتحاربين كما يجري اليوم من تدمير لليمن من طرف العدوان الثلاثي ومن انتهاك لسيادة العراق.

لم تتغيّر الشعارات منذ المؤتمر الأوّل إلى اليوم بل انحدرت نحو التطبيع والتّبعية للحليف الغربي والأمريكي والرّوسي، منها اعتبار قضية فلسطين قضية قومية عادلة وإقرار حقّها في التحرّر من الاغتصاب الإسرائيلي، ومنها اعتبار فلسطين قلب القضايا القومية العربية والتّنبيه إلى الخطر الإسرائيلي الدّاهم الذي يهدّد وحدة الأمة وأراضيها، ومنها اعتبار أي عدوان على قطر عربي هو اعتداء على الأمّة جميعها. ثمّ تكرّرت لهجة الاحتجاج في مؤتمر اللاّءات الثلاث بالسودان عقب نكسة 67 (لا صلح لا تفاوض لا استسلام). ليكون مؤتمر قمّة بغداد سنة 1978 مرحلة خطيرة ومفصلية في الكشف عمّا يشقّ هذا الهيكل العربيّ من أجندات ومشاريع خارجية وصراعات قطرية وذلك من خلال مقاطعة مصر وتمّ بعده نقل الجامعة العربية إلى تونس.

وهكذا توالت القمم والقمم والوضع العربي يزداد سوء وغرقا، والقضية الفلسطينية تقع ضحية المساومات والصفقات، والصّراع العربي العربي يتعمّق، وكان أشدّها وطأة وفضاعة تبرير غزو العراق وتدميرها وانتهاك أنظمة عربية قائمة لا لأنّها ديكتاتورية بل لأنّها كانت تمثّل للأوروبيين والولايات المتحدّة تهديدا لمشاريعها الاستعمارية والاقتصادية.

خلاصة القول إنّ البيت العربي منذ وقع وضع أركانه وأعمدته كان هيكلا لأنظمة الحكم ولم يكن بيتا يعبّر ويحمل آمال الشّعوب العربية وتطلّعها إلى الوحدة وتكوين قطب عالمي قادر على التأثير في السياسة الدّولية والحفاظ على موقعه ووزنه وخاصّة تحرير فلسطين، بل كان هيكلا أشبه بمعبد آمون يجمع المتآمرين على الأمّة ومصالحها وأرضها. ونحن نرى أنّ الجامعة العربية منذ نشأتها خلقت مخلوقا معطوبا يحمل في ذاته بذور سقوطه، فقد تنكّرت لآراء مفكّرين ضحّوا من أجل استعادة النّخوة العربية وحماية أراضيهم والتّعبير عن حلم وحدة الأمّة العربيّة وحمايتها من كلّ نزعات التتريك والتغريب والتهويد ومسخ العولمة، وتنكّرت لأحلام أجيال ممن دفعوا أرواحهم ثمنا للدّفاع عن حرمة أوطانهم وعروبتهم ودينهم وتاريخهم في فلسطين والجزائر والعراق وسوريا وغيرها.

وتنكّرت للدّفاع عن شعوبها العربية في وقوفها مع الأنظمة الاستبدادية العربية الّتي ضيّقت على الحريّات وقتلت كلّ مظاهر الإبداع والخلق ووقفت جدارا أمام كلّ مسعى إلى النّهوض والإقلاع وتحقيق الرقيّ للّحاق بالأمم المتقدّمة، بل سهرت على جعل هذه الشّعوب مفقّرة تابعة بعد أن عملت على تجفيف منابعها القيمية الأصيلة وطموحها الحضاري.

كيف ستحتفل الجامعة العربية بذكراها خلال أيّام في ظلّ وضع عربي مشتّت ومتأزم، بلغ فيه السّيل الزّبى مع التّطبيع العربي –الإسرائيليّ  في إطار صفقة القرن الّتي تمثّل آخر وتد يُدقّ في إحياء الحلم الفلسطيني بالتحرّر واستعادة القدس الشّريف بعد التنّكر لحلّ الدّولتين، وفي ظلّ انهيار اقتصادي واجتماعي وضياع حضاري، وفي ظلّ استفحال حالة التشرذم السياسيّ وعودة الاستبداد الشرقي من جبّة الثورات العربية، وكيف سيكون احتفالها وهي تعيش ومعها الدّول العربية على صراع جديد بين أقطاب عالمية تبشّر بإعادة توزيع لخريطة العالم؟

كيف ستحتفل الجامعة العربيّة بذكراها وهي لم تقدر على جمع الأخوة الأعداء من أجل السّعي إلى خلق أقطاب عربية في ظلّ تكوّن أقطاب عالمية كقوى سياسية واقتصادية فاعلة، سواء بدعم مشروع المغرب العربيّ الكبير أو خلق كيان عربي شرق أوسطي أو اتّحاد خليجيّ لا تكون مجرّد حبر على ورق بل تكون مشروعا حضاريا فاعلا يضع على الأقلّ في أولوياته وأهدافه بعث سوق عربية مشتركة و توجّه اقتصادي تقدمّي و تحقيق قفزة حضارية علمية وتقنية تساعد على خلق الثّروة و الرّيادة والتقدّم العلميّ، وتضع الأجيال الجديدة أمام مهمّاتها الحضارية و واجبها القومي العربي في استعادة مجدها وفعلها التّاريخي وحضورها العالمي.

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP