الجديد

النهضة و مطبات الاستحقاق الانتخابي

هشام الحاجي
يخطئ من يتناسى الدور الهام الذي تضطلع به حركة النهضة في الحياة السياسية منذ 14 جانفي 2011 . و اهمية الدور تفسر الى حد كبير حجم المعارضة التي تجدها الحركة من عدد من الاحزاب السياسية و التيارات الأيديولوجية .
هذه المعارضة تجد تفسيرها الى جانب اهمية الدور في تعدد التقاطعات التي تتموقع فيها حركة النهضة التي تقيم الى حد الان قنوات تواصل بين المجالين الديني و السياسي و التي تحتفظ بشبكة واسعة من العلاقات المتشعبة على المستوى الدولي و التي قد تكون قطعت من الناحية التنظيمية جسور التواصل مع حركة الاخوان المسلمين و لكنها تحتفظ لحد الان بنقاط التقاء فكرية مع حركة حسن البنا و هي نقاط على غاية من الاهمية .
و يثير مسار حركة النهضة الاهتمام من زاوية اخرى تتصل بالتحولات الحاصلة في صلبها  فقد استطاعت الحركة ان تحافظ منذ ان قدمت نفسها كحزب سياسي على تماسكها و لم تعرف الهزات و الانقسامات التي ضربت كل الاحزاب السياسية التونسية . هذه الخلفية هي التي تخوض انطلاقا منها حركة النهضة غمار الاستحقاق الانتخابي القادم مضافا اليها طبيعة التحولات التي عاشتها الحركة في السنوات الاخيرة .
فقد تخلصت من الملاحقة الامنية و امكن لها ان تجمع كل اطاراتها على ارض الوطن بل ان الحركة قد اصبحت طرفا في ممارسة السلطة ترهقها اعباؤها و تمتعها امتيازاتها و تزعجها حصيلتها . و هناك ايضا خلافات في المقاربة السياسية لم تعد القيادة النهضوية حريصة على اخفائها حرصا على تماسك مطلوب زمن المواجهة مع نظام بن علي بل اصبحت تبرزها مع التأكيد على وجود اتفاق على “تكريس تعدد المقاربات دون استهداف الوحدة التنظيمية للحركة ” حسب عبارة القيادي عبد الحميد الجلاصي .
لا شك ان الاستحقاق الانتخابي القادم يمثل افضل امتحان و احسن محرار للتفاعلات التي تعيشها الحركة و لقدرتها على تجاوز المطبات التي يفرضها الظرف . هناك بكل تأكيد مطب خارجي يتمثل في الحفاظ على المقبولية لدى اهم دوائر القرار الدولية التي اشتركت مع حركة النهضة في بعض مراحل التخلص من الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي و التي منحت الحركة جواز عبور الى اهم العواصم الاوروبية و الاقليمية .
و اذا كانت حركة في مأمن مما يتردد في باب المزايدة السياسية من تصنيفها تنظيما ارهابيا فان التحولات الدولية و توقف مد موجة الربيع العربي الكاسح قد قلص بكل تأكيد من درجة مقبوليتها في الخارج و هو ما جعل النهضويين يكثفون من جهودهم  للحفاظ  على جسور التواصل مع واشنطن و لندن و باريس و برلين .. عبر التكثيف من  حملات “اللوبيينغ” التي اشارت عدة تقارير صحفية الى انها قد كلفت حركة النهضة اموالا طائلة ما دامت كبرى شركات العلاقات العامة في اكبر العواصم هي التي قامت بها .
تراهن حركة النهضة ايضا على قدرتها على التمسك بانها تمثل “الاسلام الديمقراطي” و هو ما جعلها الى جانب تجنب المواجهة المباشرة لبعض القوانين او السلوكات او الظواهر التي لا تنسجم مع القراءة الحرفية للاسلام تسعى لتكريس الديمقراطية الداخلية صلبها . و قد كانت عملية الانتخابات الداخلية التي وقعت في اطار اعداد الحركة في الاسبوعين الاخيرين محاولة في هذا التوجه من ناحية و موعدا لاستخلاص بعض الدروس الممكنة حول واقع النهضة و مستقبلها .
ففي مستوى الاجراءات لم تشهد الانتخابات التي جرت على المستوى الجهوي مشاكل تذكر اذ عرفت تنافسا تداخلت فيه كل المعطيات التي تتدخل في اي عملية انتخابية من حيث تأثير العائلة و حكايات الكواليس و الميول الشخصية و لكن لم تكن هناك طعون  ذات بال في الاجراءات و تقبل الجميع النتائج التي ادت الى بروز ظواهر ستوظفها الحركة لفائدتها .
فقد ابرزت الانتخابات الاولية صعودا لافتا للشباب و للمرأة و هو ما يمثل الى جانب الاعداد على التداول السلس على المسؤوليات دليلا على ان الحركة التي غالبا ما يعتبرها خصومها معادية للنساء و حقوقهن لا تكتفي باستقطاب النساء فقط بل تمنحهن مواقع متقدمة.
قلصت الانتخابات الجهوية  من مكانة “الشرعية السجنية ” و من موقع “نهضويي الخارج ” و هو ما يعتبر حسب المتابعين لكواليس الحركة توجها اكثر نحو المستقبل و استبعادا لعناصر تثير الكثير من الكلام حول توظيفها للعمل السياسي من اجل تحقيق منافع شخصية.
لم تحسم   الانتخابات الاولية في الصراع شبه المعلن بين راشد الغنوشي و عدد من القيادات الاخرى بل حافظ على ما يشبه التناصف بين “الشقين ” و يكفي ان نذكر صعود عبد اللطيف المكي و لطفي زيتون في تونس  1 و عبد الحميد الجلاصي و عبد الكريم الهاروني في تونس 2 .
كما ان المراهنة على الشباب و النساء مهمة و لكنها بكل تأكيد غير كافية لان الراي العام يتطلع الى ما يحمله المترشحون من افكار و مقاربات و هم الذين يمثلون عصارة الجيل الاول لممارسة الحركة للسلطة و لعدم معانتها من عقدة الملاحقة و الاضطهاد و الذين لم يتكونوا في المساجد بل في تكوين مزدوج ضمن هياكل الحركة و ما قدمته مؤسسات المجتمع المدني الوطنية و الاجنبية من حلقات تكوين و تثقيف سياسي .
و اما المطب الاخير فيتمثل في الكيفية التي سيتعامل بها المكتب التنفيذي و رئيس الحركة مع نتائج الانتخابات الاولية اذ يعود اليهما الحق الحصري في تطعيمها ببعض الاسماء و اعادة ترتيب المترشحين و المترشحات حسب اعتبارات يرونها مهمة او من اجل احترام مقتضيات التناصف الافقي و العمودي الذي تفرضه المجلة الانتخابية .
 
 

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP