الجديد

الباجي زعيما… و الشاهد قائدا، سيناريو للإنقاذ قبل فوات الأوان

المهدي عبد الجواد
تُعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بعد أيام قليلة على رزنامة الانتخابات التشريعية و الرئاسية، و التي من المرجح ان تكون خلال شهر أكتوبر القادم. و بحساب الزمن الانتخابي، من فتح باب التسجيل و دعوة الناخبين، و تقديم الترشحات و الطعون و آجالها، و انطلاق الحملة الانتخابية، فان الزمن       “اللا انتخابي” لا يتجاوز الثلاثة اشهر، و التي تحتوي على شهر رمضان المبارك، و يليه شهر الامتحانات، بهذه العملية التلخيصية، فان لا احد من أحزاب ما نطلق عليه بالعائلة الديمقراطية والحداثية سيكون جاهز للانتخابات المقبلة.
السيناريوهات الكثيرة التي كانت متاحة ومطروحة أمام “الديمقراطيين و العصريين” تتناقص كل يوم، و تتلاشى إمكانيات تحقيقها. فنداء تونس، لن يُمكنه مهما حصل ان يسترجع بريقه و جماهيريته و بهرج صورته التي رافقته طيلة سنوات تأسيسه الأولى، و التي انتهت بفوز انتخابي تاريخي، لن يتكرّر. فما آل اليه وضع الحزب الفائز سنة 2014، جعله مجرد حزب صغير، يغرق تدريجيا في “شرنقته”، و يغوص القائمون عليه يوما بعد يوم في “توحد” سياسي مرضي، و لا يعنيهم في شيء بناء حزب كبير بقدر ما يعنيهم التمسك بالقيادة، حتى و ان صار الحزب على شاكلة المؤتمر او التكتل، بــ”حفنة” من النواب. و حتى إن تم إبعاد الحافظ قائد السبسي و جماعته، فان الوقت قد تأخّر جدا، و إمكانات التدارك قد فاتت فعلا… النداء بشكله الحالي، و قيادته الحالية لم يعد بمفرده حلا ممكنا.
بقية الأحزاب المنتمية “للديمقراطية العصرية” على اختلافها، بدءا من “آفاق” وصولا الى “حركة مشروع تونس”، مرورا “بالبديل التونسي” و “بني وطني” و “المستقبل” … و حتى “تحيا تونس”، لا نتوقع أنها ستتمكن من ان تمثل ظاهرة اجتماعية و شعبية جارفة و مُغرية للقاعدة الانتخابية الحائرة. لم “تضربْ” بلغة الفنانين. ورغم كل محاولات التجميل و الحملات الإعلامية و عمليات سبر الآراء، و اللقاءات الشعبية المحلية و الجهوية و الإقليمية و الوطنية و الخارجية، فانه ليس هناك قوة حزبية واحدة من بينها، و لا زعيما حزبيا أو سياسيا واحدا يُمثّل اليوم أملا أو حلا، يمتلك اجماعا و ان كان قليلا.
مشهد سوداوي، فهل انتهت اللعبة قبل ان تبدأ؟
قطعا لا. المشهد الحزبي، و الخارطة الانتخابية غامضان، و تقدم حركة النهضة في الانتخابات القادمة، في الوضعية الحالية أمر لا جدال فيه، و صار حديثا شائعا عند كل المهتمين بالشأن التونسي، من القوى الداخلية و حتى من القوى الخارجية، التي ترفع سفاراتها و مخابراتها و اعلامييها تقارير في هذا الاتجاه.
و لأن الانتخابات غدا. و لأن الوضع استثنائي، فان الحلول الممكنة هي أيضا يجب أن تكون استثنائية. فيوسف الشاهد رئيس الحكومة الحالي، وضعته السياقات الوطنية و التقاطعات السياسية و الحزبية في صدارة المشهد، و ينطلق أكثر من غيره ومن نظرائه بحظوظ أوفر في أن يكون في صدارة قيادات “الديمقراطيين العصريين”، لا يعني ذلك حطا من شأنهم و لكن تلك مشيئة التاريخ و مكره. من الممكن تشكيل قيادة جماعية يتم فيها تقاسم الأدوار، يتخلى كل واحد من هؤلاء على الكثير من “الغرور و الكبرياء” او تأجيل الاحلام الفردية خدمة لحُلُم وطني جماعي.
و لان الحل استثنائي فإن هؤلاء جميعا، مُطالبون بإدارة نزعاتهم فيما بينهم، و لا حد أقدر من الباجي قائد السبسي على ذلك. فرئيس الجمهورية ما زال يمتلك رصيدا رمزيا و ماديا و شعبيا هائلا، يُمكنه توظيفه، لدفع المشروع الوطني من جديد. الباجي رمزا لهذا “التجمع الوطني”، يضمن مصالح الجميع. مصلحة تونس، و مصلحة مشروعها الديمقراطي الوطني، و مصلحة القيادات الحزبية و النخبة السياسية الجديدة، و مصلحة الباجي قايد السبسي نفسه، الذي عليه ان يُعلن صراحة نيته عدم الترشح للانتخابات القادمة، و هو ما سيسمح له باحتلال دور الزعامة الوطنية بلا “مُنازعة” او بلا “مُخاتلة”.
كيف يتم ذلك؟ ووفق أية صيغة ممكنة؟
الدعوة العاجلة لتنظيم مؤتمر أو لقاء يجمع قيادات الأحزاب الوسطية بإشراف الرئيس الباجي قايد السبسي، تصدر عنه وثيقة او بيان يكون بمثابة أرضية  “لتونس المستقبل”، تُشكّل هذه الأرضية المنطلقات السياسية للحملة الانتخابية الرئاسية و التشريعية، و تنبثق عليه لجان خبراء تنكبّ على صياغة البرنامج الانتخابي و  تشكيل القائمات الانتخابية، و يتم في المؤتمر أيضا توزيع الأدوار و الوظائف، و التوافق الجماعي على قيادة مشتركة للمرحلة القادمة، تحت إشراف الباجي، يكون فيها ليوسف الشاهد دورا محوريا إضافة وبدرجة أقل الى محسن مرزوق و المهدي جمعة و رضا بلحاج و ياسين ابراهيم و سعيد العايدي و فوزي اللومي و فاضل عبد الكافي و مصطفى النابلي و مبروك كورشيد و عياض بن عاشور والمنذر الزنايدي…و غيرهم كثير… تقاسم للأدوار قد يكون تعهدا على “تقسيم مرحلي” للترشحات لأهم وظائف الدولة العليا، من رئاسة للجمهورية او رئاسة للحكومة او مجلس النواب او وزارات و سفارات السيادة…
مؤتمر وطني للإنقاذ، تلتف حوله كل القوى الحية المدنية و الشبابية و النسوية و العمالية و مناضلي الأحزاب و صناع الرأي هو احد الحلول السريعة الممكنة، لتلافي خسارات تمس كل المسارات الوطنية و حتى الشخصية.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP