الجديد

مؤتمر "نداء تونس" .. فرصة أم مأزق ؟

كتب: منذر بالضيافي 
أخيرا، وبعد أكثر من 6 سنوات من تأسيسه، تقرر عقد المؤتمر الانتخابي الأول، لحركة “نداء تونس”، أيام 1و2و3 مارس القادم، مثلما أكدت مصادر ندائية مطلعة لموقع “التونسيون”، وهو ما سيتم الاعلان عنه رسميا، غدا الأحد 6 جانفي 2019، خلال ندوة اللجان الجهوية لإعداد المؤتمر، التي سيحضرها أعضاء اللجنة الوطنية لإعداد المؤتمر وأعضاء الديوان السياسي، وستخصص هذه الندوة للإعلان عن موعد المؤتمر ومكانه، وتوزيع الاستمارات والانخراطات. وهنا يتبادر سؤال مهم، وهو التالي: هل سينهي مؤتمر مارس القادم الأزمة المزمنة والهيكلية التي دخل فيها الحزب أم أنه سيزيد في تعميقها وتأبيدها ؟
في الجزء الأول، من هذا المقال لابد من الاشارة الى وقع أزمة “نداء تونس” على المشهد السياسي برمته في الحكم وفي مؤسسات الدولة خصوصا بعد أن رمت الأزمة الحزبية بظلالها على أجهزة الدولة من خلال تطورها لتأخذ شكل الصراع بين رأسي السلطة التنفيذية (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة) بعد أن فتح رئيس الحكومة “النار” على قيادة النداء الحالية ممثلة في نجل الرئيس حافظ قايد السبسي. أما الجزء الثاني فسنخصصه للإجابة عن السؤال الذي طرحناه في مقدمة المقال والمتعلق بما بعد المؤتمر القادم: هل سينهي الأزمة أم سيعمقها؟ أو هل سيكون “فرصة” للإنقاذ” أم “مأزق” اخر على غرار ما حصل مع مؤتمر سوسة؟
نداء تونس .. أزمة تلد أخرى
عرف ” الحزب” حالة “تفكك” و “انهيار” لا في بنيانه التنظيمي والهيكلي فقط بل أيضا في هويته السياسية، في ظل وجود إصرار على تصفية “تركة التأسيس”، من ذلك أن هذا الحزب الذي فاز بالانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014، وأزاح الاسلاميين من على سدة الحكم، نجده اليوم في “المعارضة”، برغم انتماء الرؤساء الثلاثة (الجمهورية، الحكومة والبرلمان)، وعدد هام من الوزراء الحاليين لما كان يسمى قبل أشهر قليلة ب “الحزب الحاكم”.
هنا، تجدر الاشارة الى أن أزمة “الحزب الحاكم”، بدأت منذ الفوز في الانتخابات والوصول للحكم، حيث عجزت القيادة التي خلفت رئيسه ومؤسسه، الباجي قائد السبسي، عن المحافظة على وحدة الحزب وتماسكه.
بدأت التصدعات، من خلال استقالة الأمين العام السابق، محسن مرزوق (الذي أخذ معه جزءا من الحزب واسس به حزبا جديدا)، تلت ذلك أزمة مربكة تمثلت في اعلان قيادة الحزب بزعامة حافظ قايد السبسي عن “تجميد” يوسف الشاهد رئيس الحكومة الحالي، الذي حمل السبسي الابن مسؤولية “تدمير” الحزب وأيضا مسؤولية “تصدير” أزمة الحزب الى مؤسسات الحكم، وهي “أزمة” ما تزال فصولها مفتوحة برغم اعلان المقربين من الشاهد عن عزمهم تأسيس حزب جديد على “أنقاذ النداء التاريخي”، وذلك بعد أن “عجز” الشاهد والمقربين منه من “افتكاك” الحزب، وفق ما يصرح به حافظ السبسي والمجموعة التي حوله. وقد ساهمت هذه الاستقالات المتواترة في إضعاف الحزب الذي فقد الأغلبية في البرلمان لصالح حزب النهض، وبالتالي “تهميش” دوره في الحكم وفي الحياة السياسية.
أزمة الحزب الحاكم (نداء تونس)، تجاوزت حدود تأثيرها للبيت الداخلي الحزبي، لترمي بظلالها على المشهد العام في البلاد. وذلك من خلال إرباكها لمؤسسات الحكم، فقد كان لهذه الخلافات تأثير مباشر على أداء واستقرار حكومتي الحبيب الصيد ويوسف الشاهد.
كما أثرت أيضا، بصفة سلبية في مجلس نواب الشعب (البرلمان)، سواء في ما يتعلق بمراقبته للحكومة أو من حيث القيام بدوره التشريعي، من دون أن نغفل عن وقع هذه الأزمة على هيكلة البرلمان، توزيع الكتل والأغلبية البرلمانية.
لم يسلم قصر الرئاسة بقرطاج من شظايا نيران أزمة النداء، من ذلك أن الرئيس وكبار مستشاريه قد تحولوا إلى طرف في الأزمة، ما أثر سلبا على رمزية واعتبارية الرئيس ومؤسسة الرئاسة. وهو ما دفع الرئيس السبسي إلى “التبرؤ” في أكثر من مناسبة من “شبهة التوريث”، وذلك ردا على “اتهامات” له بأنه يسعي لتوريث نجله، في حزب “نداء تونس” وفي مؤسسات الحكم.
كشف مسلسل الاستقالات، عن بداية حصول تفكك في الحزب الحاكم، وبالتالي تخلخل في التوازن في المشهد السياسي والحزبي، ما جعل المراقبين يجمعون على أن تونس دخلت منذ سنوات في “أزمة سياسية”، ستكون تداعياتها لو استمرت مربكة لوضع يوصف بكونه “هشا” وغير مستقر.
المؤتمر القادم .. فرصة أم مأزق؟
في المستوي المجتمعي، نلاحظ أن أزمات “نداء تونس” المتتالية، جعلته يغرق في أزمة بلا نهاية وبلا قرار، ساهمت في مزيد تعميق انعدام ثقة التونسيين في الأحزاب وفي السياسيين، وهو ما سيكون له بالضرورة انعكاسات سلبية على الاستحقاقات الانتخابية القادمة، وعلى صورة الأحزاب والسياسيين لدى عموم التونسيين. فهل سيكون مؤتمر مارس القادم فرصة أم مأزق لحزب “نداء تونس” ؟
إن عدم تطويق أزمة الحزب الأغلبي، جعل البلاد أمام وضع جديد، اصبحت فيه كل السيناريوهات ممكنة وواردة. هذا ما جعل كل المراقبين للمشهد السياسي في تونس يولون عناية خاصة للمؤتمر الانتخابي الأول الموعود.
يأتي الاعلان عن المؤتمر الانتخابي الأول في ظل تواصل التشكيك في القيادة الحالية للحزب والتي تعمقت بعد اعلان ضم حزب “الاتحاد الوطني الحر” لهياكل النداء ولكتلته البرلمانية دون سابق اعداد أو تحضير وفق ما تقتضيه “الأعراف” و “العادات” السياسية في مثل هكذا قرارات. وهو ما جعل الكثير من المراقبين يرون في انصهار “الوطني الحر” في “النداء” بمثابة هروب للأمام ستزيد في تعميق جراح الحزب وبالتالي تأخير الحل.
في المقابل ترى القيادة الحالية للنداء أن انصهار “الوطني الحر” في هياكل الحزب وفي كتلته النيابية قد منع “انقلاب” كان يخطط له بالليل والنهار من قبل مقربين من رئيس الحكومة وفق تأكيد مصادر مقربة من القيادة الحالية لحزب “نداء تونس”، ذات المصادر تشير أيضا أن “الانصهار” المعلن عنه، كان وراء يأس الشاهد ورفاقه من “استعادة” النداء وهو ما جعلهم ينصرفون للبحث عن بديل من خارجه، وفق قولهم.
بعيدا عن “الجدل” و “الخلافات” بين حافظ والشاهد، لابد من الاشارة الى أن الاعلان عن مؤتمر مارس القادم، لم تسبقه تحضيرات لمثل هكذا “موعد هام” لحزب “كبير” مثل “نداء تونس”، برغم وقع وتأثير ما شهده من “أزمات” و “معارك”.
بل أنه – ودون رجم بالغيب أو استباق للأحداث – ظهر كما لو أنه خطوة متسرعة، حيث ظهر للعيان في صورة الاعلان “الفجائي”، من ذلك أن الوقت المتبقي الى موعد الأول من مارس المقبل، يبدوا غير كاف لتوزيع الانخراطات وانجاز المؤتمرات المحلية والجهوية،  فضلا عن الاعداد اللوجيستيكي،  دون أن ننسى الجانب “المضموني”،  المتصل بإعداد مشاريع اللوائح والورقات التي سيناقشها المؤتمرين.
وهو ما سيجعل منه مؤتمرا متسرعا، وبالتالي غير قادر على أن يكون “فرصة” لتجاوز “الأزمة” أو “المأزق” الذي يعيشه الحزب، كما أنه بهذه المنهجية نرجح أنه سيكون أقرب لاعادة انتاج الأزمة،  وتكرار نتائج “مؤتمر سوسة”.
ان مؤتمر “ناجح” و “تجميعي” للقوى الوسطية والديمقراطية، ولحزب ينشد اعادة التوازن للمشهد السياسي مثلما كان لحظة التأسيس، من قبل الرئيس الباجي قائد السبسي رفقة مجموعة من الشخصيات الوطنية من “روافد” فكرية وسياسية مختلفة بل متباينة، يفترض في تقديرنا أن يكون مؤتمره الانتخابي الأول حدثا وطنيا بارزا، وهو ما يفترض بالضرورة اعداد كبير يتجاوز حصره في المجموعة القيادية التي تسير الحزب حاليا.
اذا ما أراد “نداء تونس” الاستمرار و “التموقع” في المشهد السياسي القادم، فان مؤتمره القادم لابد أن يرتقي لما حصل في لحظة التأسيس الأولى،  في جوان 2012 التي مثلت لحظة “فارقة”، في المشهد السياسي والحزبي التونسي ما بعد ثورة 14 جانفي 2011، حيث استطاع حينها الحزب بناء “كتلة تاريخية” صماء تصدت لهيمنة التيار الاسلامي على الحياة السياسية، وبالتالي حماية “النمط المجتمعي” التونسي.
كما استطاع  احداث ديناميكية مجتمعية مكنت من كسب معركة المنافسة على السلطة، وهو ما حصل فعلا من خلال الفوز بالاستحقاقات الانتخابية التي تمت سنة 2014 (سنتين بعد تأسيس الحزب)، الانتخابات التشريعية والرئاسية.
 
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP