الجديد

المشهد السياسي: نذر "الفتنة" تطل برأسها .. وانتقال سياسي معطل !

منذر بالضيافي
هناك اجماع من قبل كافة مكونات الطبقة السياسية، في الحكم وفي المعارضة، على تدنى الخطاب السياسي خلال الفترة الأخيرة، مع انطلاقة حملة انتخابية مسبقة، تغذت بالأساس مما أصبح يعرف ب “حروب سبر الآراء”، التي أدخلت الفاعلين السياسيين في ما يشبه “التخميرة”.
فغاب احكام العقل والمصلحة، وحضرت ردود الأفعال، التي – لو استمرت – ستدخل البلاد في أتون أوضاع لا يتحملها الوضع الانتقالي، الذي يتسم ب “الهشاشة” بسبب ضعف المنجز الاقتصادي والاجتماعي، وما يشبه حصول “عطالة” في مسار الانتقال السياسي برغم تواصل مظاهر الديمقراطية في بعدها الشكلي (دورية الانتخاب مثلا على أهميتها).
تزامن كل ذلك مع بروز تخوفات من السعي لإحياء ممارسات “سلطوية”، نقدر أن الواقفين ورائها غير مدركين لحيوية المجتمع ويقظة النخب ( مثلما تشير الى ذلك كل “باروماترات” قياس الشأن السياسي) التي لن تقبل بالعودة للوراء أو التطبيع مع الانتكاسة، فالحرية تحولت الى مطلب مجتمعي، وليس منة من أيا كان.
أظهرت تصريحات السياسيين، وتبادل الاتهامات بينهم، وأحيانا نسمع اتهامات غير مألوفة وصادمة للرأي العام، وأيضا لكونها تمس بمستقبل مسار الانتقال الديمقراطي، الذي أصبح مهددا وفي حاجة لعودة الرشد للطبقة السياسية.
كما كشف هذا العنف في الخطاب السياسي، عن عمق أزمة الثقافة السياسية، وافتقاد المشهد السياسي لقيادات كارزمية، وينسحب هذا على من في الحكم ومن في المعارضة، على حد السواء. و برز جليا أن الممارسة السياسية تفتقد لخلفية وعمق ثقافي وتنظيري، وتجلى أيضا أن سياسيينا يعيشون حالة “اغتراب” حقيقية عن مشاكل وحاجيات المجتمع الحقيقية، وتأكد أنهم في حاجة ماسة الى معرفة سوسيولوجية بما يجري في رحم المجتمع التونسي.
في ظل وجود “أزمة قيادات”، يمكن أن تفسر بحالة التصحر التي عاشتها البلاد خلال فترة حكم الرئيس الأسبق بن علي، وبما أم “الطبيعة تأبى الفراغ”، كما يقال، برز على الساحة “رهط” من الأحزاب السياسية و من السياسيين، الذين تحولوا بقدرة قادر الى “مناضلين” و”سياسيين محترفين”، لهم قول وباع وذراع في كل المسائل، ينتقلون من حزب الى حزب ومن كتلة برلمانية الى أخرى بلا أدنى توضيح وتفسير و دون “حياء” أخلاقي.
ان ما يجري “الان وهنا”، هو مشهد لا يخضع لجاذبية الأرض، ويحيلنا على مقولة هوبز الشهيرة “حرب الكل ضد الكل”. و لا نبالغ في شيء بالقول أن الدعوات للاصطفاف والتجييش، هي مقدمات ستكون لها نتائج سلبية ووخيمة على البلاد والعباد.
غاب عن أذهان “المناضلين الجدد” أن الانجرار الى الفوضى قد يكون سهلا، لكن الخروج منها صعب وصعب جدا، لأن “فاتورة” ذلك ستكون غالية جدا، ولن يسلم من نارها أحد. ولعل شواهد التاريخ تعطينا دروسا ولكن يبدوا أن الكثير منا لا يتدبر ولا يفقه وكأن على عيونهم غشاوة.
في ظل هذا المشهد السريالي بل الانتحاري، هناك مؤشرات على الانزلاق نحو العودة لحالة استقطاب سياسي وايديولوجي “مخيف” ، يتغذى هذه المرة من صراع غير مسبوق حول السلطة، وهو ما يجعله ينذر بالتحول الى شبح مخيف على استقرار البلاد، وعلى السلم الاجتماعي، كل ذلك في غفلة من “حكماء” هذا البلد -ان وجدوا – .
يشبه المشهد السياسي التونسي الحالي، تلك الصورة التي عبر عنها الشاعر والفيلسوف الكبير أبو العلا المعري، في وصفه لتنامي الصراعات في عهده. حيث يقول: “في اللاذقية فتنة ما بين أحمد والمسيح .. هذا بناقوس يدق وذا بمأذنة يصيح .. يا ليت شعري ما الصحيح”.
وبالفعل فمن خلال تتبع التصريحات و ما يكتب في الصحافة أو البرامج الإذاعية والتلفزيونية، أو في الندوات ومنابر الحوار وحتى في الفضاءات العمومية نلاحظ وجود كل مظاهر “الفتنة”. من خلال “تمترس” كل فريق وراء موقفه وزمرته. و ما يعني ذلك من رفض للآخر المخالف يصل حد استبطان الالغاء.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP