الجديد

ريبورتاج: تونسيون ينشدون النجاح “ولو كان في الصين”

 تونس- (وات)-

” تزوجتُ صينيّا ونلتُ شهادة الدكتوراه في الصين .. وأفراد عائلتي شجعوني وأعجبتهم طريقة العيش في هذا البلد “، تقول التونسية هند خالقي، أستاذة اللغة الفرنسية بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية والمتحصلة على الدكتوراه في اللّسانيات التطبيقية بجامعة الثقافة واللغات ببيكين.

وتضيف هند، في حديثها لـ(وات)، “الحياة في الصين ليست صعبة، فقط تحتاج إلى قليل من الوقت للتأقلم مع العادات واللغة، لا غير“.

الأستاذة هند خالقي واحدة من بين أكثر من 650 تونسيا يقيمون بالصين للدراسة والنشاط في ميادين مختلفة، وفق معطيات استقتها وكالة تونس إفريقيا للأنباء (وات)، من مصادر رسمية.

وكانت سفارة تونس ببيكين أشادت، يوم 8 مارس الموافق لليوم العالمي للمرأة، بتميز هند خالقي في مجال اختصاصها في الصين وبتميزها بنشر العديد من البحوث باللغة الصينية والعربية وبترجمة وتدقيق بعض الكتب من اللغة الصينية إلى اللغة العربية.

// الطريق إلى الصين ..

تعود هند إلى مراحل في مسيرتها تعتبرها حاسمة في تشكل تفكيرها في التوجه إلى الصين وتقول ” كان والدي وراء اختياري للغة الصينية .. كان يستشعر أنّ الصين سيكون لها مستقبل أفضل وأنّ العلاقات التونسية الصينية ستتحسّن أكثر فأكثر “.

وأردفت في هذا السياق قولها ” تحصلت على الأستاذية في اللغة والأدب الصينيين من معهد اللغات بحي الخضراء تونس .. وأول زيارة لي إلى الصين كانت سنة 2006 ضمن تعاون بين جامعة قرطاج وجامعة اللغات والثقافة ببكين .. تحصلت على منحة من الدولة لدراسة اللغة الصينية لمدة ستة أشهر، ثم تحصلت سنة 2009 على منحة ماجستير وأنهيت الدكتوراه في الصين” .

وتؤكد هند أن “الفضول” كان أيضا وراء تخصّصها في اللغة الصّينية وكذلك في ميلها للغات الشرقية ورموزها الصينية، مضيفة قولها إن الكثير من التونسيين يعتقدون أن هناك اختلاف كبير مع الثقافة الصينية، في حين أنه يوجد العديد من نقاط التشابه.

وتتابع في هذا الشأن أنّ لديها أصدقاء صينيون مقربون تلتقيهم دائما وتقضي معهم أوقاتا ممتعة ولها كذلك أصدقاء تونسيون تعرفت عليهم في الصين.

ممدوح غدامسي تونسي آخر مقيم في الصين وصاحب شركة خاصة في مجال التسويق الرقمي وسط شنغهاي ويعمل مع عديد العلامات التجارية الفندقية، يقول لـ(وات) إن ما شجّعه على البقاء في الصين وبعث مشروعه الخاص هو أنّ الأسواق الصينية واعدة جدّا.

يعود إلى بداياته المهنية ويقول إنّه انقطع عن الدراسة في سن مبكّرة قبل أن يلتحق بالعمل في أحد الفنادق، أين تعلّم اللّغات ومن ثمّة أصبح منشطا سياحيا في عدد من الفنادق بقمرت وجربة وسوسة والحمامات، إلى أن تمكّن من لفت أنظار إحدى الشركات الكبرى للفنادق وعمل معها في ظرف 15 سنة بـ 14 بلدا.

انطلقت رحلة ممدوح إلى الصين ووقع تعيينه مسؤولا أوّلا على عدد من الفنادق ثم انتزع موقع مدير عام لأكبر شبكة للنوادي العائلية الموجهة للأثرياء في الصين.

بدورها، تؤكّد لمياء مبارك، تونسية متحصلة على شهادة دكتوراه في البيولوجيا وتعمل في الصين بصفتها باحثة علمية في علوم الأعصاب الجينية، أنّ الشعور بالارتياح في العمل والحياة اليومية جعلها تطالب بالتمديد في فترة بقائها في هذا البلد، الذي تقيم فيه منذ سنة ونصف.

وتضيف، في حديثها مع (وات)، أنها ” انتقلت بمفردها إلى الصين وشعرت بسرعة، رغم تحديات اللغة والتأقلم مع بيئة جديدة تختلف فيها العادات، بالانتماء للمجتمع ووجدت استقبالا حارّا من الصينيين الذين تتشارك معهم الإفطار والمناسبات والأعياد في احترام كامل للمعتقدات والثقافات والعادات”.

وأشارت إلى وجود نقاط تشابه بين المجتمعين التونسي والصيني مثل ” الاحترام العميق للتقاليد وإيلاء الأهمية للعائلة والمجتمع وتقدير مكانة العلم والتعليم والاحترام لكبار السنّ والحكمة والاهتمام بالفنون التقليدية والحرف اليدوية “.

وتردف لمياء “تجربتي في العيش في الصين كانت ومازالت مدهشة وممتعة .. الحياة في الصين أثرت بشكل كبير على تطوري الشخصي وثقافتي .. إلى جانب التاريخ العريق وجدت التكنولوجيا مذهلة وانبهرت بسرعة دمج التكنولوجيا الجديدة واعتمادها في الحياة اليومية، سواء في مجالات النقل أو الدفع الإلكتروني أو حتى تقنيات الذكاء الاصطناعي ممّا يجعل الحياة أسهل”.

واليوم تؤكّد أنّها تسعى في مجالها المهني إلى بعث مشاريع مشتركة تونسية صينية في مجال العلوم والتكنولوجيا مستغلة في ذلك أطر الشراكة المتاحة بين البلدين.

أما فدوى بن خليفة، طالبة الدكتوراه في علم الترجمة، فتروي لـ (وات) حكاية التحاقها بالصين منذ سنة 2017، وقالت في هذا الشأن إنّ إصرارها على التفرّد ومحبتها للغة الصينية منذ كانت في المعهد الثانوي بالمنستير كان دافعا وحافزا لها.

وتوضّح فدوى، وهي من بين 150 طالبا تونسيا يدرسون في الصين، أنّها درست اللغة الصينية كمادّة اختيارية في المعهد الثانوي وأنّ فضول الأشخاص المحيطين بها من عائلتها وأساتذتها شجّعها على المواصلة في دراستها بعد اجتياز الباكالوريا.

تضيف في هذا السياق أنها تحصلت على إجازة ثانية اختصاص اللغة الصينية وكانت من بين الخمسة الأوائل الذين زاروا الصين سنة 2015 في إطار تبادل طلبة لمدّة 6 أشهر.

وأردفت فدوى قولها ” بعد التخرّج تقدمت لنيل شهادة الماجستير في جامعة صينية أردت من خلالها اكتشاف هذا البلد، قبل أن أتقدم لنيل شهادة الدكتوراه”.

وعن بداية التحاقها بالصين منذ سبع سنوات، تستحضر فدوى ذكرياتها ضاحكة بالقول إنها كانت خائفة جدّا وأنّ حقيبتها كانت محمّلة بمختلف الأطعمة، متابعة ” في البداية كنت أحمل معي ملعقتي أينما حللت، فأنا لا أجيد الأكل بالأعواد الصينية وكنت أشتري أحذيتي من تونس لأنّ مقاسي غير متوفّر، لكن ومع الوقت اكتشفت ملاذي في المأكولات الصينية والمطاعم الأجنبية العربية والتركية والباكستانية والهندية الموجودة بكثرة في العاصمة بيكين .. كما كوّنت صداقات مع عدد من الصينيين الذين وجدتهم يحترمون عادات الآخرين وخصوصياتهم”.

وجيه حفوظي صحفي تونسي زار الصين في أكثر من مناسبة وآخرها كان في إطار دورة تكوينيّة خاصة بالإعلاميين والصحفيين الأفارقة لمدّة ثلاثة أشهر.

يعتبر وجيه، في حديثه لـ(وات)، أن التأقلم مع المجتمع الصيني ليس صعبا، مبرزا أنّ الصينيين أصبحوا من أكثر الشعوب اهتماما وانفتاحا على الأجنبي، مهما كانت جنسيته أو ديانته أو ميولاته مادامت ممارساته تتمّ في إطار احترام البلد وقانونه وتقاليده.

يضيف قوله ” وجدت الانسجام التّام منذ اللّحظة الأولى في هذا البلد ..فلا يمكنك أن تشعر أبدا أنك في مكان غريب”.

ويتابع ” عاداتهم فريدة من نوعها ومصدر فخر لهم وهو ما سيجعل من تراثهم وتقاليدهم مصدر قوة رغم التطور التكنولووجي الذي نلمسه في أيّ مكان نذهب إليه… لهم مزيج جميل بين كل ما هو موروث وتاريخ وحضارة، من جهة، وبين التطور التكنولوجي، من جهة أخرى”.

// رمضان في الصّين ..

يعيش التونسيون المقيمون في الصين أجواء رمضانية مميزة، إذ تقول لمياء مبارك إنّ التونسيين والعرب والمسلمين يجتمعون في شهر الصيام مع الصينيين ويعرّفون بالمأكولات والعادات مقابل التعرّف على تقاليدهم وحضارتهم.

وتضيف أنّ الصينيين منفتحون على كلّ ماهو مختلف عنهم في احترام كامل للعادات والتقاليد المختلفة عنهم.

الأمر نفسه يؤكده ممدوح غدامسي، الذي قال إنّه تعوّد قضاء شهر رمضان في الصين سواء في المنزل أو في المطاعم العربيّة، التي يجد فيها أجواء رمضانية خاصّة.

بدورها، تشير هند خالقي إلى وجود أجواء خاصّة في الصين في رمضان، وقالت إنّها عندما كانت طالبة في بيكين كانت تجتمع وأصحابها من مصر وتونس وبعض الماليزيين في المبيت ويعدون أطباقا رمضانية مختلفة.

وأضافت هند قولها إنه رغم زواجها برجل صيني وانتقالها للعيش في شنغهاي لا شيء تغيّر في تفاصيل إحيائها للأجواء الرمضانيّة، فهي تلتقي أحيانا بعض التونسيين للإفطار معهم في مطعم عربي، كما تتولى إعداد أطباق تونسية تشتهيها ولا تفوّت فرصة لمشاهدة المسلسلات التونسية التي تشعرها أكثر بأجواء رمضان.

أما فدوى بن خليفة، فتؤكد أنها تقضّي سادس شهر رمضان لها في الصين، وتقول إنّ له أجواء خاصّة هناك، فهي تقضيه مع أصدقائها من جنسيات مختلفة، إذ يتجمّعون لإعداد أطباق الإفطار المتنوعة وتأدية فروضهم الدينية في أماكن مختلفة.

وأشارت إلى أن مطبخ الجامعة يظل مفتوحا خلال شهر رمضان، خلافا لبقيّة الأشهر، لتمكينهم من السحور، وأنّ المطاعم العربيّة تبجّل الصائم ساعة الإفطار ويوفّرون له كذلك التمور والمشروبات.

وتردف فدوى قولها “رغم الأجواء الرمضانية التي تعيشها رفقة أصدقائها، إلا أنها تظلّ تترقّب بفارغ الصبر الموعد الذي تحدده السفارة التونسية ببيكين لتنظيم مائدة الإفطار.”

وتضيف في هذا السياق أن هذا الموعد تكون فيه الأجواء تونسية خالصة، فتُحضر أطباق شهية مثل الكسكسي و”الشكشوكة”، علاوة على حضور اللباس التونسي التقليدي، فتكون السهرة الرمضانية بمثابة زيارة خاطفة إلى العائلة في تونس، وفق تعبيرها.

// العلاقات .. التاريخ .. فرص النجاح

يجد عدد من التونسيين في العلاقات التونسية الصينية ومجالات التعاون والشراكة بين البلدين إطارا ملائما للبحث عن فرص النجاح في هذا البلد الآسيوي الذي يبعد عن تونس آلاف الكيلومترات.

ووفق معطيات لوزارة الشؤون الخارجية، أبرم البلدان بين سنتي 1961 و2023 ستين (60) اتفاقية في مجالات مختلفة، مثل التعاون العلمي والتكنولوجي والمياه والسدود وتكنولوجيات المعلومات والثقافة والشباب والرياضة والزراعة والطاقة والصحة.

وكانت تونس من أولى الدول الإفريقية التي ربطت علاقات دبلوماسية مع الصين (1964) وكانت ضمن قائمة البلدان التي صوّتت لفائدة قرار الأمم المتحدة عدد 2758، الصادر في 25 أكتوبر 1971، الذي تم بموجبه الاعتراف بحكومة جمهورية الصين الشعبية كممثل وحيد للشعب الصيني.

وتؤكد السفارة التونسية في الصين أن تونس تحظى بنسبة هامة من فرص التبادل الثقافي والأكاديمي مع الصين، لا سيما خلال السنوات الأخيرة.

وأشارت إلى مشاركة عدد هام من التونسيين في دورات تكوينية وثقافية وإعلامية ومنتديات وملتقيات ضمن قنوات مختلفة، على غرار منتديات التعاون العربي الصيني والإفريقي الصيني.

وتعد الصين رابع شريك تجاري لتونس بعد فرنسا وإيطاليا وألمانيا، وهي إلى غاية سنة 2019 أهم سوق آسيوية للسياحة التونسية ببلوغ عدد السيّاح الصينيين الذين زاروا تونس 32 ألف سائح.

ويعمل البلدان حاليا على استرجاع حيوية هذه السوق بعد جائحة ” الكوفيد “، لاسيما إثر القرار الصيني بإعادة إدراج تونس ضمن الوجهات المعترف بها رسميا للسياح الصينيين في شهر أوت 2023 وموافقة تونس في شهر سبتمبر 2023 على طلب الجانب الصيني إعادة العمل بقرار إعفاء السياح الصينيين من تأشيرة الدخول إلى التراب التونسي.

bonus veren siteler deneme bonusu veren siteler casino siteleri deneme bonusu deneme bonusu veren siteler
^ TOP