الجديد

المشهور الدغباجي .. في الذكرى ال 95 لإعدامه (سيرة زعيم وطني)

المهدي عبد الجواد
تحل يوم 1 مارس الذكرى الخامسة و التسعون “95” لإعدام البطل الوطني محمد الدغباجي، بطل الحروب في تونس و ليبيا و بطل الاغاني الشعبية و القصائد الوطنية.
 
“كان عمري لا يتجاوز الثامنة حين بلغنا نبأ استشهاد الدغباجي، في سوق الحامة بلد آبائه و أجداده التي كانت مطوقة من الخارج بالجيوش الفرنسية و محتلة من الداخل بمصفحاتهم و دباباتهم، و أفواه المدافع و الرشاشات موجهة الى كل ركن، و كل باب، و كل منفذ في القرية، و كان السكان قد حشدتهم السلطة العسكرية تحت التهديد بالسلاح في بطحاء السوق لزرع الرعب في القلوب، حتى لا يتجرأ اقارب الدغباجي – في المستقبل –  على اتباع سبيله في الثورة و التمرد” بهذه الكلمات قدم محمد المرزوقي خبر استشهاد البطل الوطني، و مُلهم الشعراء، و موضوع الملاحم “المشهور الدغباجي”.
 
من حق هذا القائد الوطني المغاربي الفذّ علينا ان نستحضر سيرته، في ذكرى اعدامه، عسى الأجيال، تذكر ابطال النضال الوطني ضد الاستعمار، لمعرفة قيم الوطنية و الاعتزاز و صون الاوطان.
 
فمن هو الدغباجي؟
وُلد محمد بن صالح الدغباجي سنة 1885 بوادي الزيتون بحامة قابس، ينتمي لعرش الخرجة أحد الفروع المكوّنة لقبيلة بني زيد، و هي قبيلة مشهورة بالفروسية و البطولات. نشأ الدغباجي في وسط بدوي، الحياة فيه صعبة و شظف العيش فيه، كان من مكونات شخصيته التي نمت متمرسّة بالمصاعب متحملة للالام، في عزيمة و جلد.
 
وقع تجنيده سنة 1907 قسرا، فقضى  ثلاث سنوات، في خدمة الجيش الاستعماري، عاد إثرها الى موطنه حيث تزوّج زواجه الاول، ثم عاد و تطوع في الجيش الفرنسي سنة 1913 .
وعند اندلاع الحرب العالمية الاولى سنة 1914 ثارت قبيلتا أولاد دبّاب وأولاد إشهيدة، بمنطقة تطاوين بالجنوب التونسي  الذي اصبح ساحة حرب. فوجد الدغباجي نفسه  في سبتمبر 1915 ضمن الجيوش الفرنسية المعزّزة لتواجدها على الحدود التونسية المتاخمة للتراب الليبي.
ويبدو أن محمد الدغباجي قد شعر بالخزي والعار وهو تحت راية المستعمر الفرنسي، ويقاتل  ويواجه بني قومه من قبائل أولاد إشهيدة وأولاد دبّاب المنضوين تحت قيادة خليفة بن عسكر النالوتي، ففرّ والتحق كإخوته من قبائل الجنوب بقيادة البطل الليبي، فجعله خليفة بن عسكر أحد أعضاده وبقي يقاتل معه، و شهد معه وقائع مشهورة، ضد الاستعمار الايطالي حينا وضد الاستعمار الفرنسي حينا آخر.
وحين أبرم الصلح بين ايطاليا والثوّار الليبيين سنة 1919 ودخلت الثورة الليبية مرحلة هدنة. تحتّم على محمد الدغباجي أن يعود الى موطنه منطقة بني زيد ليواصل كفاحه ضد المستعمر الفرنسي. فخاض عدة معارك أهمّها:
معركة جبل بوهدمة:
سنة 1919 شاركه فيها البطل البشير بن سديرة. ونتج عن وقائعها جرحى وقتلى من الجانبين.
معركة خنقة عيشة:
على طريق قابس وقفصة وقد رافقه في هذه المعركة ايضا البشير بن سديرة سنة 1919 وقد قتل في هذه المعركة عدد من الجنود الفرنسيين وغنم الدغباجي و رفاقه أسلحة القتلى دون أن يلحقهم أي ضرر.
معركة الزلّوزة:
دارت هذه المعركة بين الدغباجي وأحد رجال الديوانة الفرنسيين يُدعى بولو «Polo» ومعه ثلاثة من أعوانه وذلك يوم غرة جانفي 1920 .وكان «بولو» يروم التشفّي من الدغباجي ويتوعّده، لكن بطل بني زيد اغتنم هذه المواجهة ليخلّص عشيرته من ظلم وتجبّر «بولو» فقتله وثلاثة من أعوانه.
معركة المغذية:
بعد معركة الزلّوزة شعرت السلط الاستعمارية باستفحال خطورة الدغباجي الذي ذاع صيته وانتشرت شهرته فعزمت على الخلاص منه وجنّدت لذلك مئات بين جند ومدنيين منهم من ينتمي لعشيرة الدغباجي. فأجبرتهم على ملاحقته وحصاره وذلك يوم 6 أفريل 1920 .
في وادي مغذية  بمنطقة الصخيرة، حيث حطّ محمد الدغباجي الرحال صحبة عدد من رفاقه. فداهمته القوات الفرنسية التي أمطرتهم بوابل من الرصاص.. وتم تبادل اطلاق النار بكثافة بين الطرفين استشهد خلالها أحمد بن المرزوقي الغيلوفي وجرح كل من الدغباجي في ذراعه وابراهيم بن حفيظ وحسين الجماعي ومحمد بن عمّار.
وفي الجانب الفرنسي تم قتل اثنين الى جانب بعض المتعاونين معه بلقاسم بن عمّار العمامي ومحمد بن سعيد الفطناسي.
انسحب محمد الدغباجي من وادي المغذية في اتجاه سلسلة جبال مطماطة وقد جنّدت فرنسا عددا كبيرا من قواتها لمطاردة الدغباجي ورفاقه في الجبال.
معركة المغذية ألهمت عديد الشعراء الشعبيين الذين خلدوها في قصائد شعرية من ضمنها قصيد «تلاقوا ملقى شين» للشاعر مبارك بن عمر الزيتوني وهو أصيل بلدة الزركين الواقعة بين مارث وقابس وينتمي الى عرش الحمارنة ومما جاء في هذا القصيد:
هابل ع الزين
مسقط في الجيب عقالين
حلف الدغباجي بيمين
عاتي ورزين……
معركة الجلبيانة:
حط محمد الدغباجي الرحال بمنطقة جلبيانة غربي بني خداش. وسرعان ما طوقته قوات الاحتلال الفرنسي يوم 12 أفريل 1920… في وادي مغذية حطّ محمد الدغباجي الرحال صحبة عدد من رفاقه عندما داهمته القوات الفرنسية التي أمطرتهم بوابل من الرصاص.. وتم تبادل اطلاق النار بكثافة بين الطرفين استشهد خلالها أحمد بن المرزوقي الغيلوفي وجرح كل من الدغباجي في ذراعه وابراهيم بن حفيظ وحسين الجماعي ومحمد بن عمّار.
وفي الجانب الفرنسي تم قتل اثنين الى جانب بعض المتعاونين معه بلقاسم بن عمّار العمامي ومحمد بن سعيد الفطناسي.
انسحب محمد الدغباجي من وادي المغذية في اتجاه سلسلة جبال مطماطة وقد جنّدت فرنسا عددا كبيرا من قواتها لمطاردة الدغباجي ورفاقه في الجبال.
 
حط محمد الدغباجي الرحال بمنطقة جلبيانة غربي بني خداش. وسرعان ما طوقته قوات الاحتلال الفرنسي يوم 12 أفريل 1920… اندلعت هذه المعركة يوم 12 أفريل 1920 وقد تبادل في أثنائها الطرفان إطلاق النار، ومن اللحظة الأولى سقط خمسة من الجانب الفرنسي وفرّ الخمسة الباقون، أمّا جماعة الدغباجي فلم يصب أحد منهم بأذى.
 
بعد انتهاء معركة الجلبيانة (12 أفريل 1920) اخترق الدغباجي وبعض رفاقه الحدود التونسية باتجاه طرابلس وكان ذلك في أواخر النصف الأول من سنة 1920. وذهب بعضهم إلى أنّه أقام إلى جانب قبيلة الحوامديين وتزوّج للمرّة الثانية بمسعودة بنت أحمد بن بلقاسم العوني الدبابي.
وفي أثناء إقامته مع قبيلة الحوامد كانت تصله أخبار جهته وبالتحديد الحامة التي كان سكّانها يتعرّضون منذ آخر واقعة شارك فيها الدغباجي ضد الفرنسيين إلى قمع واضطهاد من قبل السلطات الفرنسيّة. وبادر بتوجيه رسالة إلى محمد بلخوجة عامل الأعراض (أواخر جوان 1920) يذكر فيها “أنّه فرّ من بلده نتيجة الظلم وأنّ أهله ليس لهم به علم ولا أيّ اتصال وأنّ الانصاف يقتضي عدم التعرّض لهم بسوء ما داموا ليست لهم أيّة علاقة به”.
وكان هدف الدغباجي من وراء ذلك تخفيف حملات التمشيط و الاعتداءات التي أصبح أهل الحامة عرضة لها.
لعبت الخيانات دورها في الايقاع بالدغباجي و حليفه خليفة بن عسكر، حيث تم ايهامهما باستعداد ايطاليا تجديد سلاح الثوار التونسيين، في إطار إعداد مخطّط يُشجّع فيه الإيطاليون المجاهدين التونسيين المتواجدين بطرابلس على مواصلة ثورتهم على الفرنسيين وذلك لابعاد خطرهم على الإيطاليين، فحضر بذلك صحبة بعض قواده ومنهم محمد الدغباجي، وفي الحين طوّقت هذه المجموعات “المتمرّدة” بعد أن جرّدتها من أسلحتها، وألقى القبض على كلّ من خليفة بن عسكر والدغباجي يوم 28 ماي 1922. أسر الدغباجي وسلّم إلى السلط الفرنسيّة. وقد كان لهذا الخبر أثر سلبي جدّا في نفوس المقاومين التونسيين بطرابلس وأفراد قبيلته بالخصوص. وقد قال شاعر الحمارنة الحاج علي الوحيشي لمّا أسر الدغباجي في إحدى قصائده عنوانها: ماذا واجعني الدغباجي:
ماذا واجعني الدغباجي
قالوا لي جابوه
مدروك مسلسل
و يلاجي في تونس ربطوه…
و بعد محاكمة سريعة في تونس، تم الحكم على الدغباجي بالاعدام، و نُقل الى بلدته الحامة، حيث وفي صباح يوم 1 مارس 1924 اقتيد إلى ساحة السّوق واصطفت الفرّقة العسكريّة ببنادقها وأطلقت الرصاص عليه فسقط مضرّجا بدمائه.
و تحوّل الدغباجي منذ تلك اللحظة الى مصدر الهام للشعراء و كتاب الملاحم. اراد الفرنسيون قتله فتحول الى رمز.
 
 
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP