الجديد

مصير الشاهد بين يدي الرئيس قايد السبسي مرة أخرى !

عبد الواحد اليحياوي 
قبل فترة قصيرة، كان الشاهد مدفوعا بعمليات سبر الآراء، يعتقد انه في طريق مفتوح نحو قصر قرطاج، خاصة بعد ان ازاح حافظ قايد السبسي،  وتحالف مع حركة “النهضة”، ودخل في معركة مفتوحة مع من جاء به الى سدة الحكم، متسلحا أو مستقويا بتحالفه الجديد وبصلاحياته الدستورية، حينها ربما خيل له ولحلفائه، أنهم في طريق مفتوح لوضع السياسي المخضرم في ما يشبه “العزلة”، وضع ينهي فيه ما تبقى من عهدته الرئاسية.
برز الشاهد مستعجلا جدا، وغير مقدر كما يجب لطبيعة المرحلة، برغم أن الرجل استطاع  أن يحيط نفسه بسند المركب السياسي المالي الجهوي، الذي حكم دولة الاستقلال، ما سمح له  بقطع مسافة هامة في تحقيق طموحه، من خلال تحويل رئاسة الحكومة الى مشروع سياسي شخصي، والاستعداد لدفع كل الأثمان الممكنة للبقاء في السلطة، لغاية استعمالها للفوز برئاسيات 2019 ، مع التطلع  الى الحصول على كتلة نيابية،  تسمح له بالحكم وحيدا أو على الأقل تمنحه أغلبية مريحة، هذا ما يفسر وضع كل وقته وجهده ومقدرات الدولة أيضا  لبناء حزب من رحم الحكومة، بغاية واحدة هي تأبيد أركان حكمه.
كانت الفكرة الأساسية ل “المشروع السياسي” للشاهد، تقوم على الاستيلاء على ناخبي النداء التاريخي،  مما يسمح له بتحقيق طموح الاستفراد بالسلطة، ثم تحويل النظام السياسي الى نوع من “الديمقراطية الشكلية”، حيث يتم الوصول الى الحكم باستعمال اجهزة الدولة و والاعلام.
لئن تمكن الشاهد من تحقيق الكثير من خطته، فإن عمليات سبر الآراء الاخيرة حملت اليه مفاجأة لم يكن بتوقعها، وهي الصعود الاستثنائي لرجل الاعمال المثير للجدل نبيل القروي، الذي استطاع على مدى سنوات ومن خلال العمل الخيري الجمعياتي، المدعوم بقناته الخاصة استهداف فئات واسعة من الجسم الانتخابي، متمثلة اساسا في الطبقات المفقرة، التي تتسع باطراد، والفئة السفلى من الطبقة الوسطى، وهي الفئات المتضررة اساسا من الازمة الاقتصادية.
اكتشف الشاهد من خلال “زلزال” نتائج سبر الآراء،  ان حجم فشل حكومته قد تحول الى تصويت عقابي، يصب في فائدة خصمه الجديد نبيل القروي، ولأن الوقت لم يعد يسمح بتحقيق اي انجاز اقتصادي واجتماعي خاصة مع مواصلة تردي جميع مؤشرات التنمية، لم يكن امام الشاهد الا استعمال القانون لإقصاء خصمه، في ممارسة تعتبر تقليدية في الثقافة السياسية التونسية، الموروثة عن زمن الاستبداد.
تحت ضغط توقيت اجراء الانتخابات القريب، ورفض قوى سياسية ومدنية ديمقراطية، اسرع الشاهد الى تحشيد حلفائه في الحكم، بمسوغ حماية سلامة العملية الانتخابية، وذلك لإجراء تنقيحات على القانون الإنتخابي، يعرف الجميع انه وقعت صياغتها على المقاس لإقصاء خصم سياسي ومنافس يأكل من نفس الصحن السياسي للشاهد.
تؤكد تبريرات نواب حزب الحكومة “تحيا تونس” وحلفائهم من “حركة النهضة” وحزب “المشروع” على المأزق الاخلاقي لهذا القانون الذي جاء باقتراح من حكومة فقدت كل مصداقية سياسية واخلاقية عندما اصبحت جزء من الصراع السياسي على السلطة .
وقعت المصادقة على التنقيحات عبر صفقات شملت حتى قراءة الفاتحة على الرئيس المصري المرحوم محمد مرسي، ولكن الشاهد رغم ذلك لا يمكن له – الى حد الان – رفع اشارة النصر لأن القانون سيء السمعة  ولايزال لم يأخذ طريقه الى النشر بالرائد الرسمي على بعد شهر من انطلاق تقديم الترشحات للانتخابات التشريعية.
من مكر الحياة و السياسة، أن يجد الشاهد نفسه مرة اخرى، تحت رحمة رئيس الدولة الباجي قائد السيسي، التي اعادت اليه السياسة اوراقها بعد ان ظن الجميع انه خرج منها. اذن يعود قطار السياسة ليمر على المحطة حيث يقف السبسي، فهو الوحيد الذي  يستطيع ان يمنع مرور القانون في الاجل مما قد يؤجله الى الدورات الانتخابية القادمة، وهو يتمتع بحق عرضه على الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين، او حتى ممارسة حق الرد على معنى الفصل 82،من الدستور مما يجعل اعادة اجازته موقوفة على موافقة أغلبية معززة، وهو امر يكاد يكون مستحيلا بالنظر للتوازنات الحالية.
كما أن  مجرد عرضه من جديد على المجلس سيعني ان تطبيق التنقيحات على الدورة الحالية اصبح من قبيل المستحيل.
اذن،  يجد الشاهد نفسه تحت رحمة صانعه الباجي قايد السبسي ، ويجد الباجي نفسه في وضع مناسب ربما “للانتقام لنفسه”، من الذي سبق وأن “تمرد” عليه،  وافتك حلفائه وساهم في تفكيك انجازه الأهم حزب “نداء تونس”.
يبدو الرئيس الباجي قايد السبسي، في وضع مناسب ليس فقط لمعاقبة من سبق وأن دخل معه في صراع، وانما ليظهر كحارس مبدئي لمسار الانتقال الديمقراطي والدستور،  وهي فرصة للخروج من باب السياسة بنصر ومغنم كبيرين، وفي السياسة كما في الحياة .. يوم لك .. ويوم عليك.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP