الجديد

حول حرية الصحافة: حرية تُكبلها الأجور الصعيفة والطرد التعسفي والخط التحريري

درصاف اللموشي
شغف لا ينتهي يتبعه عناية فائقة بكثير من الحب والاتقان وكثير من الصمت والتعب في قيظ الصيف وبرد الشتاء، هي رعاية الصحفي الشاب لمقاله أو فقرته التلفزية أو الاذاعية أو في الساحات والاعتصامات، كتلك الأم التي ترعى أطفالها دون كلل ولا شكوى ولا انتظار لمجد.
مهنة المتاعب احتفلت بعيدها  العالمي لحرية الصحافة ( 3 ماي الفارط) في بلد حققت فيه قفزة نوعية حيت تقدمت بــ25 مركزا لتحتل المركز الـ 72 من ضمن 180 بلدًا في العالم والثاني عربيا خلف جزر القمر في مؤشر حرية الصحافة عام 2019 حسب التصنيف السنوي لمنظمة مراسلون بلا حدود.
حرية وان كانت تظهر جلية بعد سنة 2011 ، ويشع الفارق قبل الثورة وبعدها الا أن أغلب الصحفيين لا سيما فئة الشباب لم تجن ثمارها بعد كتلك المرأة الفلاحة التي تتعب في حقول مشغّلها مقابل أجر زهيد.
وتعد أجور الصحفيين في تونس من بين الأضعف في العالم رغم وجود صحفيين في نفس البلد يتمتعون بأجور ضخمة معظمهم ليسوا من الشباب.
وفي أحيان كثيرة لا يتمتع الصحفي الشاب بالتغطية الاجتماعية والمنح وقد يتسلّم مرتبه في ظرف دون تنزيله  في حساب بنكي أو بريدي أو حتى عقد عمل وهو ما يعتبر شكلا من أشكال التشغيل الهش، ولا يسمح في هذه الحالة بتطوير الصحفي معرفيا ليكتفي بمحاولة تطوير حالته الاجتماعية أمام هاجس مرض قد يداهم الصحفي الشاب دون استئذان ويطلب منه زيارة المستشفيات وشراء رزمة من الأدوية، أو هاجس غلاء الأسعار وتزايد لمصاريف المتلاحقة من كراء وتنقل دون اعتبار المصاريف التي يحتاجها من لديه أطفال.
تكاثر وسائل الاعلام بعد ثورة بين المكتوب والمرئي والمسموع لا يعني أن البطالة في صفوف خريجي معهد الصحافة وعلوم الاخبار قد تقلّصت ويعود ذلك أساسا الى بحث وسائل الاعلام في أغلبها على الاثارة و”البوز” و”الشو” ليجد الصحفي نفسه أمام موجة تُغرق معها التحقيقات و الريبورتاجات السياسية والاجتماعية الجادة، ولا تسمح بتواجدها المنتظم.
زرع التشويق وتناول الحياة الخاصة للضيوف واللهث وراء السبق ولّد تنافسا وزخما اعلاميا هزيلا الى حد تحولت فيه بوصلة حرية الاعلام الى نوع من التسيب.
صحيح أن صاحبة الجلالة ليست حكرا على خريجي معهد الصحافة فأصحاب الشهادات العليا في اختصاصات أخرى أثبت البعض منهم كفاءتهم وتألقوا وأنتجوا أعمالا محترمة، لكن البعض الآخر زاده في عالم الاعلام ليس سعة المعرفة والاجتهاد بل مقاييس تتشارك في الجمال والوسامة والواسطة لا أكثر، حيث غزت الواسطة عددا كبيرا من وسائل الاعلام وتجاوزت خلق فرصة العمل لتصل الى الواسطة في المنح والترقية والدورات التكوينية والرحلات.
الواسطة لا تمثل ضغطا وحيدا على الصحفيين فالخط التحريري للمؤسسة يفرض قناعات وسياسات وتوجهات تحريرية وُجب اتباعها للحفاظ على مورد الرزق.
عديدة هي وسائل الاعلام التي أغلقت أبوابها سريعا ولم تصمد خاصة في مجال الصحافة المكتوبة وأحالت صحفيين الى البطالة .
وسائل الاعلام المرئية جانب منها يجدّد طاقمه الصحفي في كل مرّة بتعلّة انهيار قطاع الاشهار العمومي الذي تحتاجه جميع وسائل الاعلام دون استثناء لانتعاشتها المالية ، وهي طريقة من طرق الطرد التعسّفي.
تعتبر وسائل الاعلام الالكترونية الأكثر تناميا في السنوات الأخيرة في تونس من حيث الكم، وهو ايقاع جديد عزفته الحياة السريعة للمتقبل مما شجع العديد من الصحفيين الشبان على بعث صحف الكترونية مصادر تمويل أغلبها عبر الاقتراض نجح البعض وفشل أخرون وغلقت مؤسسات كثيرة.
 
 
 
 
 
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP