الجديد

الرئيس قايد السبسي يستعد لمواجهة جديدة مع الاسلاميين

منذر بالضيافي
بعد أخذ ورد، في الكواليس، و”ازدواجية” في التصريحات، حسمت حركة “النهضة” الاسلامية موقفها السياسي، المتصل بتحالفاتها اليوم وغدا، المرتبطة بصفة عضوية بطبيعة العلاقة مع كل من رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، وهو ما كشفت عنه بوضوح في الدورة الأخيرة لشورى الحركة، المنعقد نهاية الأسبوع المنقضي، لتقرر التمسك “بالاستقرار الحكومي”، برئاسة الشاهد، وائتمانه على اتمام العهدة الحالية وبالتالي الذهاب الى الاستحقاقات القادمة، المبرمجة لنهاية السنة الجارية في ظل حكومته الحالية، كما لم تستبعد أيضا أنه سيكون حليفها المرجح، ما بعد انتخابات 2019.
بهذا الموقف الرسمي، تكون النهضة قد حسمت أمرها، مؤكدة على نهاية “توافق الشيخين”، الذي حكم تونس منذ 2015 والى غاية 28 ماي الفارط، تاريخ تعليق “وثيقة قرطاج2″، التي ثبتت الشاهد رئيسا للحكومة، دون “موافقة” حزبه الأصلي “نداء تونس”، ودون “رضا” الرئيس السبسي، الذي كان وراء تعيينه في القصبة، لتدخل البلاد في مسار سياسي جديد، عنوانه الرئيسي “القطيعة” بين “الشيخين”، و “الشراكة” مع رئيس الحكومة، وحزب الذي هو طور التشكل. فما هي “ردة فعل” الرئيس قايد السبسي على هذا الواقع السياسي الجديد ؟ وكيف سيتصرف معه في ما تبقى من العهدة الانتخابية الحالية ؟
الثابت والمؤكد أن الفترة التي ستفصلنا على استحقاقات نهاية 2019 ، ستكون مطبوعة بمناخ سياسي تغلب عليه مظاهر الصراع والتوتر، بين الائتلاف الحكومي برئاسة الشاهد ودعم راشد الغنوشي، وبين الرئيس السبسي وحزبه “نداء تونس” وكل من سيلتحق بهم من أحزاب وشخصيات وطنية.
وقد كانت الفترة الأخيرة في الواقع معبرة عن هذه “الثنائية”، التي ترجمت من خلال الانتقال في العلاقة بين قرطاج والقصبة، من “حرب باردة” الى “مواجهة” مفتوحة بين راسي السلطة التنفيذية، ومواجهة أخرى لا تقال ضراوة عن الأولى، بين “الشيخين”، يتوقع أن تعرف تطورات جديدة، في قادم الأيام، خصوصا بعد بداية الكشف عن “ملفات” تعد مربكة للإسلاميين، مثل “الجهاز السري” و “التسفير” التي انضاف لها “تمويل” الحركة والجمعيات القريبة منها بل المحسوبة عليها، وأنشطتها التي تمس من “مدنية الدولة”، على غرار ما كشف عنه مؤخرا، ونعني “المدرسة القرآنية” بالرقاب.
وكان الرئيس الباجي قايد السبسي قد “أطلق النار” على “التحالف الحكومي” الجديد، في حوار منذ أيام مع جريدة “العرب” اللندنية(الثلاثاء 29 جانفي 2019 )، “حيث شدد على أن الحكومة الحالية هي “حكومة النهضة”، وقال: “مادام رئيس الحكومة لقي سندا كبير من حركة النهضة. وهي تسيطر عليها حتى أن الغنوشي مثل تونس في دافوس ومعه الكاتب العام للنهضة ورئيس الحكومة.” وأضاف في ذات الحديث “الشاهد يريد أن يبقى في السلطة فقال إنّ عنده خلاف مع النداء. لا أعتقد أنّ هذا الأصل، النهضة فهمت طموحه وتعاملت معه بذكاء ودفعته إلى تكوين حزب جديد يشاركها الحكم بعد انتخابات 2019 وراشد الغنوشي سيدعمه في السرّ ليترشّح لرئاسة الجمهورية. هذا لم يعد خافيًا على أحد في تونس.”
ما يدعم ما ذهب اليه الرئيس السبسي، نجده في تصريح رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي يوم الأحد الفارط على هامش انعقاد شورى الحركة  بأن حزبه مازال يساند يوسف الشاهد باعتباره رئيسا للحكومة، مبيّنا أن الحركة لم تحسم بعد موقفها من مساندته أو عدمها في صورة ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة.
و اضاف  الغنوشي قائلا: ” إن حزب “تحيا تونس” مازال بصدد التأسيس وعندما يستكمل عملية التأسيس وتجد النهضة أرضية مشتركة معه ستكون سعيدة بذلك”.
في أول ردة فعل له على التصريحات النهضوية على هامش فعاليات اجتماع مجلس الشورى، صرّح الرئيس الباجي قايد السبسي لدى عودته عشية اليوم الاثنين 11 فيفري 2019 من أديس أبابا اين حضر القمة الافريقية،  “بأنّ توازن القوى السياسية اليوم لم يعد ذلك الذي كان قائما في سنة 2014″، مشيرا إلى أنّ رئيس حركة النهضة الذي هو المساند الأصلي للحكومة قال إنّه من المتوقّع أن تقدّم الحركة مرشّحا للانتخابات الرئاسية، وذلك معطى يجب أخذه بعين الاعتبار.
و أضاف أنّ هناك اليوم اتّجاهان من شأنهما أن يكون لهما تأثير في الأيّام القادمة، مؤكّدا أنّ الشعب سيكون الحكم في انتخابات 2019. في اشارة واضحة الى أنه سوف لن يبقى مكتوف اليدين، وأنه سيكون وراء “اتجاه” مقابل للاتجاه الذي هو طور التشكل (بين الشاهد والغنوشي)، وللاشارة فان الرئيس شرع منذ فترة في العمل على صعيدين اثنين، يتصل الأول بتوفير المناخات والتوافقات لعقد مؤتمر “نداء تونس” وهي مساع ما زالت تلاقي “صعوبات”.
أما الصعيد الثاني الذي يتحرك فيه الرئيس السبسي، فهو تكثيف الاتصالات بقوى وشخصيات وطنية، من المرجح أن تفضى لبناء “جبهة وطنية”، لا يستبعد أن تتطور الى “تحالف” مع حركة “نداء تونس”، كما أن الرئيس أبقى على احتمال ترشحه للرئاسيات القادمة، وهو سيناريو متوقع بل وممكن، سيعد بمثابة دعامة لتقوية “الجبهة الوطنية”، التي تقدمت المباحثات حولها، ويتوقع أن تعرف الأيام القليلة القادمة تحركات مكثفة لتشكيلها بمبادرة ومتابعة مباشرة من الرئيس السبسي.
ولا يخفى أن الرئيس كان قد عبر عن رفضه لكل محاولات “عزل” الرئيس ومؤسسة الرئاسة، في إشارة منه الى وجود “نوايا” في هذا الاتجاه من قبل “الائتلاف السياسي” الجديد، وذلك من خلال رفضه لتهميش دور رئيس منتخب مباشرة من قبل الشعب.
الثابت والمؤكد، أن الرئيس الباجي قايد السبسي،  لن يقبل بسياسة “الأمر الواقع”،  التي لمح مرار وتكرارا الى أن هناك من يسعى و يخطط لها و بصدد الاشتغال والبحث عن “التمكين” لعا، وأنه لن “يرمي المنديل”، فأية ورقات ما تزال بيد هذا “السياسي المخضرم” لاستعادة المبادرة و بالتالي “قلب الأوضاع” مرة اخرى لصالحه ؟
دون استباق التطورات القادمة، التي نرجح أنها ستعرف مفاجئات كبيرة وهامة، في اتجاه الحسم لهذه الجهة أو تلك، نقول ان السياسة في أكثر تعريفاتها تداولا أنها: “فن الممكن” بامتياز، لذلك سنتابع وننتظر فصل “سياسي ساخن” قبل انتخابات أكتوبر القادم، ستكون له تداعيات هامة على مسار انتقالي يوصف بكونه “هش”.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP