الجديد

عالم الاجتماع رضا بوكراع  .. قراءة أنتروبولوجية “لظاهرة قيس سعيد” من منظور ” العقل السياسي الغربي” ( مثال الباحث الفرنسي ميشيل كامو )                                       

منذر بالضيافي

تقدم هذه الورقة، قراءة أنتروبولوجية لعالم الاجتماع التونسي، رضا بوكراع، للتصورات و المقولات التي تضمنها حوار المفكر والمختص في العلوم السياسية والمهتم بالتحولات السياسية في تونس والمغرب العربي، الفرنسي ميشيل كامو مؤخرا لجريدة “لوموند” الفرنسية، والذي ورد تحت عنوان: “قيس سعيد يضع الأسس لنظام ذي توجّه أيديولوجي قومي عربي”.  

تقوم قراءة بوكراع الأنتروبولوجية لحاور كامو، على محاولة تفكيك و تحليل قراءة ميشيل كاماو للظاهرة السياسية التي يجسدها قيس سعيد. ماذا يعني إجراء التحليل الأنثروبولوجي للقراءة التي قالها ميشيل كاماو ، عالم السياسة الفرنسي ، لقيس سعيد كظاهرة سياسية؟ هذا يعني ما يلي:

1- محاولة تحديد المفاهيم التي استخدمها كامو والتي يستخدمها الغربيين وبعض التونسيين القريبين منهم في التفكير حول ظاهرة سعيد.

2- محاولة تقييم درجة ملاءمة هذه المفاهيم الموروثة من العلوم السياسية لتفسير ظهور هذه “القوة الجديدة” التي هي قيس سعيد. لإظهار محدودية النهج الغربي للعلوم السياسية المستوحاة من الليبرالية في تناول وقراءة ظاهرة غير مسبوقة من الشعبوية القائمة على “الهوية” والنهج المحافظ.

استهل الدكتور بوكراع حواره معنا حول حوار كامو، بالتركيز على ما وصفه بالاطار النظري والمعرفي ( الجهاز المفاهيمي والبراديغمي )، الذي يتحرك فيه الرجل، مشيرا في البداية الى أن كامو نشر سنة 2018 كتابا مهما تحت عنوان: “الاستثناء التونسي .. تموجات الأسطورة”، بين فيه أن فكرة “الاستثناء التونسي”، قد أوحى بها المؤرخين الفرنسيين ( و أبرزهم شارل أندري جوليان و أندري ريمون ) للرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، الذين أقنعوا “الزعيم بورقيبة” مبكرا بأنه هو “استثناء”، وقبل بورقيبة الفكرة واعتبر نفسه فعلا “استثناء”، وهذا ما يكشف عن علاقة استعمارية ما زالت قائمة، فتفكير المستعمر ( بفتح العين ) هو الذي يعطي المفاهيم والاسماء التى يتبناها المستعمر ( بكسر العين )، ومن ذلك الوقت اعتبر بورقيبة نفسه استثناء و الشعب التونسي استثناء، كما قبلت النخبة الفكرية ذلك واعتبرت هي نفسها أيضا استثناء.

أصول وجذور مقولة “الاستثناء التونسي”

 

وبالنسبة لبوكراع، فان كامو تبنى أيضا فكرة “الاستثناء التونسي” هذه، واستنجد بها في تحليل ظاهرة قيس سعيد، وبرز ذلك في حواره  الأخير مع جريدة “لوموند”، بمعنى أنه لم يتحرر من عقدة التفوق التي حكمت العلاقة بين الغرب والمشرق، علاقة الفكر الغربي الناضج بالفكر المشرقي الناشئ، وبالتالي فانه لم يتحرر من المركزية الغربية التي تميز الفكر الغربي، الذي يرتكز الى براديغم الكوني، الذي يجد أصوله في التنوير المبني على القانون الوضعي المعياري، والحريات وحقوق الانسان …

وهو ما نقله عنهم المهتمين بحقل العلوم السياسية في مجتمعاتنا، فالعلوم السياسية التي تدرس في جامعاتنا والتي يروج لها أساتذة القانون خاصة في الجامعة التونسية، تستعمل في مفاهيم وبراديغمات أنتجتها المجتمعات الغربية المهيمنة.

وكامو كباحث فرنسي / غربي يوظف هذه المفاهيم في بيئة لا يعرفها فضلا عن كونه بعيد عن الميدان التونسي، و يشتغل أيضا على معطيات وافدة عليه وفيها العديد من الأخطاء وحتى المغالطات.

فهو يفك عن بعد في شيء غير متمكن منه، أو على الأقل له معرفة بالميدان ( التونسي) منقوصة  أوغير دقيقة، وهذا في الواقع حال جل المفكرين الغربيين أثناء دراساتهم للمجتمعات الشرقية، وفي هذا السياق تم اعتبار قيس سعيد من قبل ميشال كامو “قومي – عربي معادي للغرب”.

وهو ما يكشف عن عجز هذا البرايدغم المعياري و الكوني الشائع في العلوم السياسية الغربية والذي نقلته النخب التونسية المتبنية له والمدافعة عنه، والذي يتعارض مع “البراديغم الذي أتى به قيس سعيد”، وهنا نعيد ونؤكد  أن فهم الاطار النظري الذي يتحرك فيه كامو وبعض النخب التونسية المتماهية معه مهم جدا لفهم محتوى ومواقف الرجل في حواره الأخير مع جريدة “لوموند” الفرنسية.

 

مجتمع الدولة ومجتمع النخبة

 

تحليل كامو للمجتمع التونسي مبني على جملة من المقولات و المفاهيم منها “الدولة الأبوية”، بورقيبة اسس هذه الدولة الأبوية، والمجتمع فيها ينقسم الى قسمين اثنين:

/ 1/ المجتمع الذي هو في حاجة للدولة.

/ 2/ المجتمع، الذي هو متكون من النخبة ( اللافت هنا ان كامو يعتبر النخبة مجتمع) ، التي تطالب بالقانون وحقوق الانسان .

وقد استمر هذا التقسيم للمجتمع بعد نهاية حكم الرئيس الحبيب بورقيبة أي خلال فترة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

ويشدد رضا بوكراع، على أن الدولة الأبوية، قائمة على تمكين المجتمع من اشباع حاجياته، وهذه الدولة أصبحت غير قادرة على تأمين هذه الحاجيات واشباعها، في اخر عهدة الئيس بن علي، فكانت الثورة ( 14 جانفي 2011 ).

وبالنسبة لكامو، فان قدوم قيس سعيد هو نتاج عن عجز المنظومة السابقة عن اشباع حاجيات المجتمع، وقد جاء سعيد بخطاب مختلف عن خطاب النخبة المهيمنة، وهو بذلك قد اغتنم فرصة تأزم المنظومة ليبرز ويقدم نفسه بديلا عنها.

كما يركز كامو في فهم ظاهرة قيس سعيد، على مقولة “القطيعة”، وهو ما يسقط الرجل في اشكال، اذ يعتبر القطيعة تأخر وتحول سلبي régression، على اعتبار أنه ( قيس ) في نظره قد رجع الى السلطوية، وقام بتحول ايديولوجي متمثل في انتمائه للقومية العربية، ونلاحظ هنا أن ما قام به كامو هو حكم معياري.

اما المقولة الثالثة التي استند لها ميشال كامو في تحليل ظاهرة قيس سعيد، فهي مقولة “التونسة” tunisianité   التي هي في تصوره نتاج لانتماء عربي و انتماء لفكر التنوير الغربي.

وهو ما أثمر هذا “التوافق التاريخي” بين المكونين، وقيس سعيد بالنسبة لكامو قد خرج عن هذا التوافق التاريخي. كما انه خرج من ما بعد الدستور برغم انه استاذ قانون دستوري، فالدستور هو منتوج غربي وهو مثله مثل حقوق الانسان جاءت به الامبريالية.

 

لوصف النظام الذي يبشر به قيس سعيد، يستعمل ميشال كامو مقولة “الشعبوية” . فكيف يحدد شعبوية قيس سعيد؟

 

أولا، عنده تصور خيالي ومتصوف للشعب، فهو ذات غيبية.

ثانيا، يقدم كامو تشخيص تصور لمصير الرجل، يميز فيه بين الشعب الميتافيزيقي و الشعب الحقيقي، الذي يرى انه سوف يصطدم به قيس سعيد وحينها يسقط. وبالنسبة لكامو فان سلوك سعيد هو سلوك انتحاري، فهو سيواجه غضب الشعب الحقيقي.

كما يقارن كامو بين شعبوية قيس سعيد وشعبوية فنزويلا. ويذهب الى القول بأن شعبوية قيس سعيد مفروضة من فوق، لأنها لا تعتمد على حاضنة شعبية في الواقع، ولذلك يعتبر فكرة “البناء القاعدي” أسطورية، لأنه بناء قاعدي بدون قاعدة.

 

 بين الثورة التونسية .. والثورة الفرنسية

 

يشير بوكراع، الة أن  ميشيل كامو يتبنى نفس موقف عياض بن عاشور من الثورة، بالنسبة له الشعب التونسي قام بثورة، ويستعمل مرجعية توكفيل ( 1789الثورة الفرنسية  )، الذي اعتبر حينها ان الثورة الفرنسية لم تصل الى منتهاها في 1834، وبالتالي يعتبر أن قيس سعيد ظاهرة من ظواهر امتداد الثورة، وهذا ما يؤكد أن كامو مسكون بالمعرفة المركزية الغربية وبمفاهيمها. فالنسبة له سعيد هو ظاهرة تعبر عن تواصل الثورة، ويعتبر أن المصير سيكون عودة استئناف المسار الليبرالي للثورة، هذا المسار الذي أوقفه قيس سعيد، وفق تعبيره.

بالنسبة لعالم الاجتماع التونسي رضا بوكراع، فان كامو بقى سجين المقولات الفكرية القديمة، وأن تحليل الشأن الجاري في تونس اليوم ( مع قيس سعيد )، يفترض ابتاع مفاهيم/ براديغمات ومقولات جديدة، ويشدد على أننا اليوم لا نمتلك مفاهيم لفهمه وتحليله وتفكيكه، ما يشير الى أن الواقع متقدم على المفهوم، وهنا ألتقي مع المقولة الشهير لغرامشي التي يقول فيها:” القديم يحتضر والجديد لا يستطيع أن يولد بعد، وفي هذا الفاصل تظهر أعراض مرضية كثيرة وعظيمة في تنوعها”. فالديمقراطية التمثيلية تشير عديد الشواهد والأمثلة على أنها تحتضر ( ما يجري في كل من ايطاليا فرنسا التي برغم أن دستورها رئاسي الا أن النظام السياسي كما هو منزل في الواقع نجده برلماني ).

ومن بين ملاحظات بوكراع على رؤية كامو لقيس سعيد، انه يرى انه يركز على الشخص، فالبنسبة لبوكراع  قيس هو نفسه ينتمي لديناميكية تتجاوزه ( فهو ليس معلق في الهواء، و ورائه قوى خفية وهنا نفهم حديث ادغار موران على التعقيد complexité ، فنحن بالتالي أمام ظاهرة معقدة وصعبة، كشف العقل السياسي الغربي الذي مازال سجينا لمقولات قديمة عن صعوبة  فهمها، صعوبة  تصل حد العجز عن تفسير وتحليل ما حصل استنادا الى مفاهيم ومقولات قديمة، كما سبق وأن اشرت.

 

الرابط الأصلي لحوار ميشال كامو لجريدة “لوموند” الفرنسية:

https://www.lemonde.fr/afrique/article/2022/07/24/tunisie-kais-saied-pose-les-jalons-d-une-orientation-ideologique-de-type-nationaliste-arabe_6135964_3212.html?fs=e&s=cl&fbclid=IwAR2uRKMvvOiQnK3vnqm_QzCGuYEgSUwWEQGxGXtA1cE2rEyMzTqfiqgo-kg

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP