الجديد

تراجع "جماهيرية" حركة "النهضة" .. انتقال ديمقراطي بلا حاضنة شعبية  !

منذر بالضيافي
كشفت نتائج سبر الآراء الصادرة خلال الفترة الأخيرة وبصفة متطابقة عن تراجع لافت ومثير للانتباه في نسب نوايا التصويت لصالح حركة «النهضة”، وهذا ما أكدته أيضا نتائج مماثلة أعدت بطلب من الحركة، وبعيدا عن البحث في “مصداقية” و “علمية” هذه النتائج، وما صاحبها من جدل واتهام ب “التلاعب بالعقول”، فان تراجع شعبية الاسلاميين حقيقة ماثلة في الواقع، ولا يمكن انكارها أو القفز عليها.
وذلك على خلاف ما يبرز من خطابات بعض النهضويين خاصة من القواعد، التي ما تزال مسكونة ب “وهم” أنها الجماعة والتنظيم الأكبر، والأكثر شعبية وحضورا في المجتمع، والذي لن يأتيه ما يأتي كل الأحزاب والفرق من ضعف وهوان.
في المقابل، نجد قيادة الجماعة مدركة لهذه الحقيقة، وتعمل باليل والنهار على التخفيف من حدتها و وطأتها، وذلك عبر تفعيل التحركات الميدانية (زيارات الغنوشي الأخيرة للجنوب التونسي وحضوره في عدد من الاجتماعات الأولية لاختيار مرشحي الحركة للانتخابات المقبلة).
هذا فضلا عن تنويع الحضور الاعلامي والاتصالي، وكذلك الأنشطة السياسية (على غرار الندوة الوطنية لإطارات الحركة التي انتظمت نهاية الأسبوع الفارط)، أنشطة – برغم سقوطها في الروتينة عبر اعادة انتاج ذات الخطاب وهو ما يبرز من خلال اجتماعات شورى الجماعة – فإنها ما تزال تحظى بتغطية اعلامية واسعة، مستفيدة من غياب بقية الأحزاب والقوى السياسية الأخرى.
الى جانب تراجع شعبية “النهضة” في نوايا التصويت للانتخابات التشريعية، فانه يتواصل غياب الاسلاميين في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، فقد غاب تواجد أي من قادة “النهضة” أو حتى من القريبين منها، في ترتيب “الخمسة الكبار”، في نوايا التصويت للرئاسيات المقبلة، وهو أمر له أكثر من دلالة.
برغم “تفكك” حزب “نداء تونس” وعدم بروز تنظيم سياسي معوض له، فان تقدم النهضة عليه أو على من هو مرشح افتراضيا لتعويضه ( تحيا تونس ) يعد ضعيفا، و تكشف الأرقام التي تحصل عليها الاسلاميون، بين انتخابات 2011 و2018 (البلدية) عن خسارة حوالي مليون ناخب، وبهذا فان الحركة “تتحكم” و “تهيمن” على المشهد السياسي بحوالي نصف مليون ناخب، مستفيدة من تشتت ما يسمى بالقوى الوسطية والديمقراطية.
مثلما ذهبت اليه كل نتائج عمليات سبر الاراء المعلنة والمسكوت عنها، فانه يتوقع أن يتراجع الخزان الانتخابي لحركة “النهضة”،  في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وذلك بالنظر لتحملهم وزر فشل حصيلة منظومة الحكم، التي يعتبرون أحد أركانها، فضلا عن تآكل “شرعيتهم الشعبية” التي كانت قائمة على فكرة الاقصاء والمظلومية، دون أن ننسى نهاية السردية التي كانت سائدة لسنوات طويلة، بأن الاسلاميين لا يخسرون في كل استحقاق انتخابي ديمقراطي، وهذا ما أكدته انتخابات 2014.
تبرز “قوة النهضة” من تشتت القوى المنافسة لها، كما أن تراجع خزانها الانتخابي يكشف عن تراجع وانحسار شعبية التيار الاسلامي، الذي عجز في امتحان الحكم، ليتبين أن هذا التيار لا “يتمدد” الا في أجواء ومناخات “الأنظمة السلطوية”، وان اختبار “مشروعه” لا يكون الا في مناخات الحرية والديمقراطية، والتي تبين أنه يبقى في طور “الجماعة” المعزولة مجتمعيا وثقافيا وكذلك في صفوف النخبة التي لا تثق في هذا التيار برغم المراجعات المعلنة.
كما يرجع انحسار شعبية “النهضة” أيضا الى تصاعد منسوب الثقة في الأحزاب السياسية، وهنا ينسحب الأمر على أحزاب الحكم والمعارضة على حد السواء أي على “المنظومة السياسية”، وهو ما يفسر تصاعد ما أصبح يعرف ب “الشعبوية” التي تتهم بكونها وظفت العمل الجمعياتي والخيري، وهو المبرر الذي لجأت له أحزاب الحكم لإقصاء هذا “الخطر الداهم” على الديمقراطية وعلى “عروشهم”.
يكشف المشهد الحالي، بعد أكثر من ثمانية سنوات من الثورة (2011- 2019)، عن عمق أزمة الانتقال الديمقراطي في تونس، الذي اصبح بلا حاضنة شعبية ومرد ذلك بالاساس يرجع الى غياب أحزاب جماهيرية وديمقراطية تؤطر الجماهير وتقودها، فبرغم التحولات الجارية في الحقل السياسي، التي بدأت تنذر بتراجع دور “الحزب” و “الديمقراطية التمثيلية”، وهي ظاهرة عالمية ولا تخص بلادنا دون غيرها، فانه مع ذلك لا يمكن بناء ديمقراطية دون أحزاب قوية ومؤثرة ومسيرة بشكل ديمقراطي، وهذا ما تفتقده “ديمقراطيتنا الناشئة”.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP