الجديد

بين النهضة و خصومها .. في صراع البحث عن "التعايش"

كتب: منذر بالضيافي
منذ اثارة ما أصبح يسمى ب” الجهاز السري”، المنسوب لحركة “النهضة”، وتحميله مسؤولية الوقوف وراء الاغتيالات السياسية، للشهيدين بلعيد والبراهمي، خلال زمن حكم الحركة، عاد الجدل وبقوة للمشهد الاعلامي والسياسي، حول “مدنية الحركة” وعلاقتها ب “الديمقراطية”، ليبرز من جديد صراع البحث عن “التعايش”، بين الاسلاميين وخصومهم، خصوصا وهو يتغذي في هذه المناسبة، من نهاية ما عرف ب “توافق الشيخين”، الذي مثل غطاء “سياسي” للاسلاميين خلال الأربعة سنوات الأخيرة . عودة الجدل طغت عليه “المناكفات السياسية” وهو ما حعله يفتقد في غالبيته للمقاربة النقدية الموضوعية، لكنه، مع ذلك اعاد ثنائية “الادماج” و “الاستئصال” في التعاطي مع الاسلام السياسي، كما حضر بقوة خطاب “الشيطنة” للإسلاميين من قبلهم خصومهم الايديولوجيين التقليديين خاصة ومن قبل “اعلام البوز”، الذي قوبل ب “تشنج” من قبل أنصار هذا التيار، برز بوضوح في ردودهم على مواقع التواصل الاجتماعي.    
هناك شبه إجماع من قبل جل الباحثين، لحركات الإسلام السياسي، على خصوصية “الحركة الإسلامية التونسية”، وهي خصوصية استمدتها من طبيعة المجتمع، الذي نشأت وترعرعت فيه، بما يجعل فهمها ودراستها يفترض أن يتم في إطار السياق الاجتماعي والسياسي التونسي. لكن، هذا لا يجب أن يغفل عن الدارس المشترك الذي تتقاسمه، “الاسلامية التونسية” مع بقية التيارات الاسلامية الأخرى وخاصة حركة “الإخوان المسلمين” في مصر، التي تعتبر “الحركة الأم” (المركز) لكل ما اصبح يعرف بتيار “الاسلام السياسي”، والبقية هي فروع لها أو تدور في فلكها الفكري والتنظيمي (الأطراف).
تبين لي من خلال كل بحوثي لمسار تطور “الإسلامية التونسية”، من النشأة في بداية سبعينات القرن الماضي، إلى يوم الناس هذا، عند رصد دينامية و خصوصية تميز “الجماعة” في تونس، بالمقارنة مع نضيرتها المصرية، التي بقت خاضعة لهيمنة أو سطوة النصوص المؤسسة، خاصة لمرشدها وزعيمها الروحي، حسن البنا وبدرجات أقل سيد قطب، الذي ستعرف معه جماعة الإخوان والحركة الإسلامية عامة، انعطافة تاريخية “لافتة”، من خلال تبني تفكير “تجهيلي” (نسبة للجاهلية) سيمثل منابت ومرجع للفكر الجهادي، الذي تنامي خلال العشرية الأخيرة، بل أنه استطاع سرقة الأضواء، من ما يسمي بالحركات الإسلامية المعتدلة، خاصة مع تنظيم القاعدة ثم “داعش”.
لقد كانت بدايات الحركة الإسلامية التونسية، ممثلة في تيارها الرئيس حركة “النهضة” الان، بدايات بمرجعية مشرقية إخوانية. حيث مثلت أدبيات الإخوان المكون الأساسي لأبناء “الجماعة الإسلامية” التي أصبحت تحمل اسم “حركة الاتجاه الإسلامي” في بداية الثمانينات، ثم “النهضة” نهاية التسعينات.
لم يقتصر التأثير على الجوانب التربوية و الفكرية فقط، بل أنه حصلت رابطة أقوي، وهي رابطة تنظيمية مبنية على “البيعة” للمرشد العام في مصر، وان يحرص قيادات ورموز “النهضة” على نفي كل صيغة تنظيمية مع الإخوان، ويصرون على أنهم جماعة تونسية “لحما ودما”.
عموما فان هذه “الرابطة الإخوانية”، برغم تفتح إسلاميي تونس على مصادر تكوين عديدة وخاصة على تجارب أخري، مثل التراث لإصلاحي التونسي والفكر اليساري/الاشتراكي والتنظيمات الليبرالية الديمقراطية  وأدبيات الثورة الإيرانية – الإسلام الشيعي – وتنوع قراءاتهم، فإنها –أدبيات الاخوان – بقت هي المهيمنة والمشكلة لما يمكن أن نسميه ب “الشخصية الأساسية” للمنتسب أو المنتمي لحركة “النهضة”، لعل هذا ما يفسر تواصل تصنيف الحركة ضمن التيار الاسلامي الاخواني، سواء من قبل الباحثين والدارسين أو في وسائلا الاعلام المحلية والدولية.
انتهى التفاعل مع الحراك الداخلي التونسي، بتبني خيار المشاركة والاندماج في النظام السياسي، الذي كان ينظر له في البدايات على أنه كرس “التغريب” ومحاربة العمق الإسلامي لتونس وحاول اقتطاعها من محيطها الثقافي والحضاري.كما تبنت “الإسلامية التونسية” مكاسب الحركة التحديثية التونسية، مثل الإقرار بحقوق المرأة وأنها شريك أساسي في الوطن وليست مكملا للرجل.
تواجه “الإسلامية التونسية”، اليوم أو “الآن وهنا” كما قال الروائي العربي الكبير، عبد الرحمان منيف، في روايته الشهيرة “شرق المتوسط”، تواجه  “مخاضا عسيرا”، وسط تحولات شاملة، تجرف العالم العربي، بعد موجة “ثورات الربيع العربي”، التي حملت الإسلاميين إلى سدة الحكم في كل من تونس ومصر، ليغادروه بسرعة فائقة، لتعود الحركة الأم (إخوان مصر) إلى “المحنة” (تعبير يستعمل في أدبيات الإسلاميين)، لكن هذه المرة أكثر ضراوة، كما مثل إسقاط حكم الإخوان في مصر، زلزال كبير، تجاوزت تداعياته أركان بيت المرشد وجماعته، لترمي بظلالها على كافة حركات “لإسلام السياسي”.
حركة “النهضة”، استبقت إعادة إنتاج الزلزال المصري، من خلال توصلها إلى تحقيق خروج آمن من الحكم، لتنطلق في الإعلان عن بداية “مراجعات”، بدون مقدمات تنظيرية أو فكرية، ما جعلها أقرب إلى “الولادة القيصرية” المشوهة أو التي تبقي في حاجة إلى تأسيس وجدية أكبر.
وهي “مراجعات”  هدفها المعلن يتمثل في تأكيد فك الارتباط عن الإخوان وأنها أصبحت تنظيم وطني تونسي، أما الهدف الأهم فهو المتمثل في قولها أنها حسمت صراعها الداخلي المتعلق بالفصل بين “الدعوي” و “السياسي”، لصالح الانتقال لحزب مدني وطني.
برغم سلسلة التنازلات المعلنة، فان محيطها الداخلي، ما يزال ينظر إليها بعين “الريبة” و”التشكيك”، وان كان يقدر أن هناك بعض التطور، لكن لا يرى أن القطع مع “الإرث الإخواني” قد تحقق، وبالتالي يصرون على أن التحول إلى “حزب مدني”، ليس غدا.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP