الجديد

الزيارة "الباريزية": الشاهد "يقدم" نفسه لماكرون !

منذر بالضيافي
يؤدي رئيس الحكومة، يوسف الشاهد أيام الاربعاء والخميس والجمعة 13 و14 و15 فيفري الجاري زيارة رسمية الى فرنسا، ستكون برأي جل المتابعين، أكثر من هامة، في تحديد مستقبل الرئيس الشاب، في سنة انتخابية تبدو ساخنة، لعل هذا ما يفسر انطلاق الحملة الانتخابية مبكرا، وزيارة باريس ليست بعيدة عن “المطبخ الداخلي”.
لذلك وبرغم الحضور القوى للملف الاقتصادي، فإنها زيارة سياسية بامتياز، بالنظر للسياق الداخلي المتسم بتصاعد الصراع حول السلطة ، وبالنظر الى أهمية دولة مثل فرنسا، في التأثير على “صناعة” القرار في تونس وفي كل عواصم شمال افريقيا، وهذا ما يعطي الزيارة “الباريزية” زخما استثنائيا، تسعة أشهر فقط قبل الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والرئاسية، التي يعد يوسف الشاهد، من أهم المعنيين بها، وهنا أرجح أن عين الرجل على قصر قرطاج، أكثر من القصبة بالرغم انها تعد مركز السلطة التنفيذية، وفق النظام السياسي الذي أقره دستور 2014.
بالعودة للزيارة “الباريزية”، فمن خلال برنامجها المكثف، والوفد الكبير الذي صاحبه، تسعة وزراء ورجال أعمال ومجموعة كبيرة من الصحفيين المقربين، تتبين أهمية الرهان الذي يوليه الشاهد وفريقه للزيارة، التي ستكون مناسبة لتقديم نفسه لصناع القرار والمؤثرين فيه خاصة في الحقل الاعلامي( حوارات في أهم الصحف والمجلات وحوار مع قناة فرانس 2 ) . فقد كشف برنامج الزيارة عن لقاءات هامة.
مع لوران فابيوس رئيس المجلس الدستوري و مع ريشارد فيران رئيس مجلس النواب خلال اليوم الأول كما سيلتقي اليوم الخميس 14 فيفري مع رئيس الحكومة الفرنسية ادوارد فيليب مع حضوره موكب لتوقيع جملة من الاتفاقيات تتعلق اساسا بقطاعي الصحة والنقل يليه لقاء بوزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومار ثم محادثة مع جيرار لارشيي رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي. وسيكون ثالث ايام الزيارة، يوم الجمعة هام حيث ييجري محادثة مع رئيس الجمهورية الفرنسية ايمانويل ماكرون. وسيلتقي يوسف الشاهد رئيس مجموعة الصداقة الفرنسية التونسية جان بيار سيور.
يراهن الشاهد وفريقه، على أن تكون زيارة باريس – كما وأن ذكرنا –  مناسبة لتقديم نفسه لحكام فرنسا ونخبتها السياسية والاعلامية ومن ورائهم طبعا الرأي العام الفرنسي. من خلال لقاءات مباشرة وأكثر “حيوية” و “حميمية” – لما لا -. اذ أن الشأن التونسي في أدق تفاصيله وشخوصه والفاعلين فيه معروف بل مقروء فرنسيا جيدا من قبل مختلف الأجهزة الدبلوماسية والأمنية والاستخباراتية. لكن، هذا لا يغني – أبدا – عن مزيا اللقاءات المباشرة، وما توفره من قدرة أكثر على الحكم والتقييم وبالتالي المساعدة في اتخاذ قرار “الدعم” و “المساندة” من عدمه.
بعد 30 شهرا في القصبة، يواجه “ماكرون تونس”، مثلما يلقبه المقربين منه، صعوبات كبيرة قد تعصف به في كل لحظة، وتعصف بطموحه الجارف للسلطة، وهو طموح وصل حد “المقامرة”، لكنها “مقامرة مربحة” الى حد الان.
في اطار متابعته لتطورات المشهد التونسي، نشر موقع مركز “كارنجي” للبحوث في ديسمبر الفارط، مقالا للباحثين زينب يحمد و سارة يركيس، تحت عنوان “مقامرة مربحة”، وذلك أيام بعد التحوير الوزاري الأخير، الذي أدخله رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، على فريقه الحكومي. واعتبر المقال أنه “ربما ساهم التعديل الوزاري الأخير في تونس، مؤقتاً، في إنقاذ موقع رئيس الوزراء يوسف الشاهد.. من غير المرجّح أن يقود التعديل الوزاري إلى تحسينات اقتصادية مهمة على المدى القصير، غير أنه يبدو أن هذه الخطوة الجريئة التي أقدم عليها الشاهد أبقته في السلطة – في الوقت الراهن”.
هذا ما “نجح” فيه الشاهد، برغم بروز “مخاوف” عديدة حول “نواياه” وطريقته في الحكم، ما جعلت الأصوات تتعالى – حتى من داخل الائتلاف الحاكم – للدعوة “لحكومة انتخابات”، من أجل ضمان حياد مؤسسات وأجهزة الدولة في الاستحقاق الانتخابي القادم، وهي دعوة تكثفت في الأيام الأخيرة، بعد الاعلان عن حزب “تحيا تونس”، المحسوب على رئيس الحكومة، يوسف الشاهد.
قبل تسعة أشهر من الانتخابات القادمة، يجد الشاهد نفسه في مواجهة تحديات بالجملة، لعل أهمها وأبرزها قدرته على البقاء والاستمرار في القصبة الى تاريخ الانتخابات القادمة، وهي عنصر قوة الرجل، وهو وصحبه يدركون ذلك جيدا، فمغادرته القصبة قد تعني خسارته للرهان، على غرار ما حصل مع كل رؤساء الحكومات الذين سبقوه.
في المستوى الحكومي، هناك عديد نقاط الضعف المتصلة أساسا بالتضامن الحكومي وبالضعف الاتصالي، فضلا عن التنسيق بين مختلف الادارات وأجهزة الدولة التي تعاني من خلل يكاد يتحول الى هيكلي/بنيوي. كما كشفت فترة حكم الشاهد، أنه لا توجد رؤية إستراتيجية للدولة في هذه المرحلة، وأن أسمى ما تسعى إليه تونس في هذه المرحلة هو الحفاظ على توازنها وتنظيم انتخابات 2019.
ولعل التحدي الأكبر، في علاقة بالمستقبل السياسي للرجل، يبقى قدرته على بناء حزب سياسي “جماهيري”، يسنده ويشد أزره في الاستحقاقات القادمة، التي يبدو أن عامل الوقت ليس فى صالحه، وأن الحركة السياسية التي تم الاعلان عنها والمحسوبة عليه (تحيا تونس)، انطلاقتها متعثرة برغم “الدعم الحكومي” الواضح، والذي كان ولا يزال محل لا انتقادات فقط بل أيضا “تخوفات”.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP