الجديد

استفتاء “الوقت المستقطع” و “الزمن المهدور”

هشام الحاجي

 

يمكن القول ، خشية الإتهام بالانحياز أو الوقوع في الخطأ ، أن الاستفتاء على الدستور الجديد الذي اقترحه رئيس الجمهورية قيس سعيد، قد أصبح في حكم الماضي لأنه من الصعب أن يتغلب التوجه بالتصويت بلا على التصويت بنعم.

ليس في هذا التوقع انحياز ” لصاحب الدستور ” أو محاولة تأثير على الناخبين، بل هو قراءة لبعض المؤشرات و الوقائع، التي تفيد أن قيس سعيد قد أصبح في طريق مفتوح لفرض ” إرادة الشعب ” المتخيل، بناء على ما تمكن من تحقيقه في السنة الماضية، من تفكيك ممنهج لمنظومة 14 جانفي 2011 السياسية و المؤسساتية، و من استغلال تدهور صورة الأحزاب السياسية، و ما يشقها من تناقضات، ليتحول إلى اللاعب الوحيد في المشهد – و لو –  إلى حين .

و لا شك أن قيس سعيد قد استفاد من الأخطاء المتراكمة، التي ارتكبتها الطبقة السياسية منذ ” الثورة و الى حد الآن لتحقيق هذه النتيجة . و حتى محاولات ” الصمود و التصدي ” التي بذلت في الأسابيع الأخيرة، فقد باءت بالفشل، إذ لم تتمكن المعارضة من تحريك الشارع،  و زاد فشل إضراب القضاة في تكريس نفوذ قيس سعيد و سطوته .

و لا يعني الذهاب إلى توقع النتيجة تجاهلا لبعض المؤشرات، التي طبعت ” الحملة الإنتخابية ” التي تسبق يوم التصويت . و من أهم ما يمكن التوقف عنده إلى جانب انخراط الادارة و لو بشكل خفي، في دعم دعاة التصويت لفائدة الدستور الجديد، هو  حدة الخطاب الذي ” يتراشق ” به الطرفان، و ضعف الثقافة السياسية.

إلى جانب ما يظهر من لامبالاة لدى الرأي العام،  خاصة في المدن و تحريك الرأي العام في الجهات، بخطاب يؤكد على الفوارق و الانقسامات.

مرة أخرى يتأكد أن المعارك حول الدستور في تونس، ليست الا معارك حول افتكاك السلطة اولا و حول تصور للمجتمع ثانيا، و ما يمكن الإشارة إليه في هذا السياق، أن مشروع الدستور المعروض لا يمثل محاولة قطيعة مع الجمهورية الثانية فقط بل أنه يلغي ايضا الأسس التي قامت عليها الجمهورية الأولى، و إن كان يسترد أهم ” انحراف مدمر” عرفته و هو النظام “الرئاسوي” .

ورغم ما يمكن أن يثيره من جدل و ما سيتركه من آثار فان الاستفتاء ليس الا ” وقتا مستقطعا ” في الزمن التونسي المرتبك و المأزوم . و الوقت المستقطع الذي يميز بعض الرياضات الجماعية لا يحول دون العودة إلى ” المباراة” و هي عودة ستكون سمتها الأساسية الانتظار.

ذلك أن قيس سعيد الذي سيجد نفسه متحررا ، نظريا على الأقل، من كل الضغوط الداخلية و سيكون مسؤولا لوحده عن الاستجابة ل” انتظارات” مناصريه، و منتظرا أيضا لما سيؤدي اليه ” اصطفافه” في مستوى العلاقات الخارجية من مساعدات و دعم على المستوى المالي.

اما المعارضة فإنها ستكون في ” انتظار” مراهنتها على تعفن الوضع الاجتماعي لعل ذلك يضعف قيس سعيد . و لا شك أن ” الوقت المستقطع ” في السياسة لا يحول دون إضاعة الوقت و لكنه يمثل مناسبة لتذكيرنا بميلنا كشعب إلى هدر الوقت، و إلى عدم تمكن بعض المفاهيم من التجذر في وجدان أوسع قطاعات من الرأي العام .

لقد أدت الانحرافات العديدة التي عرفتها العشرية الأخيرة، من فقدان بعض المفاهيم و المصطلحات كالديمقراطية و الشفافية لبريقها ، و هو ما ساهم في اعطاء قيس سعيد مبررات ليصوغ دستورا ينفي الفصل بين السلط ،و يقضي على توازنها،  و يفتح الباب امام نظام قوامه التمحور حول شخص .

و هذا يعني أن عشرية كاملة قد ذهبت ادراج الرياح، و عجزت عن الدفاع عن نفسها، و هو ما يؤكد أن تونس تملك سمة قد تكون فريدة، و هي أنها سباقة في ” قيادة التحولات السياسية”،  في محيطها الإقليمي و لكنها لا تملك القدرة على استنفاذ ما في هذه التحولات من امكانات ايجابية …

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP