الجديد

نداء تونس .. هل هي نهاية حزب ولد كبيرا ؟

منذر بالضيافي 
ذهب في ظن العديد من المتابعين للحياة السياسية في تونس، أن تشكيل لجنة وطنية لإعداد المؤتمر الوطني الانتخابي، لحزب “حركة نداء تونس” سيكون بمثابة “الفرصة الأخيرة”، لانقاذ هذا الحزب الذي دخل في أزمة بلا قرار وبلا نهاية، طبعا لو تركت “الفرصة” لها للاشتغال دون ضغوط القيادة الحالية للحزب، برئاسة نجل الرئيس حافظ قايد السبسي، وما تبقى من مجموعة الهيئة السياسية.
لكن، ومن خلال تتبع أعمال هذه اللجنة، برز جليا أنه لا يراد لهذه اللجنة أن تقوم بعملها كما ينبغي، وأن قيادة الحزب تريد الذهاب نحو مؤتمر على “قياسها”، كما صرح بذلك في أكثر من مناسبة أعضاء اللجنة ورئيسها رضا شرف الدين.
مما تقدم فان جل المراقبين لم يفاجؤوا من اعلان اللجنة “رمي المنديل”، فقد أعلنت اللجنة الوطنية لإعداد مؤتمر “نداء تونس” الخميس 14 مارس 2019 في بيان حمل توقيع رئيسها النّائب بالبرلمان رضا شرف الدين عن إنهاء مهامها وترك مسؤولية مواصلة اعداد المؤتمر وتنظيمه لقيادة الحزب. وبالتالي تضيع الفرصة مرة أخرى، فرضة انقاذ هذا الحزب الذي “ولد كبيرا” بشهادة الجميع، لكنه انهار بسرعة لافتة. فهل هي نهاية للحزب الذي أعاد التوازن للحياة السياسية والحزبية وصعد أغلبية برلمانية وأوصل زعيمه ومؤسسه لسدة الحكم في قصر قرطاج؟
يجدر التذكير، الى أن  تأسيس حركة “نداء تونس”، من قبل الرئيس الباجي قائد السبسي رفقة مجموعة من الشخصيات الوطنية من “روافد” فكرية وسياسية مختلفة بل متباينة، في 16 جوان 2012 مثل لحظة “فارقة”، في المشهد السياسي والحزبي التونسي ما بعد ثورة 14 جانفي 2011، حيث استطاع هذا الحزب بناء “كتلة تاريخية” صماء تصدت لهيمنة التيار الاسلامي على الحياة السياسية، وبالتالي حماية “النمط المجتمعي” التونسي.
كما استطاعت هذه الحركة وليس الحزب، احداث ديناميكية مجتمعية مكنت من كسب معركة المنافسة على السلطة، وهو ما حصل فعلا من خلال الفوز بالاستحقاقات الانتخابية التي تمت سنة 2014 (سنتين بعد تأسيس الحزب)، الانتخابات التشريعية والرئاسية، بعد ذلك دخل الحزب في أتون أزمة لم يستطع الخروج منها، نجم عنها حصول تصدعات كبيرة في هيكله التنظيمي وفي كتلته النيابية في البرلمان، وبالتالي صدر ازمته لمؤسسات الحكم.، فساهم في ارباك أداء الحكومات التي كان من المفروض أن يكون داعما ومساندا ومدافعا عنها، هذا طبعا لا ينفي مواطن الضعف والخلل الأخرى التي برزت في أداء حكومات ما بعد انتخابات 2014.
يعرف ” الحزب” حالة “تفكك” و “انهيار” لا في بنيانه التنظيمي والهيكلي فقط بل أيضا في هويته السياسية، هذا فضلا عن رواج صورة سلبية حول الحزب، بسبب قرب بعض رموزه القيادية سواء في ما يسمى ب “القيادة الوطنية” أو في الكتلة البرلمانية، من شخصيات موقوفة بشبهة “الفساد” و “التلاعب بأمن البلاد”.
تجدر الاشارة الى أن أزمة الحزب الحاكم، بدأت منذ الفوز في الانتخابات والوصول للحكم، حيث عجزت القيادة التي خلفت رئيسه ومؤسسه، الباجي قائد السبسي، عن المحافظة على وحدة الحزب وتماسكه.
بدأت التصدعات، من خلال استقالة الأمين العام السابق، محسن مرزوق (الذي أخذ معه جزءا من الحزب واسس به حزبا جديدا)، تلتها استقالة مجموعة من القيادات المؤسسة، من أبرزهم المدير التنفيذي السابق للحزب رضا بلحاج، الذي شغل أيضا مدير الديوان الرئاسي، قبل أن يقع التخلي عنه، ثم تجميد القيادي في الحزب ورئيس الحكومة يوسف الشاهد. وقد ساهمت هذه الاستقالات المتواترة في إضعاف الحزب الذي فقد الأغلبية في البرلمان لصالح حزب النهضة، ليتحول في “وضع غريب” الى حزب معارض.
ومثلما كان منتظراً فإن أزمة الحزب الحاكم (نداء تونس)، تجاوزت حدود تأثيرها للبيت الداخلي الحزبي، لترمي بظلالها على المشهد العام في البلاد. وذلك من خلال إرباكها لمؤسسات الحكم، فقد كان لهذه الخلافات تأثير مباشر على أداء واستقرار حكومتي الحبيب الصيد ويوسف الشاهد الذي لا يحضى الآن بدعم وسند من “نداء تونس” بل أن البعض من قيادة الحزب الحالية “يخطط” لإزاحته.
أزمة الحزب أثرت أيضا، بصفة سلبية في مجلس نواب الشعب (البرلمان)، سواء في ما يتعلق بمراقبته للحكومة أو من حيث القيام بدوره التشريعي، من دون أن نغفل عن وقع هذه الأزمة على هيكلة البرلمان، توزيع الكتل والأغلبية البرلمانية.
كما لم يسلم قصر الرئاسة بقرطاج من شظايا نيران أزمة النداء، من ذلك أن الرئيس و”كبار مستشاريه” قد تحولوا إلى طرف في الأزمة، ما أثر سلبا على رمزية واعتبارية الرئيس ومؤسسة الرئاسة. وهو ما دفع الرئيس السبسي إلى “التبرؤ” في أكثر من مناسبة من “شبهة التوريث”، وذلك ردا على “اتهامات” له بأنه يسعي لتوريث نجله، في حزب “نداء تونس” وفي مؤسسات الحكم..
لكن، مع ذلك فان  طيفا واسعا في الحياة السياسية والاعلامية، يحملون الرئيس قايد السبسي مسؤولية ما حصل في الحزب، ويرون أنه هو من أعطى “الضوء الأخضر” لنجله للتصرف في الحزب. ويرون أنه كان على الرئيس المؤسس التدخل لتطويق ازمة الحزب،  هذه الأزمة التي لا نبالغ بالقول أنها جعلت البلاد امام وضع لا هش فقط بل خطير، بسبب غياب التوازن الحزبي والسياسي، وشلل عمل البرلمان والحكومة، في فترة انتقالية يقدر الجميع أنها كانت في حاجة لحزب حاكم قوي، يكون سندا للحكومة وللاستقرار السياسي والاجتماعي.
 
 
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP