الجديد

"تحيا تونس" .. في مواجهة ارث "نداء تونس"

كتب: منذر بالضيافي
صاحب الاعلان عن المشروع السياسي، المنسوب لرئيس الحكومة، يوسف الشاهد، يوم الأحد 27 جانفي الجاري، من مدينة المنستير، جدل اعلامي وسياسي كبيرين، وصل درجة “التحامل” و “الشيطنة”، خاصة بعد الكشف عن التسمية المقترحة للحزب المنتظر، حركة “تحيا تونس”، التي رأي فيها البعض “سطو” على أحد أهم شعارات حركة “نداء تونس”، كما رأي البعض الاخر أن التسمية المقترحة، تعبر عن ضعف ومحدودية “الخيال السياسي” لأصحاب المشروع السياسي الجديد، الذي لا يعدو أن يكون برايهم الا “استنساخا” لفكرة ما أصبح يعرف ب “النداء التاريخي، بزعامة رئيس الجمهورية الحالي، الباجي قايد السبسي.
كما مثل الاعلان عن حركة “تحيا تونس”، مناسبة جديدة لتوجيه اتهامات “لزعيم” الحزب الذي ما زال يشتغل من وراء الستار ولم يعلن عن نفسه بصفة رسمية، اتهامات ليوسف الشاهد، بأنه بصدد توظيف مقدرات الدولة ورموزها لبناء مشروعه السياسي، مشددين على غياب “الأخلاق السياسية”، التي هي ضرورية في الممارسة السياسية، خاصة في مرحلة ما تزال توصف بكونها تأسيسية.
في انتظار تبين “الخيط الأبيض من الأسود” في علاقة بالمولود الجديد، الذي لم يعلن في الحقيقة الى حد الان الا عن بداية “مساره تأسيسي”، يتوقع مثلما صرح بذلك أصحاب المشروع والمتكلمين باسمه واساسا سليم العزابي، أن يتم الاعلان عنه بصفة نهائية خلال شهر مارس القادم، عبر تنظيم مؤتمر انتخابي، فان الحركة الجديدة، بصدد مد يدها الى كل مكونات العائلة السياسية والفكرية التي تتقاطع وتلتقي معها، بما في ذلك “نداء تونس”.
وان كان بعثها (حركة “تحيا تونس”)، يبرز كما لو أنها تعبير عن “يأس” من تعافي النداء، وانه أصبح من الماضي، مثلما صرح بذلك المنسق العام للحركة سليم العزابي، أمس في اطلالته الاعلامية الأولى، وهنا لابد من الاشارة، الى أن العزابي، توخى “بيداغوجية اتصالية” تجمع بين الهدوء والدبلوماسية، بين فيها قدرة على أنه أصبح يمتلك “مؤهلات سياسية”، هي نتاج وثمرة بالأساس لفترة عمله قرب الرئيس السبسي بقصر قرطاج، برزت من خلال اختباره عدم الدخول في صراعات ومناكفات مع الندائيين، ليفضل توضيح الأسباب التي جعلتهم يقدمون على بعث حركة سياسية جديدة، وليترك بابا للصلح، ربما، فالسياسة تبقى في اهم تعريفاتها المتداولة: “فن الممكن”.
كما لم يفوت العزابي الفرصة للإشارة الى وجود “طلب مجتمعي” لبناء حزب سياسي يعوض “نداء تونس”، وهو ما اكتشفه من خلال جولته في 24 ولاية، وفق تعبيره. وهو بذلك يقدم تفسير ومصوغات لما أقدم عليه مع مجموعة من رفاقه بمساندة واضحة – ولا لبس فيها – من يوسف الشاهد. وكأنه به أراد أن يؤكد على ما سبقه اليه الشاهد، من كون وضع النداء تحت قيادة نجل الرئيس حافظ قايد السبسي، هي التي دفعتهم الى البحث عن بديل، وهي “حجة” تجد صدى لدى العديد المتابعين للحياة السياسية والحزبية، ولدى قطاع واسع من الندائيين، بما في ذلك الذين مازالوا متمسكين بالعمل على “احياء” الحزب، واختاروا عدم مغادرة المقر المركزي للحركة، بضاحية البحيرة.
وفي انتظار تطورات “دينامية التأسيس”، لحركة “تحيا تونس”، فإننا برأي ما زلنا لم نعاين تأسيس حزب جديد، بقدر ما لاحظنا اعلان رسمي عن انشقاق جديد عن الحركة الأم “نداء تونس”،  التي تأسست من رحمها مجموعة من الأحزاب الصغيرة، على غرار حركة “مشروع تونس” و “بني وطني” و “تونس أولا” … بعد استقالة قيادات مؤسسة مثل محسن مرزوق ورضا بلحاج وغيرهم.
من ذلك، أن الحزب المنتظر و المحسوب على رئيس الحكومة،  ضم نفس الوجوه والأشخاص، ونفس الشعارات، ونفس الألوان التي رفعت خلال تأسيس حركة نداء تونس، في 2012، ما يجعلنا – وفي مرحلة أولى – نعتبر ما حصل وما تم الاعلان عنه يوم الأحد في المنستير، قد يكوم محكوما عليه بنفس مالات ما تم الاعلان عنه من “كيانات سياسية” خرجت من جلباب النداء ولم تنجح في التحول الى بديل عنه.
هذا ما يجعلنا نرى أننا بصدد مشاهدة أو معاينة “استنساخ” للنسخة الأصلية (نداء تونس)، مع اختلاف كبير في السياقات، حيث كان بروز النداء في 2012 بمثابة تعبير عن استجابة  لمطلب مجتمعي بتحقيق التوازن مع حركة النهضة الاسلامية، وتخوفات جدية برزت من ضياع المكاسب العصرية التي تأسس عليها مشروع دولة الاستقلال.
كما كشفت بداية  المسار التأسيسي “للمشروع الجديد”، أنها تفتقد للشروط التاريخية لتأسيس الحزب مثلما عددها الفيلسوف الايطالي أنطونيو غرامشي، وذلك بسبب خلو هذا المسار من البرامج والرؤى (الأيديولوجيا) وغياب القاعدة الشعبية التي تسنده، إلى جانب عدم وضوح الرؤية بشأن قياداته  باستثناء الإعلان عن منسق عام.
وبناء عليه  فليس من المستبعد أن يشهد هذا “المشروع” نفس مصير “نداء تونس” الذي انقسم بسبب صراعاته وتناقضاته الداخلية، كما أن نقطة قوة “تحيا تونس”  لا يستبعد أن تكون نقطة ضعفه، ونعني هنا ارتباطه بالسلطة وبالحكم،  فالحكومة الحالية ستتحمل كل فشل منظومة الحكم التي جاءت بها انتخابات 2014، وبالتالي فان حزب الشاهد ( لو رأي النور) سيدفع فاتورة هذا الفشل،  في الاستحقاقات الانتخابية المقررة نهاية السنة الجارية.
 
و بالمناسبة، من المتوقع  أن تحمل الانتخابات المقبلة مفاجآت كبيرة خاصة للأحزاب السياسية الحاكمة، بسبب ارتفاع نسبة عزوف الناخبين وتراجع ثقة الناخبين في الأحزاب، وليس من المستبعد أن يتجه الناخبون إلى القيام بتصويت عقابي ضد “الأحزاب الكبرى” جراء تحميلها مسؤولية تدهور الأوضاع في البلاد.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP