الجديد

تيكاد 8  .. هل تكون بداية عودة الأمل ؟  

منذر بالضيافي

بعيدا عن جدل الداخل، وهو سياسوي بالأساس ومداره الصراع حول السلطة، بين قيس وخصومه، وبعيدا عن “التشويش”، الناجم عن “الحفاوة” التونسية الرسمية، بوفد البوليساريو ممثلا في رئيسها ابراهيم غالي، الذي أستقبل في المطار من قبل الرئيس سعيد، وهو ما أثار “غضب” النظام المغربي، فان “ندوة طوكيو الدولية للتنمية في إفريقيا”، تيكاد8، التي احتضنتها تونس يومي 27 و 28 أوت الجاري، كانت ناجحة وخاصة في الجانب التنظيمي واللوجيستيكي.

وبذلك تكون قد قدمت صورة ايجابية، عن بلد يجمع الداخل والخارج على انه يمر بأوضاع صعبة ومعقدة، وفي حاجة الى اعادة تنشيط ماكينة الانتاج والعمل، من خلال ضخ استثمارات عاجلة من كل حدب وصوب، وتفعيل التعاون الثنائي و المتعدد الأطراف. فهل أن المناخ الحالي مناسب لجلب الاستثمارات واقناع المستثمرين التونسيين والأجانب بجدوى الاستثمار في “الجمهورية الجديدة” ؟ .

مثلت فعاليات الندوة، وما حظيت به، من اهتمام اعلامي محلي ودولي، بداية عودة أمل، نقدر أنه متى توفرت النوايا الصادقة في حلحلة الأزمة و العودة الى الرشد الوطني، فانه يمكن البناء عليها لتجاوز الأزمة المعقدة والمركبة، التي تعصف بالبلاد، والتي ما تزال أطوارها مفتوحة على المجهول، خاصة في ظل تواصل الانهيار الاقتصادي، الذي لا يمكن وضعه كله في خانة الظرف الدولي، ما بعد الكوفيد 19 و الحرب الروسية الأوكرانية، والتنصل بالتالي من الادارة السياسية السيئة والضعيفة للملف الاقتصادي، التي ميزت عشرية ما بعد الثورة، وتعمقت أكثر خلال السنة الأخيرة.

برغم السياق الوطني الصعب، فان أجواء الندوة والحركية التي أدخلتها في البلاد، أعادت الأمل في نفوس المواطن العادي، المتعطش لمثل هذه الأجواء التي افتقدها خلال العشرية الأخيرة، والذي يأمل في أن تتجاوز البلاد عثراتها وتعود لاستئناف اشعاعها بين الأمم، لكن العارفين بخبايا الأمور ربما  يرون خلاف ذلك، في ظل وضع سمته الأساسية تواصل تمدد الأزمة السياسية، وما نجم عنها من استقرار “هش” في اطار من الانقسام المجتمعي الغير مسبوق، وكذلك حالة ما يشبة “العزلة” الدولية التي عليها تونس، بسبب تواصل الأزمة السياسية، وما يعتبره الخارج الغربي، تراجعا من قبل الرئيس سعيد ، عن المسار الديمقراطي.

الأمر الذي خلف حالة “قلق” لدى الأوساط الغربية وخاصة الأمريكية، التي ما زالت تقرن دعمها ومساعداتها لتونس باستئناف المسار الدستوري، وربما هذا ما يفسر تعطل وبطء المفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي، فضلا عن كون الولايات المتحدة ومن خلال   تصريحات وفد الكونغرس الذي زار تونس منذ أيام وقبلها تصريحات الوزير بلينكن وكذلك وزير الدفاع التي أتت غير متعارف عليها بحكم صفته، كلها جاءت لتؤكد على استمرار الضغط لتعديل خط سير الرئيس سعيد السياسي، باتجاه جعله أكثر تشاركية واقل انفرادية.

الأمر الذي خلف حالة “قلق” لدى الأوساط الغربية وخاصة الأمريكية، التي ما زالت تقرن دعمها ومساعداتها لتونس باستئناف المسار الدستوري، وربما هذا ما يفسر تعطل وبطء المفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي

بما يجعله يفضي الى بناء مؤسسات دستورية حقيقية، تكون ترجمة لخيار شعبي حر، وهذا ما يفسر اهتمام الدوائر الغربية وتحديدا الأمريكية بالقانون الانتخابي الذي ما يزال طور الاعداد في قصر قرطاج، والذي ترجح بعض التسريبات ، انه لن يكون بعيدا عما عرف من خيارات الرئيس السياسية، والتي عبر عنها في دستور “الجمهورية الجديدة”، تلك التوجهات القائمة اساسا على حكم “الرجل الواحد”، عبر تصفية أو اضعاف كل الأجسام الوسيطة، وخاصة الأحزاب و ربما لاحقا النقابات والاعلام.

كل هذه الهواجس بل الانشغالات السياسية، كانت حاضرة بقوة في كواليس الندوة اليابانية/ الافريقية، حتى وان لم يعبر عنها صراحة في الخطابات والتصريحات الرسمية، ما يعني أن البلاد ما تزال تعيش تحت ضغط و وقع “اللحظة السياسية”، التي أدت الى اهمال كل ما هو اجتماعي واقتصادي.

وهو ما جعل المسار الديمقراطي في العراء مجتمعيا، أي بلا حاضنة شعبية تدعمه وتسنده، ما سهل التراجع عنه و “بجرة قلم”، كما يقول المثل الشعبي التونسي، أي دون عناء و “مقاومة” تذكر، بل بما يشبه “الفرحة”، حتى من صفوف الذين كانوا قبل تاريخ 25 جويلية 2021 رموز في الحكم ودوائره و نواب في البرلمان.

تيكاد8، في بعدها التنظيمي والاحتفالي ، ومثلما ذكرنا فإنها تعد قصة نجاح، ودليل على قدرة “العبقرية التونسية” على النهوض والاستفاقة، وهذا مهم جدا في مجال الصورة ، وبالتالي الترويج والدعاية للوجهة التونسية، لكن الاستثمار  لن يتحقق الا عبر توفير ما يطلق عليه خبراء الاقتصاد  ب “المناخ الاستثماري”،  والذي يتحقق عبر انهاء حالة الاستثناء السياسي، واستعادة حياة ديمقراطية تشاركية، وهو مطلب القوى والنخب الوطنية، قبل أن يكون مطلب الخارج، وتحقق هذا الشرط هو الكفيل لوحده بتحقيق الاستقرار، الذي يعد خير وأفضل مفتاح لجلب الاستثمار.

 

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP