الجديد

الرئيس السبسي .. خطاب دون سقف انتظارات كبير !

منذر بالضيافي
يتطلع العديد من التونسيين، وخاصة المهتمين بالشأن العام، للخطاب الذي سيلقيه اليوم 20 مارس 2019، الرئيس الباجي قايد السبسي، بمناسبة الذكرى 63 للاستقلال، وذلك بالنظر الى طبيعة المرحلة التي تمر بها تونس، ويمر بها مسار الانتقال الديمقراطي، الذي انطلق بعد ثورة 2011.
والتي يقر الجميع بأنها مرحلة صعبة، تترجم من خلال انهيار في المؤشرات الاقتصادية، وبداية تحول البلد الى “حريف قار” عند المؤسسات المالية الدولية، وما نجم عنه من “قلق” مجتمعي، يترافق هذا مع بداية تعثر في المسار السياسي، خاصة بعد العجز عن تشكيل المحكمة الدستورية، التي تعد عماد وضمانة للديمقراطية.
يحصل كل ذلك وسط أزمة سياسية تكاد تتحول الى “أزمة حكم”، خصوصا بعد تحول العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية، الى مواجهة مفتوحة و حرب حول الصلاحيات، دون أن ننسى طبعا تواصل مخاطر التهديدات الأمنية والارهابية، وهو ما يجعل الحالة التونسية الحالية توصف بأنها “هشة”، وذلك عشية استحقاق انتخابي هام، نهاية السنة الجارية.
بناء على ما تقدم،  وبالنظر الى الصلاحيات المحدودة للرئيس،  في النظام السياسي الذي أقره دستور 2014 ، أية انتظارات من خطاب رئيس الجمهورية اليوم في ذكر الاستقلال؟
عرفت السنة الأخيرة من العهدة الرئاسية الحالية،  تراجع في دور وتأثير وأيضا مكانة الرئيس، في المشهد السياسي، وذلك بعد أن دخل في نزاع مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي كان هو من رشحه للمنصب، قبل أن يختار الاحتكام للدستور، أي ممارسة صلاحياته كاملة كرئيس للحكومة لا كوزير أول مثلما كان يخطط لذلك الرئيس السبسي، وتدعم موقع الشاهد بفضل المساندة والدعم الكبيرين، من قبل حركة “النهضة” ذات الأغلبية البرلمانية، التي “تمترست” وراء “الاستقرار الحكومي”، ولم تجارى الرئيس فسي مسعاه لإقالة رئيس الحكومة، مثلما وقع مع أول رئيس حكومة في العهد الحالية، الحبيب الصيد.
وهو ما نجم عنه دخول البلاد في مرحلة جديدة، سمتها انتقال ما عرف ب “توافق الشيخين” ( السبسي والغنوشي)، الذي حكم البلاد خلال الثلاث سنوات الأولى من العهدة الانتخابية الحالية، الى “شراكة سياسية” بين “النهضة” و رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وضعية قلصت نفوذ الرئيس، الذي حكم قبل هذا التاريخ بصلاحيات “رئاسوية” خلافا للدستور، ليجد نفسه في وضع شبيه ب “العزلة السياسية” في قصر قرطاج، وهو ما اقر به بنفسه وأيضا صدقته الوقائع على الأرض.
فالرئيس السبسي، وهو السياسي المخضرم، يدرك أكثر من غيره أن السياسة تحكمها “المصالح” و “موازين القوى” بالأساس، وهو ما حصل بالفعل، من خلال عجز الرئيس عن اقالة رئيس الحكومة، بعد رفض “النهضة”، بسبب تراجع وزن كتلة حزبه (نداء تونس) في البرلمان، فضلا عن تفكك حزبه تنظيميا وتراجع حجمه سياسيا (نتائج بلديات ماي 2018)، وتصاعد الاتهامات له ( الرئيس شخصيا) بوجود مسعى لديه نحو ما يسمى ب “التوريث الديمقراطي”، الذي وجد اذان صاغية بعد اختيار الرئيس الانتصار لنجله، والوقوف في صفه في أزمة  “نداء تونس”،  وهو ما ساهم في مزيد اضعاف الرئيس، و المس من صورته “الاعتبارية” و”الرمزية” لدى قطاع واسع من عموم التونسيين.
يبرز من خلال ما تقدم،  أن هامش المناورة ضاق كثيرا لدى الرئيس الباجي قايد السبسي، وبالتالي فان قدرته على “المبادرة” أصبحت أو تكاد محدودة جدا، ما يجعل من خطاب اليوم دون سقف انتظارات عالية، مثلما يذهب الى ذلك جل المتابعين للحياة السياسية التونسية، ولعل نتائج عمليات سبر الآراء الأخيرة تؤكد ذلك.
فبرغم كل المؤاخذات عليها، فإنها غير مجانبة للصواب في الاشارة الى تراجع شعبية الرئيس الباجي قايد السبسي، ما يجعله يفكر جيدا قبل الترشح لعهد لرئاسية ثانية، تبدو كل حظوظه فيها ضعيفة، وأستبعد أن يجازف  – وهو العارف بخبايا الأمور –   بالترشح دون وجود “ضمانات” للفوز، وهو ما لا يتوفر قبل ثمانية أشهر من الاستحقاق الرئاسي المقبل، هذا فضلا عن التأثير الكبير للحراك الجزائري، الرافض لترشح بوتفليقة لعهدة خامسة وجديدة، على المشهد السياسي في تونس، والذي أقدر أن الرئيس قايد السبسي يتابعه بكل اهتمام.
يبقى خطاب الرئيس، وهو المخول له الدستور مخاطبة الشعب، مهم في الاشارة الى طبيعة المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد، والتي تفترض الذهاب نحو مشروع وطني للإنقاذ شبيه بمشروع “مارشال”، يوقف حالة “الانهيار” التي تعيشها عديد المجالات والقطاعات، ويعيد الأمل للتونسيين في استعادة وطنهم، وبالتالي التشديد على معاني “الوحدة الوطنية”، خاصة في ذكرى خالدة وعزيزة على كل التونسيين، ذكرى الاستقلال المجيد.
 
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP