الجديد

المشهد التونسي:  هل خذلت الأحزاب الانتقال الديمقراطي ؟

منذر بالضيافي

منذر بالضيافي

في مقالنا السابق حول “المشهد التونسي اليوم: تراجع “السياسي” .. وعودة “النقابي ” و ” الحقوقي” لتصدر المشهد!”، أشرنا الى ضعف الخارطة الحزبية، وان “عشرية الثورة” أو ما تعرف في تونس بعشرية “الانتقال الديمقراطي”، برغم ما سمحت به من حرية – وصلت حد الفوضى –  في ما يتعلق بتأسيس الأحزاب، التي تجاوز عددها أكثر من 200 حزب، الا ان هذه الحرية لم تفض الى بناء أحزاب قوية، من جهة الهيكلة والتسيير الديمقراطي والجماهيرية، والبرنامج السياسي و المجتمعي، وبقت أحزاب أشخاص (أحزاب صاحب “الباتيندة” )، مثلما كانت عليه في زمن “النظام التسلطي”، ولعل هذا ما يفسر تعصر هذا المسار أو حتى موته وهو في المهد. فهل خذلت الأحزاب الانتقال نحو الديمقراطية؟

في تونس وان كانت الظاهرة الحزبية قديمة، الا أنها بقت مشدودة للوراء ولم تتقدم، مع بداية دولة الاستقلال تم تهميش واقصاء كل الحساسيات السياسية والحزبية خاصة لصالح الحزب الواحد، ونعني طبعا حزب الزعيم الحبيب بورقيبة، “الحزب الاشتراكي الدستوري”، في تسميته البورقيبية ، قبل أن يصبح “التجمع الدستوري الديمقراطي”، مع الرئيس زين العابدين بن علي الذي تولى مقاليد البلاد بعد أن أقصى بورقيبة في بيان طبي تبعه بيان سياسي، في 7 نوفمبر 1987.

الى حدود بداية الثمانينات، كرس بورقيبة دولة الحزب الواحد، الذي كان يتحكم لا في الدولة فقط بل المجتمع أيضا، وان منع ذلك بروز تعددية سياسية وخاصة حزبية، الا ان الحزب الحاكم قد عرف تنوعا كبيرا في صفوفه، وهو ما يفسر خروج معارضة تم الاعتراف بها لاحقا من صلب حزب بورقيبة، لعل أبرزها “حركة الديمقراطيين الاشتراكيين”، كما ظهر من صلب الحزب تيار ليبرالي وحقوقي، ساهم في تأسيس أبرز جماعة حقوقية في العالم العربي وافريقيا، ونعني بها “الرابطة التونسية لحقوق الانسان”.

ظهرت زمن حكم الرئيس الحبيب بورقيبة تعددية حزبية، لكن مع ذلك استمرت هيمنة الحزب الحاكم على الحياة السياسية، وعلى الدولة والمجتمع وعلى كل الحياة و الفضاء العام، ولم تسلم من هذه الهيمنة الا الحركة الطلابية، التي عرفت هيمنة لصالح التيار اليساري بكل تلويناته، ثم لاحقا ومن بداية ثمانينات القرن الماضي، ومع ظهور الحركة الاسلامية ممثلة في الجماعة الاسلامية في البداية ثم حركة الاتجاه الاسلامي، بدأ التيار الاسلامي يفتك المواقع ثم الصدارة في الجامعة من اليسار الماركسي.

وبالنظر لهيمنة الحزب الواحد على كال مفاصل الدولة، فان التعددية الحزبية بقت زمن الرئيس الحبيب بورقيبة شكلية، وحتى المناسبات التي شاركت فيها في الاستحقاقات الانتخابية تم تزوير حضورها ومشاركتها، على غرار ما حصل مع حركة الديمقراطيين الاشتراكيين في الانتخابات البرلمانية لسنة 1981.

كما استمر الحضور الشكلي والديكوري للأحزاب في فترة حكم الرئيس زين العابدين بن على، وبرغم تمكين المعارضة من “حصة” تمثيلية في البرلمان، فان الحزب الحاكم استمر في وضع يده على الدولة والمجتمع، واحتكر الممارسة والنشاط السياسي، التي أصبحت في حكم الغائبة، خصوصا بعد الصراع الذي دخل فيه نظام بن علي مع الاسلاميين، والذي كانت من نتائجه وجود حالة تصحر في الحياة السياسية.

وبالنظر لهيمنة الحزب الواحد على كال مفاصل الدولة، فان التعددية الحزبية بقت زمن الرئيس الحبيب بورقيبة شكلية، وحتى المناسبات التي شاركت فيها في الاستحقاقات الانتخابية تم تزوير حضورها ومشاركتها، على غرار ما حصل مع حركة الديمقراطيين الاشتراكيين في الانتخابات البرلمانية لسنة 1981.

شملت لاحقا كل التعبيرات السياسية، وهو ما مثل عائقا أمام تطور ونمو الأحزاب، وحكم على المشهد الحزبي “بالموت السريري”، حالة فراغ ستبرز نتائجها وتجلياتها بعد ثورة 14 جانفي 2001، اذ سمح غياب أحزاب مهيكلة ولها حضور شعبي، بتمدد حركة النهضة الاسلامية على الحياة السياسية والحزبية، وهي التي فازت بأغلبية مطلقة بعد أول استحقاق انتخابي بعد الثورة ( انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر2011 ).

إبان الثورة وجدنا انفسنا مع ما يقارب 200حزب و أكثر، و انتقلنا بسرعة برقية و بدون سابق انذار من ارث الحزب الواحد، إلى فسيفساء حزبية شتت التونسيين و أصواتهم. في تلك الفترة كانت كل انظار العالم موجهة لهذا البلد الصغير جغرافيا، والكبير و العظيم تاريخيا وأيضا بما انجز في تلك الفترة، ثورة فاجأت اهل الديار قبل العالم الخارجي، قبل أن تتحول بعد عشرية واحدة الى “كابوس”، أدخل البلاد في مسار غير واضح ومجهول.

ويفسر ما حصل ويحصل منذ 25 جويلية 2021 في بعض جوانبه بغياب حياة سياسية متجذرة، تستند الى أحزاب قوية ومهيكلة، فكما أشرنا في بداية هذا المقال، فشرط وجود أحزاب قوية اساسي في البناء الديمقراطي.

اليوم، والان وهنا، لا نبالغ بكون من بين اسباب فشل الانتقال الديمقراطي، هو فشل الأحزاب السياسية بكل مرجعياتها الفكرية وحساسياتها الايديولوجية، ومن أسباب هذا الفشل الحزبي، هو تلك الأمراض المزمنة والهيكلية التي تنسحب على كل مكونات الساحة الحزبية وهي:

1/ تمحور هذه الأحزاب حول الاشخاص و ليس حول الافكار و الرؤى

2/الانتهازية و تقديم مصلحة التنظيم على المصلحة الوطنية ( ما عرف بخيار “التمكين” عند حركة النهضة ذات المرجعية الاخوانية)

3/عدم تقديم اي حلول بديلة للخروج من الازمات الاقتصادية او الاجتماعية ( أحزاب تواصل لا قطيعة )

4/استعمال المال السياسي الفاسد و هذا كان جليا لعموم التونسيين في فترات الحملات الانتخابية

5/ ولاءات وارتباطات لمحاور في الخارج

6/ ضعف و تردي الخطاب السياسي

7/عدم تمكن هذه الأحزاب من تقديم مشاريع قابلة للتطبيق على أرض الواقع.

كل هذه العوامل و غيرها ، أدت الى فشل أحزابنا في انجاح مسار الانتقال نحو الديمقراطية، كما ساهمت في تصاعد رفض جماعي للأحزاب وبالتالي للسياسة، والذي صوحب ببروز دعوات الى طرد هذا “الكيان” ( الحزب)  من المشهد ومن ادارة الشأن العام.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP