الجديد

كتاب العشق…كتاب الخسارات

المهدي عبد الجواد
الخبير المحاسب أنيس الوهابي، يُمثّل استثناء جميلا في تونس. أنيس مبدع قصصيا و روائيا. و رغم أن الخبراء المحاسبين يتلقون تكوينا علميا أكاديميا تقنيا صارما، صرامة دقة الحسابات و المحاسبات، و لذلك تبدو هذه المهنة بعيدة على عالم الرواية و القصة و الكتابة الأدبية. و و إذا كان هذا قطاع الخبراء المحاسبين يحتل منزلة مهمة في النسيج المالي و المحاسباتي للدولة، فإن أنيس الوهابي فتحه على عوالم الإبداع و الفنون و الكتابة أيضا.
كتاب الخسارات، رواية من الحجم المتوسط في 173 صفحة، صدرت الطبعة الأولى سنة ، 2014 عن دار أبواب للنشر بتونس. توشّح غلافها الخارجي صورة التقطها المؤلّف بنفسه، لأحد أزقة المدينة العتيقة. صورة بديعة، تكشف جانبا إبداعيا آخر في الخبير الكاتب و هي موهبة التصوير الفوتوغرافي. بين النور و الظلمة تتوزع الصورة..فإذا هي صورة المدينة، صورة تونس صورتنا. أرضية متهالكة، و حيطان “مقشّرة” و سقف متداع، و لكن بؤرة الضوء تنشر هالة جميلة في الصورة، هي أملنا و مستقبل مدينتنا.
الرواية شبيهة بالصورة.  “لأنها تُكتبُ على عجل، مثل صورة تُلتقطُ بسرعة لتُخطف من القدر”، هي كالصورة لأنها تخطف القارئ مثلما تخطف الصورةُ البصر.  كتاب الخسارات من جنس الروايات التي إذا شرعت في قراءتها، لا يُمكنك التوقف. مزيج عجيب بين حكايات مختلفة، حكاية الفنون و غرام الصورة، حكاية العشق، فتنة المرأة و الجنس، حكاية الرحيل و المنفى الطوعي للدراسة و الإجباري للأسباب السياسية… هي كتابة تاريخ. تاريخ ذاتي لعل بعضا من سيرة الكاتب تُطلّ منه، و ان كان من غير السليم عدّ الكتاب من جنس “السيرة الذاتية” بمعناها المألوف. و هي تاريخ تونس…” التاريخ عود على بدء، دائرة لا تتوقف…المصيبة في من لا يتمعن في التاريخ، ليجد له مكانا في الصورة. كم مرّ على تونس من مراد بوبالة”؟
تتداخل التواريخ بشكل لافت. و نجحت الرواية سرديا، في زمن روائي مُذهل. زمن التحولات. المدينة و قد ضاعت حميمية مقاهيها التقليدية، في زحام التحولات. الإنسانية و قد اخترقت وسائل الاتصال كل ذلك الدفء التواصلي في الرسائل و المعايدات، “الثورة الرقمية نعيشها في تونس على طريقتنا، فوضى رقمية بطعم محلّي”…. السياسية، عشية الثورة التونسية، و تتبعت الرواية لحظات التحولات الكبرى من مصطفى بن عياد إلى زين العابدين بن علي. و من النضال إلى التنبير، ترصد الرواية حجم تحولات المجتمع التونسي و نخبه بعد الثورة ” معارضتك لم تعد معارضة. أصبحت تنبيرا… التنبير هو الذي يُظهرنا على حقيقتنا…… و في كل ذلك أثثت تحولات العشق و الحب و انكساراته، و حكايات الصداقة و ضحكاتها، و الفوضى الجميلة التي جعلت الناس يحلمون.
فوضى انتظمت في الرواية بطريقة بديعة، علها من اثر دقة المحاسب. …
تنغلق الرواية بحوار لعله يمنحكم الرغبة في الاطلاع عليها،
تسألينني:

  • سيكون إذن كتابا للعشق

فانهي:

  • اخشي ان يكون كتابا للخسارات.

كتاب أنيس الوهابي، كتاب عشق. عشق للحياة و للكتابة. انه انتصار على “خسارات” ممكنة. خسارات تجعل عشقنا للحياة ذا معنى.
اقرؤوا الكتاب لأنه على صورتنا…
 
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP