الجديد

حركة "النهضة": "من الجماعة الى الحكم"، تونس ما بعد الثورة .. عودة الاسلام السياسي / 1 من 30/

منذر بالضيافي
أحيا الربيع العربي، الذي انطلق من تونس في جانفي 2011، الأمل بإعادة صياغة المشهد السياسي الراكد والخارطة الحزبية الصورية أو الديكورية، لا في الدول التي شهدت ثورات فقط، بل حتى التي لم تنجز فيها أو هي في طور الانجاز.
كما أعاد بقوة إثارة سؤال الهوية من جديد، والمتمثل بالأساس في البحث حول: “مكانة الدين في المجتمع العربي”؟. ونعنى هنا –وفي المقام الأول- كيفية التعاطي مع ظاهرة “الإسلام السياسي”، مع موقع الحركات السياسية التي تستند لمرجعية/إيديولوجية دينية في الحقل السياسي.
خاصة بعد وصولها للحكم، مستفيدة من التحولات التي حصلت في بلدان الثورات العربية، وكانت البداية من تونس التي منها انطلق الحراك الاحتجاجي العربي في جانفي 2011،  الذي تحول الى ثورة أسقطت نظام زين العابدين بن علي، حيث عاد تيار الاسلام السياسي، ممثلا في حركة “النهضة”، عاد لتصدر المشهد السياسي، بعد أكثر من عشريتين من الغياب، بل الأصح من محاولة اجتثاث فاشلة، ليؤكد أن الحركات السياسية والاجتماعية، من الصعب القضاء عليها بمقاربة أمنية.
اخترنا بمناسبة شهر رمضان، ومع استمرار الجدل حول دور ومكانة “النهضة” الاسلامية، في مسار الانتقال الديمقراطي، نشر سلسلة مقالات من 30 حلقة، سوف تهتم بتتبع نشأة وتطور اسلاميي تونس: من النشأة (الجماعة) في بداية سبعينات القرن الماضي، الى ما بعد ثورة 14 جانفي 2011، ووصول الحركة لسدة الحكم في تونس.
كما سنحاول الاجابة على ثلاثة أسئلة مهمة: الأول: هل قطعت “الاسلامية التونسية” مع جذورها “الاخوانية” ؟ والثاني: ما هو مصير التحولات أو المراجعات المعلن عنها بمناسبة المؤتمر العاشر في ماي 2016 ؟ والسؤال الثالث: أي تقييم لتجربة ادماج الاسلاميين في السياسة وفي الحكم وما هو مصير هذه التجربة عشية تنظيم استحقاق انتخابي سيكون مهما وحاسما ؟
تونس بعد الثورة .. عودة الاسلام السياسي
تجدر الإشارة إلى أن – دون مبالغة – البحث والدراسة حول الحركة الاسلامية في تونس قد “قتل بحثا ودرسا” خلال السنوات الأخيرة. لكنه عاد ليحتل موقعا بارزا في مسار الانتقال الديمقراطي الذي تعيشه بلدان الثورات العربية، أساسا تونس.
كما أنه، وعلى الصعيد المعرفي/ الابستيمي، نرى أن هذه الظاهرة –العلاقة بين الديني والمجتمعي-  أصبحت  تمثل أحد أبرز مشاغل الباحثين في حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية وأيضا العلوم السياسية. وهذا ما سنحاول الاشارة إليه في سلسلة هذه المقالات الرمضانية، والتي سبق أن تطرقنا اليها في كتابي “الاسلاميون والحكم .. تجربة حركة النهضة” (مارس 2014)، و “النهضة والهروب من المعبد الاخواني” (أفريل 2016)، فضلا عن مجموعة كبيرة من المقالات صدرت بين 2011 و 2018 ونشرت في مجلات محكمة وفي كتب جماعية.
تزامنت ثورة 14 جانفي/يناير 2011في تونس، مع العودة القوية لتيار الإسلام السياسي. ليحتل مساحة واسعة في الفضاء العام، وفي المشهد السياسي. والذي ترجم بشكل واضح من خلال تصدره لنتائج أول استحقاق انتخابي بعد الثورة، انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي تمت في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، وتحصله على المركز الثاني في انتخابات 2014 التشريعية برغم تجربة حكم أقل ما يقال فيها أنها غير موفقة، كما عاد في ماي 2018 للفوز بالانتخابات البلدية، وتعطيه كل مراكز سبر الآراء المركز الأول في الاستحقاق الانتخابي المبرمج لنهاية السنة الجارية . وهذا ما فند الأطروحة التي سادت منذ بداية تسعينات القرن الماضي، والتي تقول بنهاية الإسلام السياسي. و التي من أبرز روادها عالم الاجتماع الفرنسي أولفي روي، في كتابه الشهير “فشل الإسلام السياسي”.
هذا الباحث الذي رأي في أحداثيات الثورة التونسية بأنها “ما بعد إسلامية”، في إشارة قاطعة إلى عدم تسجيل حضور أو أثر مهم وملحوظ لقواعد وقيادات التيار الإسلامي –تحديدا حركة النهضة-  في مختلف وقائع وتفاعلات الحركة الاحتجاجية، التي انطلقت في 17 ديسمبر من مدينة سيدي بوزيد، لتحسم في أقل من شهر مصير أحد أبرز الأنظمة العربية  التسلطية، وتفرض على الرئيس زين العابدين بن علي الهروب، وعلى نظامه الانهيار.
حركة احتجاجية تطورت إلى انتفاضة، لكنها سرعان ما تحولت إلى ثورة. ومع أنها أخذت بعدا تصاعديا في الميدان، فان شعاراتها طغي عليها البعد الاجتماعي أولا، كما أنها  – على خلاف سابقاتها، الحركة الوطنية مثلا – خلت من كل ما من شأنه أن يحيل على أية مرجعية إيديولوجية  وخاصة دينية/اسلاموية، واقتصرت بالأساس على المطالبة بالعدالة الاجتماعية وبتنمية الجهات المهمشة وبالحق في الشغل والكرامة، ولم يكن المطلب السياسي – ونقصد هنا المطلب الديمقراطي –  في المقدمة.
لكن، وعلى خلاف مما كان متوقعا، فان أحداث ما بعد الثورة، كشفت عن حضور قوي للإسلاميين. ترجم بصفة واضحة خاصة خلال الانتخابات التي انتظمت عشرة أشهر بعد 14 جانفي/يناير 2011 –تاريخ الثورة وهروب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي -. وهو الاستحقاق الشعبي الذي  أتي بالإسلاميين إلى سدة الحكم في تونس، بعد خضوعهم لعملية اجتثاث ممنهجة خلال العشريتين الأخيرتين من حكم بن علي.
برغم أنهم لم يتزعموها، وكانت مشاركتهم فيها محدودة وغير معلومة إلا بشكل فردي. بل لا نبالغ كثيرا، بالقول بأن حركة النهضة (التيار الإسلامي المؤثر والأكثر حضورا في تونس) فاجأته الثورة، مثلما هو شأن كل التيارات والأحزاب السياسية الأخرى، أيا كانت خلفيتها الإيديولوجية. ومع ذلك فقد “استفادت” الحركة الإسلامية –ممثلة في حزب النهضة- أكثر من غيرها بما جعلها تتقدم – وعبر انتخابات حرة وديمقراطية – إلى إدارة المرحلة الانتقالية لما بعد الثورة، لتستمر في الحكم منذ 2011 الى يوم الناس هذا (تاريخ صدور المقال، 6 ماي 2019).
وضع جديد، كان له وقع وتأثير تجاوز صداه الفضاء القطري/التونسي والإقليمي إلى المستوي العربي. برزت ملامحه عبر  ميلاد إستراتيجية جيو-سياسية دولية –أمريكية أولا وأوروبية/غربية بمستوي أقل- جديدة في التعاطي مع ما يعرف بالحركات الإسلامية المعتدلة. بعد سنوات من الرفض والتشويه للإسلام وللحركات الناطقة باسمه، على خلفية أحداث 11 سبتمبر2001. وقد بدأت ملامح تعديل الموقف من الظاهرة الدينية في التشكل في الغرب، من خلال مواقف بدت “متفهمة” لصعود أنظمة عربية يحكمها التيار الإسلامي المعتدل.
لم يبقي موقف الغرب في حدود ما هو سياسي ظرفي – مبني وخاضع للمواقف و ردود الأفعال -. بل تجاوز ذلك إلى البعد الاستراتيجي، والتصريح “بأنه لا يوجد تناقض جوهري بين الإسلام والديمقراطية”، وان “الإسلاميين ليسوا جميعهم سواسية”، في إشارة إلى وجود تيبولوجيا/تصنيف أمريكي/غربي للحركات الإسلامية، بما يعني تعبيرهم عن القبول بفصيل منهم طرفا في الحياة السياسية وحتى قائدا لها – وهذا ما تم لاحقا في مصر التي فشلت فيها التجربة لكنها بقة صامدة في تونس-.
كما سنتابع ونرصد، بداية تغير الموقف الأمريكي والغربي عموما من تيار الاسلام السياسي، ممثلا في تنظيمه الأبرز والأكثر حضورا ونعني تحديدا حركة “الاخوان المسلمين”، وسط تنامي وتصاعد الجدل في المطبخ السياسي الأمريكي الرسمي، مع دولاند ترامب، حول وجود اتجاه نحو تصنيف “الاخوان المسلمين” كتنظيم ارهابي، جدل ما زال لم يحسم بعد، وسيكون محور مقال في هذه السلسلة من المقالات.
يتبع …

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP