الجديد

ذاكرة نفزاوة .. للمسرحي مكرم السنهوري

المهدي عبد الجواد
ذاكرة نفزاوة المسرحية  تاريخ و اعلام، هو مؤلف طريف، نشره الممثل المسرحي الشاب مكرم السنهوري، و يسترجع الكتاب تاريخ المسرح في اقاصي البلاد، في منطقة لا يعتقد الكثيرون ان لها عميق اهتمام بالفن المسرحي، و الحال ان تاريخ المسرح يعود تقريبا الى منتصف القرن الماضي، منذ 1948.
سعى المؤلف إلى الإحاطة بكل التفاصيل المتعلقة بالنشاط المسرحي في جهته فذكر الأعلام والأعمال والجمعيات والمؤسسات.  و نفض غبار النسيان على شخصيات مهمة في المنطقة تصدت للفعل الثقافي في شتى انواعه، اذ كان المسرح “جهدا فنيا” لتغيير الذهنيات و للفعل السياسي و الاجتماعي و الاخلاقي. المسرح اب الفنون وقد وجد نفسه في ابهى تعريفاته في منطقة نفزاوة، حيث تداخلت فيه الابداعات، المنسجمة مع البيئة، فقد وظف الفاعلون المسرحيون ما في الجهة من موارد طبيعية لتجاوز نقص الامكانيات المادية، مثل استعمال “مشتقات النخيل” جريدا و خشبا و سعفا، لابتناء الركح و توفير الاكسسوارات  او ابتكار الملابس من “نسيج المنطقة”. و تمت اعادة صياغة الحكاوى الشعبية و السير و الشعر الشعبي و فنون الرقص و العاب الجهة و عاداتها، فضلا على اقتباسات من نصوص مسرحية عربية و عالمية. ولم يغفل المؤلف عن ذكر مختلف الاسهامات، “فعرّج على المسرح المدرسي وقدّم لمحة عن المهرجانات، واضعا كل ذلك ضمن الإطار الجغرافي والحضاري للبيئة الحاضنة التي تمثلها مدن وقرى: قبلّي وجمنة وبشني وسوق الأحد والقلعة” و الفوار.
غالبية الكتاب كانت سيرة فرقة بلدية دوز للتمثيل. و هي فرقة فريدة المسار في تونس عامة. اذ يتجاوز اشعاعها منطقة نفزاوة و تتعداه الى مستوى وطني بل و عربي و دولي. لقد غرست في الجهة و في “اهالي دوز” عشق المسرح. و خلقت من حولها حزاما جماهيريا يتابع اعمالها، حتى تحولت الى ظاهرة اجتماعية، تُقبل على عروضها العائلات. ثورة حقيقية قام بها رواد الفن المسرحي في الجهة، بتغيير “الذهنيات على غرار ما قامت به الحركة المسرحية إبان نشوئها في مطلع القرن العشرين حينما أسس أهل الثقافة والفكر جمعيات لنشر الفن المسرحي داخل وسط غير مستعدّ لتقبل المسرح بل كان مناهضا في أغلب الأحيان لكل تغيير اجتماعي حتى وإن كان ايجابيا.” تاريخ المسرح كان في الكتاب تاريخ التجديد الفني و الاجتماعي و هو مثلما كتب الاستاذ محمود الماجري الذي قدم الكتاب ” وهو في ذات الحين مسار للتحديث بواسطة الثقافة والفن والإشعاع تشكلت من خلاله المدينة وكامل الجهة في صورة الفاعل المؤثر على المستوى الوطني، بعيدا عن هيمنة الأنماط السائدة، وبذلك يؤكد الحراك المسرحي بهذه الجهة أن جوهر اللامركزية يكمن أساسا في حرية الاختيار وسلطة القرار الفني من أجل التميز ضمن السياق الوطني العام.”
جهد مشكور للمسرحي الشاب الذي اشتغل في المنطقة لسنين طويلة استاذا للمسرح في مدينته و في قرية زعفران، مكرم الذي فضل ان يكون محليا، فانطق في تجربة فنية فريدة تلاميذ مدرسة الصم في مسرحية صامتة سماها “صرخة” يؤمن بان الابداع يجب ان يكون مغروسا في المحلية.
تاريخ مسرح نفزاوة شبيه بتاريخ المسرح و الفنون في مناطق اخرى في تونس، لكن الوعي المركزي، و كسل الكتابة و التدوين، يتهدد تاريخا كاملا بالنسيان.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP