الجديد

تونس في مواجهة أزمة شاملة .. والحلول غائبة ! 

غازي معلى
السؤالٌ الذي يفرض نفسَه في موازاة مع انسداد الأفق التفاوضي بين الحكومة و الاتحاد ، ومعه كل الأفق السياسي: هل ثمّة إمكانية بعد للعثور على بابِ انفراج، أم أنّ تونس تتجه الى الاشتباك الكبير، أو بالأحرى الى الأزمة الكبرى؟
في الصالونات السياسية تسليمٌ عامّ بالفشل الذريع بحصيلة الحكومة، فشل يوشك ان يدخل الدولة في دوامة خطيرة.  وفي الصالونات الاقتصادية والمالية، تتكدّس التحذيرات من تجاوز الخطوط الحمر، وبلوغ الاوضاع مستوى الخط الاكبر، وحديث عن دراسات سوداوية لبعض الخبراء في هذا المجال، وضعت في أيدي مسؤولين كبار في الدولة، الّا أنّ المريب في الأمر، هو صمُّ الآذان حيالها والتجاهلُ المتعمّد لمضامينها حول وضع خطير قد يأخذ البلد سريعاً الى الهاوية
في الصالونات العسكرية والأمنية، قلقٌ يتزايد من الخطر الإرهابي و خاصة في تزامن مع الحديث عن العائدين من سوريا و العراق من ناحية و العدد الكبير من الخلايا النائمة في ارجاء البلد.
في الساحات والفضاءات الشعبية، منطقُ “الله يسترنا”، ومنطقُ “لا حول ولا قوة إلّا بالله”؛ الناس محبوسة في قمقم الازمة، تنتظر ما تسميها بالعامية «البلاوي الزرقاء» لتتساقط على رؤوس التونسيين.
في الصالونات الدبلوماسية، أسئلة متراكمة عن سرّ الاشتباك السياسي الحاد ، لعلّ أكثرَها أهمية، وأشدَّها استغراباً، هو: لماذا «يعرقل» التونسيون انفسَهم؟ ويتوازى ذلك مع حديث عن «دردشات» متعدّدة الجنسيات لا تستبطن خطواتٍ ملموسة على أرض الواقع، او مبادراتٍ جدّية وضاغطة، توحي بأنّ ثمّة تعديلاً طرأ على اجندة اولويات الغرب والاوروبيين بشكل عام، والتي أسقطت الملف التونسي من خانتها، ولم تبقِه فيها حتى كمجرّد بند ثانوي، بل هو كلام محدود، حدودُه ضيّقة مرسومة ضمن الاطار اللفظي، وليس اوسع من ذلك، يتوزّع بين: -تحذير فرنسي يرد تباعاً من مستويات فرنسية متعددة، من عواقب شديدة الخطورة على تونس، قد تصل الى حدّ الانهيار، إن بقي هذا الخطاب المبتذل المتبادَل هو اللغة السائدة ، مقرون، أي التحذير، بنصائح لتونسيين بالتعجيل في إنهاء مؤسساتهم الدستورية والشروع في الاصلاحات المطلوبة
وتمنيات بريطانية، وأيضاً المانية، متتالية على «الأصدقاء التونسيين» بالدخول فوراً الى حلول لمعضلتهم السياسية، تبعاً للضرورات التونسية التي تحتّم بلوغَها، خصوصاً في ظلّ الكمّ الهائل من التحديات التي تواجهها تونس خصوصاً على المستوى الاقتصادي، وتبعاً أيضاً للتحوّلات والمتغيّرات الاقليمية والدولية، التي تقع كل دول المنطقة في صلبها، وتونس ضمنها حتماً.
علماً انّ الدبلوماسية البريطانية في تونس، عاكفة على رصد الخطر الإرهابي منذ لحظاته الأولى، شأنها في ذلك، شأن كل نظيراتها من البعثات العاملة في تونس. وما يلفت الانتباه في هذا السياق، هو انّ بعض التونسيين دفعتهم حماستهم، وولاءاتهم السياسية، الى اعتماد تلك البعثات كحائط مبكى، ومراكز للشكوى على بعضهم البعض! –
هناك أيضا إهتمام سعودي واضح بالملف التونسي ، وهو امر يعكس، أو بمعنى أدق، يبرّر الاهتمام الخليجي الكامل، و ما قدمته السعودية من هبات او قروض في الايام الاخيرة و بعد زيارة ولي العهد الى تونس امر ملفت للانتباه و المتابعة . يتزامن مع حضور قطري على كلّ الخطوط الداخلية، يستمزج الآراء في كل اتّجاه، من موقع «الصديق» الساعي الى بناء مساحات مشترَكة بين التونسيين؛ والدبلوماسية القطرية تمتلك صورة واضحة عن تعقيدات الملف التونسي من ألفها الى يائها، ولكن ليس في يدها أن تفعل شيئاً، فلا الداخل التونسي متجاوب مع النصائح، ولا الصورة الاقليمية والدولية تسمح بنسج خيوط مبادرة حل “يرعاها الكبار”، تُلزم التونسيون بالتوافق والتفاهم.
كل ذاك مقابل إنكفاء أميركي واضح عن الملف التونسي، ولم تُفلح تمنّيات شخصيات التونسية صديقة لبعض المرجعيات تقوم بزيارات الى واشنطن بين حين وآخر في تعديل وجهة الموقف الأميركي نحو الحضور بفعالية، أو بالأحرى رمي ثقلها في هذا الملف.
زوار واشنطن يذهبون اليها آملين، فيعودون منها خائبين . وخلاصة ما يسمعونه أنّ تونس ليست في صلب اهتمام ادارة دونالد ترامب.
ما تقدّمَ، يشير بأنّ الأفقَ السياسي مسدودٌ بإحكام، و اما الذهنية المتحكّمة و كذلك منطق المراهقة السياسية التي تحاول فرض قاعدة «الغالب والمغلوب»، والهلوسات المرتبطة ببعض الأحلام، التي تصرّ على الـ«أنا او لا احد» عطلت بالكامل كل حل سياسي ، وخلقت وضعاً داخلياً متأزّماً يسير بخطوات ثابتة نحو الأزمة الكبرى، التي قد تسقط فيها تونس في أيّ لحظة.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP