الجديد

انتحار الزرقي .. النار و العار

مهدي عبد الجواد
ثماني سنوات، و يتواصل فعل الاحتراق بين الاحتراق الاول و الثاني، سلسلة لا متناهية من الاختلافات المادية و الرمزية. و لكن احتراق الزرقي، كشف زيف وجودنا و خواء تجربتنا، و غياب الحس القيمي و الاخلاقي عند نُخبتنا. النار كشفت العار الكامن فينا. الاحتراق هو نفسه. فعل يائس، في لحظة، يتداعى الجسد الانساني الضعيف رمادا. الأسباب هي نفسها، الفقر و البطالة و التهميش و “الحُقرة”. البوعزيزي الذي احترق في لحظة غضب و شعور بالمهانة، فجّر بحركته بُركانا، لا تزال لفحاته تكوي شعوبا بعيدة عنه. التقى فعل الاحتراق، بقوى أخرى، بعضها ظاهر و أغلبها خفيّ، ليصبح رمزا للتحرر، شهيدا للحرية، و أيقونة ثورة، أريد لها أن تكون غصبا “ثورة كرامة”. باسمه تُسمى الشوارع و الساحات، و توسم المواسمُ و الأعياد…..
الزرقي، نفس الفعل، نفس المهانة و الإحساس بالعجز و الفقر و التهميش، يحترق. و يحرق معه، أوراق توت نُغطي بها عوراتنا. فوق لحمه المشوي و رماده و عظامه المتفحمة، تختلف الامة.  شهيد جديد يُراد له الإطاحة بالحكومة…. لا هو قتيل، قضية جنائية لا بد من محاكمة القاتل. و بينهما، نتلهى نحن في حفل الشواء هذا، بتغيير المواقع بلا حياء.
يُحاول إعلام الحكومة و أنصارها من جماعات الموالاة و “نوائب” مجلس الشّعب، صرف النظر على اصل المشكل، الفقر و الحاجة و التهميش و الحُقْرة و فشل سياسات الحكومة التي تتراكم. هي نفسها التي تعتقد ان البوعزيزي شهيد، تحرم الزرقي من ذلك. تقوم بنفس دور اعلام بن علي، فيما هي تتبجح صباحا مساء، بأناشيد الثورة، و مكافحة الفساد. تحول إعلام “الموالاة” الى كتبة “سيناريهوات” للمفتش كونان ، في نسخ سيئة الإخراج، فاقدة للحس الإنساني، مليئة بــ”الحسّ”….. و أمام هذا العجز الفاضح، لم ينجح إعلام المعارضة أيضا، في جعل الضحية، قديسا جديدا، يُشعل الاحتجاجات التي تطيح بالحكومة.
الصراع على استثمار احتراق الزرقي، يكشف حجم الوضاعة التي وصلنا اليها. ان هذا التجاذب المرضي، يؤكد انه بقدر سقوط جسد الزرقي المحترق هباء، ماديا، نحترق نحن قيميا و رمزيا. أسفي الإنساني العميق على هذا الشاب، الصحفي. احترقت أحلامه و أمانيه و قصص العشق التي عاشها و التي لم يعشها. و أسفي على موته يزيد في تفرقتنا، و الحال أن رسالته هي إن اجعلوني قربانا لاجتماعكم الوطني، علّي أكون “الفينيكس” الذي يطلع من رماد رداءتكم، فلست غير روحكم المتفحمة.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP