الجديد

شورى النهضة: الحركة تختار شركها وتقطع مع الرئيس السبسي وحزبه (نداء تونس)

المهدي عبد الجواد
جاء اجتماع مجلس شورى حركة النهضة، في لحظة مفصلية في هذه المرحلة الأخيرة من العهدة الانتخابية. عمليا ثمانية اشهر قبل الانتخابات، التشريعية و الرئاسية موفى سنة 2019. و تكمن الأهمية أيضا في كونه جاء في خضم تحولات  سياسية واجتماعية من شانها التحكم في مفاتيح المرحلة القادمة.
تميز الوضع السياسي بجملة من المتغيرات المهمة، فقد نجح مجلس نواب الشعب في انتخاب رئيس لهيئة الانتخابات، و استكمل اختيار أعضائها، في آجال معقولة، تسمح للهيئة الدستورية، بالاستعداد للانتخابات في أحسن الظروف، و هذا النجاح “سفّه” أحلام كل من راهن على “سيناريوهات” تأجيل الانتخابات أو إلغاءها، و حتى تعطيل كامل المسار الانتخابي.
كما تميّز الواقع السياسي باستكمال “أنصار الشاهد” جولتهم الاستشارية في الجهات، و حزموا أمرهم بإعلان مشروعهم السياسي الجديد المستقل، إعلان كرّس الطلاق البائن تنظيميا مع نداء تونس، و فتح باب التنافس السياسي و الانتخابي مع “الحزب القديم” و حتى مع رئيسه المؤسس.
اجتماعيا انعقد اجتماع الشورى وسط نجاح الحكومة و الاتحاد في التوصل الى اتفاقين مهمين، في قطاعي الوظيفة العمومية و التعليم الثانوي، اتفاقان من شأنهما إزالة “منغصات” قوية على الحكومة و على داعميها السياسيين و على رأسهم حركة النهضة. بل ان المُفرح كثيرا هو إعلان نورالدين الطبوبي، ان هذه الاتفاقيات بددت أزمة الثقة في الحكومة، بل أنها لم تعد موجودة.
ووسط احتداد الشد “السياسي” بين النهضة من جهة و الجبهة الشعبية و حتى رئيس الجمهورية من جهة ثانية، في ما يتعلق بما يُسمى “الجهاز السري” أعاد بيان مجلس الشورى التاكيد على كون الامر لا يعدو ان يكون “استحضارا جديدا لمخرجات الصراع الإيديولوجي ” و ندّد البيان بشدّة “بمواصلة جهات سياسية تسميم المناخ الوطني والإصرار على مهاجمة حركة النهضة ومحاولة تشويهها بالكذب والتلفيق وتركيب الملفات. وينبه إلى الضرر البالغ الذي تمثّله هذه الممارسات على المناخات الوطنية واستقلال القضاء وضرب هيبة الدولة ومؤسساتها.”
لقد مثلت كل هذه المقدمات قوة دفع لحركة النهضة، لتتحرّر – نسبيا – من جزء مهم من اكراهات اختلال التوازن السياسي، و نهاية توافقها مع الباجي قايد السبسي. توافق و ان تم الإعلان علي نهايته صراحة و رسميا، فان البعض، ظل يُراهن في السر أكثر منه في العلن، على إمكانية إحيائه و استعادته، عبر تخلي النهضة، تبعا لتسمم الأجواء العامة سياسيا و برلمانيا و اجتماعيا، و الرياح غير المواتية للنهضة داخليا و إقليميا، على يوسف الشاهد.
و لكن بيان الشورى أكد على ان النهضة لم تُغيّر موقفها، بل ان تصريحات قياداتها على هامش الاجتماع أكدت مضي الحركة في الحفاظ على الاستقرار الحكومي، و وسط هذا “الانفراج” الاجتماعي و السياسي، ووسط تسريبات غير رسمية، حول تعهد رئيس الحكومة مواصلته قيادة فريقه الحكومي الى حين انجاز الانتخابات في أكتوبر القادم. وردت تصريحات قيادة النهضة مشيرة الى  التوافق مع الشاهد و التعايش مع النداء، لخصها  رئيسها  راشد الغنوشي بالتعبير على سعادته في صورة النجاح في خلق أرضية تفاهم مع “تحيا تونس”.
لقد النهضة اختارت إذن شريكها في الحكم في ما تبقى من هذه العهدة، اختيار بديل على النداء و على الباجي قائد السبسي، و لعل الإعلان الصريح كون الحركة ” معنية بالانتخابات الرئاسية ويَدْعُو المكتب التنفيذي إلى إعداد تصوّر لكيفية المشاركة فيها وعرضه على مجلس الشورى.” يضع إمكانات العودة إلى ما قبل الطلاق بين النهضة و الباجي امرا سياسيا شبه مستحيل.
الشكر الذي وجهته الحركة في بيان مجلس شوراها الى كتلتها النيابية على دورها المهم في استكمال هيئة الانتخابات، مهم جدا، في كونه أطلق نهائيا المسار الانتخابي، و مهم لأنه ألمح بذلك الى انتهاء  دور “نواب مجلس الشعب” عمليا و فعليا.
شهران تقريبا يفصلاننا على آخر الآجال الدستورية لأية عملية تحوير حكومي، و خمس أشهر على انطلاق الانتخابات التشريعية. كل الأحزاب و المشاريع الحزبية غير مستعدة عمليا و هيكليا غير النهضة لهذه الانتخابات.
يبرز الشاهد في نسق تصاعدي رغم الصعوبات، و ينطلق ” المؤلفة قلوبهم” حوله في مناخ ايجابي لبناء حزبهم، الذي قد يستفيد من وضعية “الستاتيكو” التي يعيشها نداء تونس منذ مدة، مناخ ايجابي نعم، لكنه صعب و طويل و معقد و محكوم بإكراهات الآجال و ضعف المنجزات.
سُبات نداء تونس ، وهنا لعل بيان شورى النهضة يرفع بعض الغشاوة على بعض “الندائيين” ممن مازال يُراهن على “نجدة النهضة” للحزب الذي انتصر عليها في انتخابات 2014.
الآجال السياسية و الدستورية و الانتخابية تكاد تنتهي، و لا مجال امام “أحزاب الوسط” او  “النداء التاريخي” غير القيام بتنازلات مؤلمة و جراحية من اجل الاستعداد للانتخابات القادمة، التي ستكون حاسمة في تاريخ المشروع الوطني العصري التونسي. وهنا نشير الى ان هذا لا يتم الا عبر انسحاب وجوه عديدة، وجوه عديدة يجب عليها ان تختفي من المشهد، فضلا عن عملية غربلة كبيرة افقيا و عموديا ، قد تُساهم في “احياء” النداء.
اختارت حركة النهضة اللحظة المناسبة و البيان المناسب لمصلحتها، اختارت ايضا شريكها في المرحلة القادمة و بوضوح.  فما  الذي بقي عند الباجي ليُناور به؟ و أي مصير للنداء و قد انتهى دور نوابه؟.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP