الجديد

"النهضة”: “من الجماعة الى الحكم”: نحو بداية نهاية "الإسلاموية الأرثوذكسية" / 15 من 30/

منذر بالضيافي
كشف الأداء السياسي، لكلّ من “إخوان” مصر و حركة “النَهضة” في تونس، في التعاطي مع الأزمة التي تزامنت مع صعودهم للحكم، بعد ما سمي ب “ثورات الربيع العربي، عن الاستنتاج الذي انتهي إليه أستاذ العلوم السياسية في جامعة “جونز هوبكنز” الأمريكية، “خليل العناني” ، من أنّ سقوط جماعة “الإخوان المسلمين” يمثل نهاية لحقبة يمكن أن نطلق عليها حقبة “الإسلاموية الأرثوذكسية” في تاريخ الحركات الإسلامية.
وهي تعني سقوط النّموذج الكلاسيكي للحركات الإسلامية الذي قام على ثلاثة أركان أساسية: الإيديولوجية المحافظة والتنظيم الصارم والقيادة المركزية الجامدة. وبالتالي بداية مرحلة مابعد الاسلاموية التقليدية، مثلما عبر عنها عالم الاجتماع الأمريكي من أصل ايراني، آصف بيات، في كتابه “ما بعد الإسلاموية: الأوجه المتغيرة للإسلام السياسي”.
في مقابل سقوط تيار “الأخونة” في مصر، نلاحظ صعودا وصل مرتبة “الانبهار” بالواقعية السّياسية التي ميزت تعامل حركة “النهضة” الإسلامية في تونس، مع الأزمة التي عرفتها البلاد أثناء فترة حكمها، والتي كادت تعصف بها نحو إعادة إنتاج ما حصل في مصر أو في ليبيا أو في سوريا.
حيث اختارت “الإسلامية التونسية” منهجا آخر مختلف، اتّسم بالمرونة والواقعية والبراغماتية، ليعبّر عن نضج في التعاطي مع متغيّرات الواقع، ومع تبدّلات موازين القوى. وهي من مميزات التّنظيم السّياسي الحيوي والمرن، القائم على علوية الحوار في إطار مؤسساتي، وبالتالي غياب مركزية القرار أو الانفراد بالرأي سواء لشخص (المرشد العام ) أو لهيئة (مكتب الإرشاد في حالة إخوان مصر)، وان كان هذا لا ينفي سيطرة “الشيخ الغنوشي” على مفاصل القرار والتسيير والخزائن وكذلك العلاقات الخارجية، وهو ما كان محل تذمر لعدد من القيادات النهضوية، كما تمت اثارته بقوة في المؤتمر العاشر للحركة، في ماي 2016.
كما أن تباين الحلول المعتمدة في مواجهة الأزمة، بين “النّهضة” في تونس و”الإخوان” في مصر، يفسّر بخصوصية الحركة الإسلامية في تونس. فعلى خلاف “حركة الإخوان” التي لم تتطوّر منذ تاريخ تأسيسها سنة 1928، وبقت مشدودة بل أسيرة مرجعية وتعاليم أو رسائل “المرشد” المؤسّس حسن البنا، ومن خلفه في مكتب الإرشاد، وكذلك صرامة وهرمية التنظيم.
فإن الحركة الاسلامية في تونس، تميّزت –كما بينا في المقالات السابقة- بوجود خلفية فكرية متنوّعة ومتعددة، وصفها راشد الغنوشي بأنها نتيجة ” تداخل عناصر ثلاثة: التديّن التّونسي التقليدي المؤسّس على التصوّر أو المذهب المالكي، والثقافة الإصلاحية، زيادة على أهمية تأثير التحديث السّياسي الذي حصل في تونس زمن بورقيبة، رغم أنّ بدايات العمل الإسلامي قامت على “شيطنة” إصلاحات بورقيبة.
دون أن نغفل بأنّ خصوصية الحركة الاسلامية في تونس، أتت من خصوصية المجتمع التّونسي، وما تغلغل فيه من الفكر التحديثي، والذي كان مطلبا منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
ولعل غياب مرجعية فكرية محدّدة، مثّل عنصر إثراء للتجربة الإسلامية التونسية، وهو ما أشار إليه محمد القوماني، أحد قيادات الحركة، عندما بيَن أنّ “تعدّد الرّموز المؤسّسين واختلاف تكوينهم وعدم وجود “مشائخ علم” كانت عوامل لم تخل من إيجابية، إذ ساعدت على اتّسام “الاتّجاه الإسلامي” بدرجة لا بأس بها من التحرّر الفكري وتعدّد الاجتهادات وتنوّع في العمل الطلابي بالجامعة. كما ساعدت على انفتاح الإسلاميين بتونس على كتابات من مرجعيات متنوعة.”)1 )
وقد تبنى رموز الحركة، منذ البدايات الحاجة الى التعامل النّقدي مع المراجع التقليدية خاصة الوافدة من الشرق، أي الإخوانية. وفي هذا الإطار كتب صلاح الدّين الجورشي “إنّ قداسة وهمية لابدّ أن تزول عن تاريخنا وعن أنظمة وحركات وشخصيات أفرزها نضالها الطويل من أجل تحوّل جاد. إنّ رؤية جديدة لقضايا الناس وللعلاقات الاجتماعية لابدّ أن تظهر، وأنّ مواقفنا من الفرد والمرأة والمجتمع والملكية والحضارة لابدّ أن توضّح وتعمّق. باختصار إن روحا جديدة لابدّ أن تسري فينا وإن فكرا جديدا لا بد أن يطرح من قبلنا ومن داخل صفوفنا”.)2 (
شهد حركة “النّهضة” مخاضا فكريا كبيرا، يهمّ تقييم فترة حكم الحركة، وتطوير فكرها السّياسي، من خلال مراجعة وثيقة “الرّؤية الفكرية والمنهج الأصولي”، التي كتبت في ثمانينات القرن الماضي، وقد تمّ تجاوزها وأصبحت وثيقة مهجورة، خصوصا وأنّها لا تتوافق مع التّطورات التي شهدها خطاب الحركة، ولا التزاماتها السّياسية، ومن أهمها ما ورد في الدّستور الجديد. الذي ينصّ على كفالة الدّولة لحرية المعتقد والضّمير ومنع دعوات التّفكير، والتخلّي عن مطلب إدراج “الشريعة الإسلامية” مصدرا للتّشريع، مع هذا ما زالت الحركة تعتمد – وان جزئيا – هذه الوثيقة، “التي تتضمّن ما فيه تصريحا واضحا بتكفير من خالف فهما معينا للعقيدة الإسلامية”.)3 (.
من خلال الجدل الدّائر في صفوف حركة “النّهضة”، نشير أنّ المراجعات يراد لها أن لا تقف عند الاقتصار على “الرّؤية الفكرية والأصولية” فقط، بل لابد أن نذكر بما دار من نقاسات حول امكانية تغيير اسم الحركة، في اتّجاه التّنصيص على الهوية “المحافظة” لا “الإسلامية”، وهو ما تم ترحيله الى المؤتمر القادم للحركة، حتى يكون معبّرا عن التّحوّلات الفكرية والسّياسية التي عرفتها الحركة.
يذكر أن فكرة تغيير الإسم كان المراد منها أن يعكس الاسم الجديد/المقترح حداثة وتسامح الحزب الإسلامي، على غرار حزب العدالة والتنمية في تركيا. وفي هذا الاطار يتنزل الاعلان عن فصل “الحركة” عن “الحزب”، أي فصل “السّياسي” عن “الدّعوي” ليكون الدّين مشتركاً بين كل التونسيين ولا يتكلم باسمه أي طرف دون غيره.
**************
(1) محمد القوماني، من الجماعة الاسلامية الى حلركة النهضة الاسلاميون في تونس..مسيرة ألم وأمل، ص 55، جوان 2015، كتاب الكتورني، موقع الاصلاح http://alislahmag.com
(2) صلاح الدين الجورشي، حوار في الصميم، مجلة “المعرفة”، العدد2، السنة5
3()محمد القوماني، مرجع سابق

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP