الجديد

في حوار مع “جون أفريك” حسن الزرقوني يتحدث عن ظاهرة “المظلومية” التي “تحولت الى ثقافة سياسية”

تونس- التونسيون

في حوار مطول مع مجلة “جون افريك”  – 11 أفريل 2022 – دعا رجل الإحصاء حسن الزرقوني صاحب مؤسسة “سيغما” SIGMA إلى ثورة في العقليات ومراجعة للأسس السياسية في مواجهة ظواهر المؤامرة والشعبوية والمظلومية.

واشار الزرقوني، الى انه و منذ قراره الصادر في 25 جويلية تاريخ تعليق العمل بالبرلمان، اقترح الرئيس قيس سعيد، إعادة بناء النظام السياسي والمؤسسات، عبر استشارة وطنية الكترونية (اكتملت فصولها في العشرين من شهر مارس)، وهي التي ستشكل الأساس أو المنطلق المرجعي لانتخاب مجلس جديد لنواب الشعب، ووضع دستور جديد.

بالنسبة للرئيس وأنصاره فإنّ القضية المعلنة من طرف الشعب تنحصر في الأزمات التونسية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهي ترجع أساسا إلى مشكل تنظيم عمل مؤسسات الدولة، التي يقال إنها أصل المأزق السياسي.

غير أنّ المدير العام لشركة سبر الآراء “سيقما كونساي” حسن الزرقوني، الذي يعتبر مراقب جدي للحياة السياسية التونسية، يثير في هذا السياق مشكلة هيكلية مرتبطة بطبيعة الثقافة السياسية في البلاد، وانعدام الرؤية الاستراتيجية الواضحة لمواجهة الوضع المتأزّم.

عشر سنوات بعد الثورة

في حوار أجرته معه مجلة “جون أفريك” حول الوضع بالبلاد التونسية جاء فيه -بعد عشر سنوات من الثورة التونسية، بين الزرقوني  أنّ إصلاح مؤسسات الدّولة لا يزال مطروحا على طاولة جدول الأعمال السياسي، لكن يبقى مع ذلك الوضع على المستوى الاقتصادي هو الذي يثخن جراح الدّولة.

وتابع قائلا: نحن نجد أن كلّ أسرة من الأسر التّونسية اليوم لديها شخص عاطل عن العمل على الأقلّ. وهو ما يبيّن أنّ البطالة المستوطنة في البلاد قديمة، وهي تمس و تؤثر الآن على 18٪ إلى 19٪ من السّكان النّشطين. يضاف إلى ذلك ارتفاع معدّل التّضخم بنسبة 6٪ وانخفاض الإنتاجية وندرة السّلع والمنتجات، وكان النمّو بطيئا على مدى عشرين سنة مضت، يصل إلى حوالي 2.5 بالمائة في المتوسط سنويا. وهنا تبدو النتيجة واضحة جلية ومفادها أنّ حصّتنا التسويقية في العالم تقلّصت. و على الرّغم من عدم احتكام البلاد على احتياطات من المواد الخام، لم نسع إلى التعويل على الابتكار أو الإبداع أو البحث والتطوير، وهذا يعني عدم الوعي بهذا العالم الجديد المتحرّك. -.

ماذا تقصد بأزمة التعليم؟

اجابة على هذا السؤال الهام يقول الزرقوني: لقد عملنا على توسيع نطاق التّعليم العالي، وتناسينا أنّه كان يجب عليه أن يضمن لنا إمكانية توظيف الشباب وإدماجهم في سوق الشّغل. ومنذ سنة 2015 تراجع تصنيف تونس في تصنيف بيزا لجودة التعليم في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ولم نجد إلاّ جامعتين فقط من بين أفضل آلاف الجامعات في العالم. ومعنى ذلك أنّ نظامنا التّعليمي وكذلك التّكوين المهنيّ في بلادنا يحتاج إلى إصلاح جذريّ.

ويرى صاحب مؤسسة “سيغما” أنه “يمكّننا تحديث تعليمنا والارتقاء به إلى مرتبة المعايير الدّوليّة حتّى لو كان ذلك يتطلّب اتّخاذ قرارات جذرية تضع حدّا لتكرّر الأخطاء نفسها الّتي أدّت بالتّعليم إلى هذه الأزمة. فالتّراجع ملموس في التّعليم، وهو الذي يجب أن يكون وسيلة لنقل المعرفة وتطويرها، وأن يمنح المتعلمين الوسائل لخلق القيمة والثروة اللّتين يوظفهما المتعلّم في العمل. لكن العيوب كامنة في الأساس من المدرسة الابتدائية التي ليست فضاء للإبداع والتحفيز الفكري والرقيّ.

ويشدد على أن : النّظام التّعليمي في تونس في حالة عطالة منذ سنة 1990 وكانت له تداعياته على السّلم الاجتماعيّ وعلى الإبداع وولّد أزمة هويّة. وكان التّونسيون في مرحلة قوّة من مراحل تاريخهم الحديث يطرحون السؤال حول الجمهورية ودور الدّولة والسلطة والحريّة. لكن القاعدة الثقافية تدهورت بشكل كبير بما أنّها قائمة على نظام تعليمي عفا عنه الزّمن، يقف حائلا أمام قيم الخلق والإبداع وفتح آفاق الخيال. وما ثقل الإدارة أو تحجّرها إلاّ ثمرة متعفّنة من ثمار هذه الأزمة .

من هو الأكثر تضرّرا من هذا الوضع؟

من دون أدنى شكّ أنّ الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنّ الثامنة عشرة وسنّ الرّابعة والثلاثين هم الّذين يتعرّضون للضربة الشديدة. حتّى الثورة الرقمية التي كان من المفترض أن تدفع بهم إلى الأخذ بها ومحاكاتها مع العمل على مزيد من الإبداع والإنتاجية فشلت في تحقيق ذلك، وأصبحت الشبكات الاجتماعية مجرّد مضخّمات لجميع الإحباطات بدلا من أن تكون مواقع للإبداع الجماعي. ونظرا لأنّ كلّ شخص بات يعبّر عن نفسه بشكل فرديّ، تمّت تجزئة التّعبير عن الرّوح الجماعيّة. فلا شيء يسمح للجميع ببلورة مشاريع متماسكة. ومن المفارقات أن تغلب ظاهرة تأكيد الذّات من خلال الشبكات الرقمية مع تأثير تدفّق الزوّار والانطباع بأنّه يتمّ سماعهم من قبل مجتمع من أشخاص متشابهين.

كيف يؤثر هذا التطور على الممارسة السياسية؟

من الأكيد أنّ هذا الوضع اللاّسويّ يمهّد الطّريق لجميع أشكال الشعبوية إلى حدّ التعصّب، سواء في كرة القدم أو في مجال السياسة. فنحن الآن نفكّر فيما يتعلّق بنادي مشجعين به فجوة واضحة بين “نحن” و”هم”. وعندما نضع أنفسنا من منظور المعجبين فإنّنا ندعم هذا الفريق أو ذاك. أو نكون خلف فريق ما أو قائد، لكنّنا مع ذلك لسنا منتمين ولا منخرطين معه. ولهذا لم تعد هيكلة الحزب وقدرته على الإشراف والتّدريب والعمل من أجل استدامته واستمراره أولوية عندنا.

كما نلاحظ هذه النّزعة الفردية أيضا على مستوى المشاركة في العملية الانتخابيّة، إذ سيصوت عدد كبير من المواطنين لرئيس من هذا التجسيد يمكن ملاحظته أيضًا على مستوى المشاركة الانتخابية. فإنّ عددا كبيرا من المواطنين سيصوتون لصالح رئيس على أن يصوّتوا لنوّاب بمجلس الشّعب لا يبدو واضح المعالم. وهذا مثال مبسّط على الفقر الفكريّ والثّقافيّ. –

هل يمكن اعتبار هذا نتيجة لما يعتبر بفقدان القيم؟

شهد المجتمع التونسي ستين عامًا من الانزلاق البطيء نحو الانحدار، ولم تعد القيم، وخاصة قيمة العمل كما يردّدها أسلافنا وكما يفهمها الكبار خاضعة لمزيد التّدعيم. حتّى أنّ بعض الحركات الاحتجاجية مثل حركة “وينو البترول؟” تنبع في واقع الأمر من هذه الحالة الذّهنية الجديدة. فبالنسبة للمتظاهرين الذين رفعوا هذا الشعار لا يرون حرجا في أن يتمّ تقاسم عائدات النّفط من قبل السكّان الذّين لم يعودوا في حاجة للعمل. كما أعربوا عن مطالبهم بطريقة فورية وأعلنوا عن توجّه نحو تحقيق هدفهم. فنحن لا نبني دورة تاريخيّة ولا نهتمّ بوظائفنا، لكنّنا نكيل الضّربات على أمل الفوز بالجائزة الكبرى.

كما أنّ محاربة الفساد تعني عند الغالبية أنّ الأموال المستعادة ستوزّع على المواطنين. كلّ هذه الأمثلة دلالة على السّذاجة المتحكّمة. فقد باعت هذه الحركات لأتباعها فكرة أنّ الأموال تنتظرهم في خزنة لتوزيعها عليهم، وأنّ النّفط ستتفجّر أباره بطريقة شبه معجزة. ومفاد ذلك أنّ فكرة الكسب السّهل هذه تتجاهل قيمة العمل وتؤسس لممارسة ” ضربة الحظّ”..وتسارعت وتيرة هذا التغيير بفعل صورة النّجاح السّهل.

هل يمكن أن يتطرّق سياسي في تونس اليوم إلى هذا الخطاب؟ وهل هو خطاب مسموع؟

-لقد تغيّر مفهوم الكرامة الذي جاءت به الثورة عن شكله التقليدي، فتحت تأثير الهشاشة العالمية التي سمحت اليوم بالتعبير بلغة الضحية التي أصبحت ثقافة رائجة، يتمّ التّعبير عن هذا المأزق بكلّ الطرق، فتصبح الصعوبات التي نواجهها مؤامرات من قبل الدّولة أو المؤسسة. كلّ شيء يحدث كما لو أنّ الأفراد لم يعودوا يعرفون كيف يتحملون مسؤولياتهم، ومع ذلك فإنّهم يعيشون حالة الضّحية مثل قدر محتوم. فحالة الضحية لا تثير لديهم الرغبة في تحمّل المسؤولية وأن يأخذوا على عاتقهم تهيئة الظروف للتطور الفردي والجماعي. ورجل السياسة الذي يعيد على مسامعهم مقولة حالة الضحية يستعملها لنيل أصواتهم بما أنّه لا يطرح سؤال المراجعة الضّرورية لما هو قائم.

 

رابط الحوار

https://www.jeuneafrique.com/1337707/politique/tunisie-hassen-zargouni-la-victimisation-est-devenue-une-culture-politique/?fbclid=IwAR2blw1-MDfVGyeyAU1zvFTGqwcAKxB1_i0t_tShpRaAUvmwt-0CASFwL_U

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP