الجديد

الاستثناء التونسي: الرئيس في المعارضة والحكومة تبحث عن حزب !!!

محمد صالح مجيّد*
تنفتح الساحة السياسية التونسيّة هذه الأيٌام العصيبة ، على مشهد سريالي يشي ببدعة تونسيّة لا ارتباط لها بما تشكّل من نظم سياسية في العالم قديما وحديثا…اليوم يُعاين التونسي المنشغل باللّهث وراء بعض المواد الأساسيّة المفقودة حالة فريدة يظهر فيها رئيس الجمهورية الذي انتخبه الشعب انتخابا حرّا ومباشرا، في صفّ المُعارض للحكومة التي من المفترض أن يدعمها لأنّ رئيسها من حزبه الذي فاز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان.
لكن يبدو أنّ رئيس الوزراء المكلّف شقّ عصا الطاعة عند تشكيل حكومته الثانية، وتنكّر لمَن اصطفاه لأداء هذه المهمّة بعد أن بعد أن اختار التحالف مع حزب حركة النهضة التي سعت لفكّ الارتباط مع الرئيس حسب ما صرّح به “الباجي قائد السبسي” نفسه..إذن، الآن وهنا في تونس، الرئيس المنتخَب لا يدعم هذه الحكومة ، ولا ينسّق مع رئيس الوزراء الذي كلّفه حسب ما ينصّ عليه الدستور، بل مضى الرئيس إلى أكثر من ذلك عندما أعلن صراحة معارضته لحكومة الشاهد الثانية، بعد أن تشكّلت من وراء ظهره ،ودون استشارته !!! …
وبعد أن كان بعض السياسيين ،وفي مقدّمتهم قياديو النهضة، يعبّرون عن خوفهم من تغوّل حزب “نداء تونس” الفائز بالرئاسات الثلاث،دبّ الخلاف بين “الإخوة الأعداء” واندفع بعض مَنْ كان متخوّفا من التغوّل، للتوسّط بين الرئيس ورئيس الوزراء الذي اختاره رغم قلّة خبرته !!! و معلوم أنّ من شأن هذه الوضعيّة تعطيل سير المؤسّسات ما ينعكس سلبا على أداء الحكومة والرئيس معا.إذ بدا رئيس الجمهوريّة في وضع العاجز عن كبح جماح رئيس الوزراء دستوريّا و في المقابل ظهر “يوسف الشاهد في صورة المتنكّر لصاحب الفضل في منحه منصب رئيس الوزراء..
يوسف الشاهد من جهته يشدّد ،بنفسه وعبر عرّابيه القدامى و الجدد، على أنّ ما قام به عند تشكيل حكومته الثانية يدخل في صلاحياته الدستوريّة، منتشيا بكسب ثقة النوّاب مصدر الشرعيّة الأوّل،ومستغلّا السياحة الحزبيّة التي تحوّلت إلى تجارة سياسيّة رابحة في تونس …وهكذا مضى “الشّاهد” في ممارسة سلطته متحالفا مع الحزب الذي أعلن الرئيس فكّ الارتباط معه متّخذا من سيطرة حافظ ابن الرئيس على حزب نداء تونس “قميص عثمان” الذي يتوارى خلفه لنحت مشروعه الشخصيّ….
ولعلّ ما يعمّق ضبابيّة المشهد، هو ملازمة “يوسف الشّاهد” الصمت كلّما سئل عن نيّته الترشّح للانتخابات القادمة من جهة، وإقدام مجموعة تدور في فلكه على عقد اجتماعات ماراطونيّة  في الجهات من أجلّ بلورة تصوّر لحزب جديد “سيولد كبيرا” على حدّ قول “سليم العزّابي”..
حزب يريد استقطاب الدستوريين والندائيين الغاضبين والديموقراطيين بكلّ أطيافهم حسب ما تردّده المجموعة المشرفة على هذه الجلسات التمهيديّة…على أنّ السؤال يظلّ قائما مَن يموّل هذه التحرّكات؟ ولماذا يُذْكَر اسم رئيس الوزراء في هذه الاجتماعات والحال أنّه يُنْكِر في كلّ لقاء إعلاميّ تفكيره في إنشاء حزب عدا إشارات خاطفة إلى رغبته في أن تتوحّد العائلة الديمقراطيّة !!!؟؟؟؟ أليس غريبا أن يبحث رئيس وزراء عن تشكيل حزب وهو في السلطة؟؟ وإذا ما فكّر في ذلك-وهذا حقّه الدستوري- ألا يمنح بذلك مناوئيه حجة اتّهامه باستغلال مؤسّسات الدولة لخدمة مشروعه السياسي؟
بالمحصّلة، ما تعيشه تونس اليوم من أزمة سياسيّة خانقة نتيجة الحرب الخفيّة والمعلنة بين رئيس الجمهوريّة الضارب في القدم، ورئيس الوزراء الوجه السياسيّ الجديد، فصل جديد من “باب الأسد والثور” في كتاب “كليلة ودمنة”، يعكس بوجه من الوجوه، ترهّل الطبقة السياسيّة في تونس، وغياب إسطرلاب الحكمة عند أغلب الفاعلين في مشهد سياسيّ ملوّث شعاره زئبقيّة المواقف و الانتهازيّة حتّى صدق فيهم القول “كثيرون حول السلطة قليلون حول الوطن”

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP