الجديد

إيران في مواجهة ترامب .. كل السيناريوهات ممكنة

عماد بن عبدالله السديري
رغم أن الاقتصاد الإيراني قد مرّ بأزمة كبرى خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أنه قد بدأ هذه الأيام يعيش أزمة أعظم سمتها الأهم ركودا أشمل وأعمق وأكثر إيلاما وفتكا بفئات واسعة في المجتمع، وذلك بعد أن أعلنت إدارة ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا أنها لن تسمح لإيران بتصدير نفطها إلى دول العالم، وما يعنيه هذا القرار من خنق ممنهج للحكومة الإيرانية التي تعتمد 35% من ميزانيتها السنوية على عائدات النفط.
ومن المؤكد أن هذا التصعيد الأمريكي غير المسبوق في التعامل مع إيران قد ضرب البلاد في عمقها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إذ سيحرم الدولة من تحقيق أي مكاسب تنموية في المرحلة القادمة. بل إن ما يمكن تسميته بسياسة الاحتواء المؤلم والممنهج التي انطلقت الإدارة الأمريكية الجديدة في تطبيقها من المتوقّع أن تهزّ النظام الإيراني وتزيد في حجم الضغوطات الممارسة عليه، بشكل قد يدفعه إلى الدخول في مواجهات مفتوحة وشاملة مع حكومة العم سام وحلفائها في المنطقة والعالم.
ولفهم حجم الأزمة الوجودية الحادة التي تعصف بالنظام الحاكم في إيران هذه الأيام من الأهمية بمكان الاطلاع على بعض البيانات التي تخص الوضع التنموي في البلاد. فبحسب بعض بيوت الخبرة الدولية المتخصصة في رصد بعض المؤشرات الاقتصادية الأساسيّة، فإن نسبة نموّ الناتج المحلي الإجمالي (PIB) في إيران ستكون سلبية خلال الربع الثاني والثالث والرابع من هذا العام، إذ ستهوي هذه النسبة السلبية إلى حدود 6.8-% مع نهاية العام 2019.
كما تكشف ذات البيانات أن هذا الانكماش الاقتصادي المؤلم قد تسبّب عمليا في ارتفاع مخيف في نسبة التضخّم التي بلغت في هذا الشهر ماي 2019 أكثر من 51%. كما أن انفجار نسبة التضخم قد أدى تباعا إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد الأساسيّة وتراجع خطير في المقدرة الشرائية للمواطن الإيراني الذي يمثّل الضحية الأكبر لما تخوضه البلاد من صراعات إقليمية ودولية.
كما توثّق بعض المراكز البحثية الدولية المتخصصة أن نسبة الفائدة من المتوقّع أن تصل إلى 20% مع نهاية هذا العام، وهي نسبة مرتفعة جدا من منظور دولي، وستكون لها حتما تداعيات كثيرة على القطاع البنكي والمصرفي وقدرة المواطن الإيراني والمؤسسات الإيرانية على الحصول على تمويلات مالية، إذ يقترن ارتفاع نسبة الفائدة بشكل مشط بمشاكل أخرى في غاية الخطورة من منظور سياسي وتنموي، مثل تردد البنوك أكثر فأكثر في منح القروض، وازدياد نسبة المقترضين العاجزين عن سداد ديونهم وانكماش الاستثمارات الداخلية وبعث المشاريع الجديدة وتراجع حجم سوق العمل في القطاع الخاص.
إلا أن المتعمّق في تحليل بعض البيانات يكتشف كذلك أن إيران تتعامل بذكاء شديد مع التحديات التي تواجهها. ومن بين السياسات التي تعتمدها الدولة لامتصاص الضغوطات الاجتماعية المتزايدة والحفاظ على التوازنات المالية تبرز سياسات التوظيف المكثّف وتوفير خدمات الإغاثة الموسّعة وتقليص حجم الواردات الأجنبية إلى أدنى المستويات والضغط على نفقات الدولة، حيث لم تتجاوز نسبة البطالة 12% في شهر ماي 2019، وهي تقريبا ذات النسبة التي تم تسجيلها في السنوات القليلة الماضية.
في الواقع، يكشف تحليل هذه المعطيات والبيانات عن حرب سياسية واقتصادية وإستراتيجية كبرى تخوضها كل من الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الإيراني. وهنا وجب التوضيح أن الولايات المتحدة تفضّل إسقاط النظام الإيراني بأقل التكاليف وذلك من خلال خنقه ومحاصرته وإضعافه داخليا وخارجيا، فمنع إيران من تصدير نفطها وتحجيم اقتصادها وضرب أحد أهم مرتكزاته سيتسبب بمرور الوقت في أزمة اجتماعية شاملة وتململ شعبي متصاعد قد ينتهيان بالإطاحة بالنظام الإيراني من الداخل.
في المقابل، تدرك إيران جيدا ما تخطط إليه الولايات المتحدة الأمريكية وما تسعى إلى تحقيقه من خلال هذه الإستراتيجيات المختلفة التي تتبعها. ولمواجهة هذا التكتيك الأمريكي الذي تسنده بعض النظريات الاجتماعية والاقتصادية، تطبّق الحكومة الإيرانية جملة من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى العسكرية المضادة.
وتقوم هذه المنهجية فيما يخص الشأن الداخلي على الاستمرار في استيعاب الأعداد المتزايدة من طالبي الشغل والحرص على استقرار نسبة البطالة وتوفير الإغاثة لكل من يستحقها في جميع مناطق البلاد وذلك لمنع أي تحركات شعبية قد تتطور إلى حراك وطني يستهدف النظام القائم.
كما يبدو أن إيران قد بدأت بالفعل تلوّح بتوظيف ثقلها الجغرافي والإقليمي لحماية استقرار نظامها السياسي وضمان استمراريته. فالتقارير تؤكد أن إيران قد أعدت بعض الخطط والسيناريوهات للرد على أي استفزازات أو تطورات مباغتة في منطقة الخليج العربي..
أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فيبدو جليا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن يتردد كثيرا في استخدام شتى الوسائل والموارد المتاحة لإضعاف النظام الإيراني وإزاحته من الحكم، وهو كما يتراءى للجميع يمثل الهدف الحقيقي لهذه المواجهات المتصاعدة في المنطقة. كما أن إمكانية فشل الضغوطات الحالية في إضعاف النظام القائم في طهران ودفع الشعب الإيراني إلى التمرد وإزاحته قد تدفع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة والعالم إلى المضي قدما في هذه المواجهة وتبنّي الإستراتجية العسكرية. وهنا وجب الانتباه إلى الحقائق الآتية:
1- رغم الترسانة العسكرية الكبيرة التي تمتلكها إيران، إلا أن ما تمتلكه الولايات المتحدة الأمريكية من أسلحة متقدمة ومتطورة يؤهلها لسحق الجيش الإيراني وتمزيق أوصاله في ظرف أسابيع لا غير.
2- تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تهزم الجيش الإيراني، لكنها لن تضمن إزاحة النظام القائم من الحكم باليسر الذي قد يتوقعه البعض، إذ لنظام الحكم في إيران قاعدة عقائدية وعرقية صلبة ومتماسكة.
3- يُتوقّع أن تستخدم إيران كامل قوتها العسكرية في حال اندلعت مواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وسيؤدي ذلك إلى نشوب حرب مدمّرة وطاحنة ستُستخدم فيها قطعا أكثر الأسلحة تقدما وتعقيدا.
4- لن تنحصر الحرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران فقط، بل ستجد دول كثيرة في المنطقة نفسها مجبرة على التورط في هذه الحرب، وبخاصة حلف الناتو، وهو أمر سيؤدي إلى توسع ساحة الحرب والمواجهات العسكرية والدبلوماسية.
5- في حال نجحت الولايات المتحدة في إزاحة النظام الإيراني من الحكم بالقوة، كما فعلت مع النظام العراقي، فإنها لن تنجح في تنصيب نظام بديل مستقر في إيران. بل قد تعمّ الفوضى بلاد فارس لتتحول إلى ساحة للصراعات العرقية والعقائدية، خاصة إذا تمت تغذيتها بشكل ممنهج من الخارج.
6- ستكون تكلفة الحرب باهظة جدا، إذ سترتفع أسعار البترول بشكل جنوني، وسيتعطّل إنتاجه لأسابيع وشهور، وهو ما قد يجعل الجانب الأمريكي يراجع حساباته قبل المضي قدما في هذا النهج.
وبناءً على ما تم بيانه، ما يمكن التأكيد عليه أن الولايات المتحدة الأمريكية قد اتخذت قرارا بخنق النظام الإيراني من أجل إسقاطه. لكن، قرار الحاجة إلى الانتقال من مرحلة الخنق إلى قطع الرأس باستخدام القوة العسكرية يظل خيارا صعبا ومكلفا جدا، إقليميا ودوليا. أما الجانب الإيراني، فمن المؤكد أنه سيسعى إلى تعزيز جبهته الداخلية للرد على مخططات خنقه من أجل إزاحته. وفي حال تم اتخاذ قرار بالمواجهة العسكرية المباشرة، فإن أول ما سيسعى إليه سيتمحور حول خلق أزمة اقتصادية عالمية تتمحور بالأساس حول رفع أسعار النفط إلى مستويات قياسية وتعطيل إنتاجه ونقله إلى أطول أمد ممكن، مما سيدفع دول العالم بأسره إلى المطالبة بوقف المواجهات. وهنا من المهم أن نفهم كذلك أن النظر إلى هذه المواجهات وما تمثله يختلف باختلاف الطرفين المتصارعين. فإن كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد أن المواجهة مع إيران تهدف بالأساس إلى احتوائها وإضعاف نفوذها، فإنها تمثل بالنسب للنظام الإيراني وجزء كبير من الرأي العام الإيراني معركة حضارية من أجل البقاء بالأساس.
عماد بن عبدالله السديري

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP