الجديد

الجهاز السري .. يربك حسابات النهضة

كتب: منذر بالضيافي
منذ اثارة ما أصبح يسمى ب” الجهاز السري”، المنسوب لحركة “النهضة”، وتحميله مسؤولية ما حدث من اغتيالات سياسية، زمن حكم الحركة،  نلاحظ أن تعاطي الحركة معه عرف حالة من الارتباك، برز ذلك في الردود الاعلامية لقادة الحركة، الذين رفضوا في البداية وجود “تنظيم سري” للحركة طيلة تاريخها، ليتم بعد ذلك التراجع “خطوة للوراء”، من خلال تصريح لزعيمها راشد الغنوشي، أكد فيه على أن الحركة قطعت مع العمل السري منذ مؤتمرها في المهجر سنة 1995.
تواصل اثارة هذا “الملف” من قبل هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي، وحصول تدخل رئاسي تمثل في دعوة مجلس الأمن القومي من قبل الرئيس السبسي لبحث” الاتهامات” الموجهة للحركة، وهو ما أعطى الموضع “زخما سياسيا”، ثم الوصول للإعلان عن توجيه تهمة القتل العمد لمصطفى خذر المسؤول عن “الجهاز”، الذي تصر “هيئة الدفاع” على أن له صلة وثيقة بالحركة، نلاحظ مع كل هذه التطورات تواصل لحالة “الارتباك” لدى النهضة،  خاصة في التعاطي معه اعلاميا وسياسيا، وهو ما جعلها تبدوا كما لو أنها تبحث عن حلول من وراء الستار، مع دوائر “السيستام” التي تسرب الملف بالتدريج، لتظهر كما لو أنها غير مكترثة،  وتكتفي بمجرد التكذيب والاستهانة بمن يعرضون الوثائق، والاصرار على اتهام القائمين على “احياء” الملف بأن لهم أجندات سياسية وايديولوجية في سنة انتخابية بامتياز.
في هذا السياق، قال الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري “إنّ هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمّد البراهمي ليست سوى وكيلا لجهة سياسيّة ترى في حركة النهضة عدوّا إيديولوجيا وسياسيّا لها”.
وبيّن في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء اليوم الجمعة أنّ هذه الجهة السياسية “فوضويّة لا تريد الاعتراف بالقضاء وبمؤسساته واحتكمت إلى وسائل الإعلام والندوات الصحفية عوض الاحتكام إلى القضاء”، وفق تعبيره
واتهم الخميري هيئة الدفاع بالضغط على مؤسسات القضاء، قائلا ” إنّ التصعيد في التصريحات والمسّ من الهيئات القضائيّة يعدّ شكلا من أشكال عدم الاعتراف بالدولة وبمؤسساتها، ويكتسي خطورة على العملية الديمقراطية في تونس وعلى استقلالية القضاء”.
وأوضح في الآن نفسه أنّ الاتهامات لا تمس مباشرة من حركة النهضة، مؤكدا أنه لا علاقة للحركة بمصطفى خذر الذي تتهمه هيئة الدفاع بإدارة ما اعتبرته الجهاز السري للنهضة.
وشدد على أنّ الحركة هي أكثر الأطراف المعنية بكشف حقيقة الاغتيالات، مشيرا إلى أن ” الجهات التي تتحدّث عن هذا الجهاز هي نفسها محلّ إدانة لعدم معرفة الأذرع والتنظيمات الخاصة التي استعملتها للحصول على الوثائق التي بحوزتها”، حسب تعبيره.
وبيّن أنّ النجاحات التي حقّقتها الحركة في كافة الاستحقاقات الإنتخابية جعلت البعض يستند إلى “نهج الرئيس السابق زين العابدين بن علي والأساليب التي كان يعتمدها والتي تقوم على الهرسلة وأساليب الدعاية النوفمبرية وذلك من خلال ضرب خصومهم السياسيين واتهامهم بالإرهاب وبالانقلاب على الدولة”..
استمرار الضغط الإعلامي والسياسي والقانوني على النهضة وخاصة بعد توجيه الاتهام بالقتل العمد للمشتبه مصطفى خذر سيزيد في “احراج” النهضة خصوصا وأنها لا يمكن أن تتنصل من المسؤولية السياسية والأخلاقية للاغتيالات السياسية التي حصلت خلال فترة حكمها حينما كانت تترأس حكومة “الترويكا”. وهي مسؤولية تم اعادتها الى السطح في المشهد الاعلامي والسياسي، من خلال اهتمام الرئيس الباجي قايد السبسي، عبر مجلس الأمن القومي بالملف وتخصيص جلسة خاصة للتباحث، في الوثائق التي قدمت له من قبل هيئة الدفاع عن الشهيدين.
اهتمام رئاسي استمر بل تأكد بعد توجيه تهمة القتل العمد لخذر، حيث أكدت تقارير اعلامية متطابقة اليوم الجمعة 11 جانفي 2019 أن رئيس الجمهورية طلب من وزير العدل و مدير عام السجون خلال انعقاد اجتماع لجنة العفو صباح اليوم توفير الحماية الضرورية المشددة لمصطفى خضر المتهم في قضية “الجهاز السري للنهضة” واغتيال الشهيد محمد البراهمي  المودع بالسجن المدني ببرج العامري بعد ما تردد مؤخرا من مخاطر تهدد سلامته الجسدية بهدف عرقلة مسار البحث في ضحايا اغتيالات الشهيدين والجهاز السري  .
و كان رئيس الدولة طلب من وزير العدل تقريرا عن الحماية الأمنية المتوفرة للموقوف مصطفى خضر داخل السجن و ما تم اتخاذه من احتياطات خاصة بعد المعطيات الخطيرة التي كشفت عنها هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمي.
هذا “الاهتمام الرئاسي”،  وان كان يمثل استجابة “لوعد انتخابي” بالكشف عن المتورطين في الاغتيالات السياسية للشهيدين بلعيد والبراهمي، فانه يأتي أيضا في سياق أزمة سياسية مفتوحة منذ أكثر من سبعة أشهر، من أبرز ملامحها وعناوينها  نهاية ما عرف ب “توافق الشيخين”، مثلما سبق وأن أعلن عن ذلك الرئيس الباجي قايد السبسي، هذا التوافق الذي حكم البلاد خلال الثلاثة سنوات ونصف السنة الأخيرة، دون تحقيق أي منجز اقتصادي أو اجتماعي زيادة على وجود “مخاطر” تهدد بنسف ما تحقق على الصعيد السياسي، بسبب تأخير بعث المحكمة الدستورية وتعطل “ترميم” هيئة الانتخابات، وتداعيات كل ذلك على الاستحقاقات الانتخابية القادمة.
حركة النهضة، برغم اصرارها على التقليل من وقع الاتهامات الموجهة اليها، فان ملف “الجهاز السري” يقلقها كثيرا  و”يشوش” على صورتها الاعلامية والسياسية في الداخل وفي الخارج، فضلا عن كونه يمثل مصدر ازعاج لحلفائها في الحكم وأولهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد ، الذي على ما يبدوا قد اختارعدم الخوض في هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد،  وهذا ما برز أساسا من خلال  الحوار التلفزي الأخير له.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP