الجديد

حركة “النهضة”:  “من الجماعة الى الحكم”، من "الأخونة" إلى "التونسة"  / 7من 30/

منذر بالضيافي

ينفي قادة الحركة الإسلامية في تونس، بشدّة الرّبط “الآلي” و”التنظيمي” بين حركتهم وجماعة “الإخوان” في مصر. وهو ما حاول  راشد الغنوشي مرشد ومنظر الحركة توضيحه، في كتابه “من تجربة الحركة الإسلامية في تونس”، وذلك ضمن باب “العناصر الفكرية المكوّنة للحركة الإسلامية بتونس”.
حيث أشار إلى وجود عناصر مشتركة في البنية الفكرية لكلّ الحركات الإسلامية، انطلاقا من كونها تتّجه “نحو هدف واحد هو الإحياء الإسلامي والمجتمع الإسلامي والحكم الإسلامي”، ويمضي للتّأكيد على أنّ الظاهرة الإسلامية في تونس “معقّدة” وليست بالبساطة التي يتصوّرها البعض من المهتمّين والدّارسين.
وبالنّسبة إلى الغنوشي، فإنّ “الإسلامية التّونسية”، هي “ثمرة تمازج وتفاعل لعناصر ثلاثة أثمر تفاعلها واشتراكها تكوين الظاهرة بدرجات وأنصبة متفاوتة، ولم يكن تفاعلها يسيرا، ولا تأثير كل منها مساويا دائما لتأثير الأخر، بل كان مركز الثقل متنقّلا بينها من مرحلة إلى أخرى، وكان الصّراع أو التخفي بينها قائما دائما بوعي أو من غير وعي”.
يحصر راشد الغنوشي، الرّوافد الأساسية لمرجعية “الإسلامية التّونسية” في ثلاثة عناصر أساسية، وهي:
العنصر الأوّل: يتمثّل في التّديّن التّقليدي التّونسي، ويتكوّن من التقليد المذهبي المالكي، والعقائد الأشعرية، والترّبية الصّوفية،  كما صاغها ابن عاشر في عقد الأشعري وفي فقه مالك وفي طريقة جنيد السّالك .
العنصر الثاني:  يتمثّل في التديّن السّلفي الإخواني، الوارد من المشرق والذي يتكوّن بدوره من المنهجية السّلفية أو الأصولية، أي العودة إلى الكتاب والسّنة المطهرة، أو الرّجوع إلى سلطة النّص الدّيني، بالإضافة إلى الفكر السياسي والاجتماعي الإخواني، القائم على شمولية الإسلام ومبدأ حاكميّة الله وتكفير الأنظمة القائمة،  ثمّ منهج تربوي ومنهج فكري يميّز كلّ الأمور بحسب العقيدة وينتهي إلى تصنيف الناس إلى كفّار ومؤمنين حتى في الصَراع السياسي .
العنصر الثالث:  يتمثّل في التّديّن العقلاني، ويتألف من التراث العقلاني الإسلامي، وذلك من خلال ردّ الاعتبار إلى المنهج الاعتزالي والمعارضة السّياسية، في التّاريخ الإسلامي كالخوارج والشيعة والزّنج والتيارات المناوئة للسّلفية وأهل السّنة عموما.
كما أنّه رافد يركّز على النّقد الجذري للإخوان المسلمين، وإعادة الاعتبار إلى المدرسة الإصلاحية التي مثلّها محمد عبدة و الكواكبي والأفغاني والطهطاوي وقاسم أمين. “مع إعادة الاعتبار إلى المدرسة الإصلاحية التّونسية ( خير الدّين التّونسي والطاهر حدّاد…) ولمنجزاتها في امتدادها الحديث، من خلال ما أنجزته البورقيبية، مثل تحرير المرأة والعقلانية في التّعليم”.
ويشير الغنوشي، بأسلوب نقدي إلى أن “الإخوان”، ومن خلال أكثر كتاباهم قد عمدوا إلى الحط من شأن المدرسة الإصلاحية «باعتبارها منهجا حرّف الإسلام وأوّله، بما يناسب المدنية المعاصرة، مثل محمد عبده والكواكبي والأفغاني والطهطاوي وقاسم أمين”().
وهنا، نشير إلى أن الحركة الإسلامية في تونس، حصل بداخلها، ومنذ سنوات البدايات “موقف نقدي” لأدبيات الإخوان. لكنّه بقى مسكوتا عنه، وفي دائرة “ضيّقة” ممّا سيُعرف لاحقا بتيار “الإسلاميين التّقدميين” الذين خرجوا من الحركة، نهاية السّبعينات وقاموا ببعث مجلة فكرية، باسم “15/21″، من أبرز رموز هذا التيار احميدة النيفر وصلاح الدّين الجورشي ومحمد القوماني..ليقتصر مجال نشاطهم على الجانب الفكري فقط، مع النشاط ضمن جمعيات “المجتمع المدني” في المجال الثقافي والحقوقي.
 في المقابل ،لم تبرز القراءة النّقدية لرموز الجماعة ومنهم الغنوشي للمدونة الإخوانية، إلا بعد الانفتاح على الحقل السّياسي، والاهتمام بالشأن العام، بداية من نهاية السبعينات، تزامنا مع “انتفاضة العمال في تونس سنة 1978″، وقيام الثورة الإسلامية في إيران، أحداث مثلت “صدمة” للإسلاميين، وأخرجتهم من تقوقعهم وعزلتهم داخل المساجد، إلى رحاب أفق أوسع من خلال بداية الاهتمام بالمسألة الاجتماعية. وهو ما سهّل عليهم التخلّص من سطوة الإرث الإخواني، القائم على “العقيدة” التي تُقسَم النّاس على أساس الدّين (بين مؤمن وكافر)، إلى تبني التّقسيم الذي يفرزه الواقع والصّراع الاجتماعي، وفق الفهم اليساري الماركسي.
سيتدعم اكتشاف “المسألة الاجتماعية”، رافد “التّدين العقلاني”، وتمثل ذلك بالخصوص من خلال الترّكيز على عناصر أساسية، حصرها راشد الغنوشي كالتّالي:

  • “اعتماد الفهم المقاصدي للإسلام بدل الفهم النّصيّ، فالنّصوص ينبغي أن تفهم وتؤوّل في ضوء المقاصد (العدل، التوحيد، الحرّية، الإنسانية…)، ونصوص الحديث يحكم صحتها أو ضعفها، لا حسب منهج المحدثين في تحقيق الرّوايات، وإنّما حسب موافقتها أو مخالفتها للمقاصد”. وهنا استفادت “الحركة” من بيئتها التّونسية الأصيلة، التي عرفت شيوع “الفكر المقاصدي” قبل غيرها، من ذلك أنّها أوّل من نشرت كتابات وأعمال “الشاطبي”، كما يعد العلاّمة التّونسي، الشيخ الطاهر بن عاشور، من أبرز رواد الفكر المقاصدي في العالم الإسلامي.
  • “إعادة الاعتبار إلى الغرب والتيّار اليساري فيه بالذّات، فخلافا للفكر السلفي الإخواني الذي لا يرى في الغرب إلا مدنية مادية منحلّة متداعية إلى السّقوط، لا مجال للاستفادة منها إلاّ في جوانبها العلمية التقنية البحتة، نادى تيّار العقلانية بالاستفادة من الغرب –أيضا- في تنظيماته وثقافته وعلومه الإنسانية”. وهنا ينهل الغنوشي، من معين التراث الإصلاحي التّونسي، ممثّلا بالخصوص في خير الدّين باشا، الذي دعا في كتابه الشهير “أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك”، إلى “ضرورة الاقتباس من الغرب” لتحقيق نهضة الأمة.
  • رفض اعتماد الإخوان المقياس العقيدي في تقسيم النّاس إلى مؤمن وكافر، ويري الغنّوشي أنّ هذا “يعتبر تهميشا للصّراع الحقيقي، إذ التّقسيم الحقيقي ينبغي أن يكون على أسس سياسية واجتماعية: وطني وخائن، ثوري ورجعي، فلاح وإقطاعي، إذ يمكن أن يكون مسلما عميلا وماركسيا وطنيا”.

يتبع …
 
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP