الجديد

“النهضة”: “من الجماعة الى الحكم”، الترويكا .. محاولة فاشلة "للتمكين" للمشروع الاسلامي / 11 من 30/

منذر بالضيافي
بالعودة إلى مقولة “اختبار” الإسلاميين وهم في الحكم، خاصّة مدى وفائهم للدّيمقراطية التي أوصلتهم للسلطة، وتخلّيهم عن “حلم” البدايات في إقامة “مجتمع إسلامي”، والتنكّر للنّمط المجتمعي الحداثي الذي ميّز تونس، والذي يعدّ من أبرز خصوصياتها في البلاد العربية.
بالمناسبة، نشير إلى أنّ فترة حكم “النّهضة” )حكومة التويكا بين 2012 و 2014)، عرفت محاولات جادة من قبلهم، سعت إلى “أسلمة” المجتمع والدّولة وكذلك الفضاء العام، عبر محاولات “ممنهجة” لغزو مفاصل الدّولة، وتغيير نمط عيش التّونسيين، عبر السّماح للجماعات السّلفية بالسّيطرة على الفضاء العمومي، واحتكاره لصالح أنشطتها “الدّعوية”، التي تبيّن لاحقا أنها وظّفت لاستقطاب وانتداب الشّباب، للقتال في صفوف الجماعات الإرهابية المتشدّدة، في مختلف بؤر التوتّر وخاصة في سوريا والعراق وليبيا، ولعلّ الأرقام المفزعة والصّادمة عن التحاق ما بين 3 و 4 ملايين شاب تونسي بالتنظيمات الارهابية (“القاعدة” و”داعش”) في بؤر التوتر، خير دليل على وجود تساهل وصل درجة التواطؤ، خلال فترة حكم النّهضة مع التيّارات السّلفية والجهادية.
هذه التيّارات التي انتقلت بسرعة من مقولة “تونس أرض دعوة” الى مقولة “تونس أرض جهاد”، وبرز ذلك في وقوفها وراء الاغتيالات السّياسية التي حصلت، واستهدفت “خصوم” التّيار الإسلامي، تمثّلت في اغتيال الزّعيم اليساري شكري بلعيد والنائب العروبي –القومي – الحاج محمد البراهمي.
اغتيالات هزّت تونس، وعجّلت ببروز “مقاومة” قوية لحكم الإسلاميين، فرضت عليهم القبول بالتنازل عن الحكم، خاصة بعد سقوط حكم الإخوان في مصر، الذي أضعف تيار الإسلام السّياسي لا في مصر فقط، بل في كل بلدان “الرّبيع العربي”.
في المقابل، نجد خطاب “النّهضة” يتبرّأ من “الاتهامات” التي تُوجّه للحركة ب “التواطؤ” مع التيار السّلفي المتشدّد، ولعلّ هذا ما جعل راشد الغنوشي يصرّح بأنّ “النهضة كانت ضحية السّلفية المتشدّدة”، يقصد هنا أن الاغتيالات السّياسية التي حصلت أثناء فترة حكم “النهضة”، وكانت سببا مباشرا في خروجهم من الحكم، قام بها أو وُجّهت فيها أصابع الاتّهام إلى التّيار السّلفي المتشدّد.
ويرجع الغنوشي خطأه في تقدير خطر هذه الجماعات. إلى كون “هذه الجماعات نشأت في غيابنا (تم إقصاء النّهضة لمدّة عشريتين-1990-2010 من قبل نظام بن علي وشرّد أنصارها بين المعتقلات والتّهجير) وكنّا نتصوّر أنّها نوع من الامتداد لنا نشأ في غيابنا وكنّا نتوقّع أن يقع استيعابها إثر عودتنا في سياق الفكرة الإسلامية المعتدلة وبدأنا التّحاور معهم على هذا الأساس.”) (
لم تشهد فترة حكم الإسلاميين (2011-2013) تنكرا للحرّيات العامة والشخصية، ولا أيضا لحقوق الإنسان، ولا مضايقات أو مراقبة لحريّة الإعلام برغم وجود بعض المحاولات خاصة للهيمنة على الاعلام العمومي، لكنها فشلت وارتدت سلبا على النهضويين، وعموما فقد كان المزاج العام والغالب لوسائل الإعلام – بما في ذلك العمومي منها- كان رافضا لحكمهم.
بل لا نبالغ كثيرا بالقول إنّ وسائل الإعلام، لعبت دورا رئيسيا في إضعاف حكم “النّهضة” الإسلامية، وأنّها اصطفّت إلى جانب القوي المعارضة لها، من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني ونخب وفنانين.
كما أنّ بعض الاعتداءات والتضييقيات، التي حصلت خلال فترة حكمهم على بعض الحرّيات المرتبطة بالنّمط المجتمعي الذي تعوّد عليه التونسيين وتعاقدوا على قبوله ويرفضون المساس به، لم تكن اعتداءات ممنهجة، أو مقصودة ومخططا لها من قبل الحكومة.
ولعل يقظة وعدم ثقة النّخب وقادة الرّأي العام في نوايا الإسلاميين، هي التي كانت محفزا وراء التّشهير بما حصل من تجاوزات، فقد كان المجتمع حارسا لنمطه من الإسلاميين، ما جعل الغنوشي يقول في تصريح له “أنه لا يمكن أن نحكم مجتمع نخبته ضدنا”.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP