الجديد

العنف السياسي وعودة مظاهر الدولة التسلطية يهددان تجربة الانتقال الديمقراطي ( منوبة ونسمة انموذجا)

منذر بالضيافي
العنف السياسي، يطل براسه وقد تعددت مظاهره خلال الفترة الاخيرة ، بشكل يبعث على الريبة، خصوصا والبلاد تستعد للذهاب نحو استحقاق انتخابي مهم، في مسار تجربة الانتقال الديمقراطي، التي انطلقت منذ تسعة سنوات، ومع ذلك ما تزال هشة، وهو ما يجمع عليه كل الدارسين.
ولعل اخر مظاهر العنف، واكثرها ادانة، تلك التي كانت كلية الآداب بمنوبة مسرحا لها امس الجمعة، من خلال اعتداء بربري وهمجي، تعرض له القياديين في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي وعلي لعريض.
الصور والفيديوهات، التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت صادمة ومخيفة، صادمة لأنها تصدر عن طلبة وفي رحاب منارة علمية، المفروض ان تكون ساحة لنشر ثقافة التسامح والتعايش بين التيارات المختلفة، ومخيفة لأنها قد تكون مقدمة لإحياء ولعودة العنف الجسدي ( الذي هو ربما ثوري في تصور شباب يعيش مراهقة سياسية وايديولوجية) في الجامعة وفي البلاد.
تستحق التجربة التونسية – التي توصف لحد الان بالاستثنائية – ان نرفق بيها ونتعهدها بالحماية من كل الانحرافات، التي بدأت تبرز سواء من خلال نزوع نحو التسلط والسلطوية لدى الحكومة – مثال ما حصل مع قناة نسمة – من خلال توظيف لأجهزة الدولة في الصراع السياسي .
هذا ينضاف اليه، عودة خطاب فاشي يحرض على الاقصاء ، ويمثل مقدمة تدعو وتبرر لشيوع العنف، الذي يمثل اكبر خطر يهدد المسار ، الذي اصبح مهددا اكثر من اي وقت مضى من الخارج، في محيط اقليمي مضطرب وعربي ودولي معاد للديمقراطية.
بالعودة الى “غزوة نسمة” نشير الى أن جل ردود الأفعال في الداخل والخارج اعتبرت  أن قرار غلق “نسمة” جاء بقرار سياسي، لأنها قناة أصبحت تزعج بخطها التحريري لا الحكومة فقط بل منظومة الحكم برمتها، عشية استحقاق انتخابي هام . وأن تعلة “تطبيق القانون” و “الهايكا” هي مجرد “فتوى” يصح فيها المثل القائل: “كلمة حق أريد بها باطل”.
ما حصل مع نسمة هو اتمام لخطة بدأت منذ أشهر تروم اعادة الاعلام لبيت الطاعة، لذلك على الاعلاميين والسياسيين أن يعوا جيدا ما دبر للعودة لمربع الهيمنة على الحياة السياسية وبالتالي اعلان “موت السياسة” مثلما كان قبل 14 جلنفي 2011.
نعم، هناك تخوف جدي من السعى المحموم لوضع اليد عن الاعلام، وان بدأ الأمر بالإعلام العمومي والمصادر، وهنا توجه اتهامات صريحة للحكومة بأنها “نجحت” في وضع يدي الكثير من وسائل الاعلام، وهي اتهامات لها في الحقيقة ما يبررها وليست مجرد “رجم بالغيب”.
ولعل ما ينشر ويبث من مضامين اعلامية في غالبية وسائل الاعلام يؤكد مثل هذه “الاتهامات” ولا ينفيها، وهذا الوضع لا ينسحب على الاعلام العمومي والمصادر فقط، بل يتجاوزه الى بعض وسائل الاعلام الخاصة، التي أصبحت تعبر عن راي “صاحب القصبة”، حتى أنها سقطت في أحيان كثيرة في خطاب “بروباغندا” كنا نتخيل أننا قد دفناه دون رجعة.
أخيرا، لابد أن نشير الى أن مساندة نسمة هو مساندة للإعلام أساسا وليست لشخص أو لتوجه سياسي، ان ضرب الاعلام تحت اي عنوان -مثلما حصل مع نسمة – هو ضرب لمسار الانتقال الديمقراطي . والكثير من القرائن والشواهد يشير الى أن هناك من يخطط للذهاب نحو انتخابات بلا اعلام حر،  وهو بيت القصيد من وراء “غزوة نسمة”.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP