الجديد

51 نائبا يطعنون في دستورية التنقيحات على القانون الانتخابي

تونس- التونسيون
تقدم أمس الاثنين 24 جوان 2019، 51 نائبا ممثلين عن عدد من الكتل البرلمانية بطعن في دستورية التنقيحات المصادق عليها في القانون الانتخابي لدى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين.
واللافت للانتباه هو العدد المرتفع للنواب الذي أمضوا على عريضة الطعن في التعديلات المدخلة مؤخرا على القانون الانتخابي، ومن مختلف الكتل باستثناء كتل الائتلاف الحاكم الثلاثة.
يذكر أن هذه التعديلات أثارت جدلا واسعا داخل تونس وخارجها وسط ما يشبه الاجماع على عدم دستوريتها فضلا على كونها ذات أبعاد اقصائية واضحة.
كما أنها أعتبرت بمثابة تهديد لمسار الانتقال الديمقراطي، اذ لا يعقل سياسيا وأخلاقيا تغير قانون اللعبة قبيل انطلاقها بأيام قليلة.
يذكر أنه تم التصويت على تنقيح قانون الانتخابات والاستفتاء برمته، بموافقة 128 نائبا واحتفاظ 14 آخرين مقابل رفض 30 نائبا.
 

مذكــــــرة طعـــن في عدم دستورية مشروع القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء

نشرت يومية «المغرب» اليوم الثلاثاء 25 جوان 2019  وثيقة الطعن في دستورية مشروع القانون الأساسي المتعلق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء كما تم تنقيحه وإتمامه بالقانون الأساسي عدد 7 لسنة 2017 المؤرّخ في 14 فيفري 2017 والمصادق عليه في الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب بتاريخ 18 جوان 2019.
وهي وثيقة ساهم في إعدادها جمع من الخبراء في القانون نذكر منهم الأستاذ عبد المجيد الحرّازي
حيث صادق مجلس نواب الشعب في جلسته المنعقدة بتاريخ 18 /6 /2019 على مشروع تنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء كما تم تنقيحه وإتمامه بالقانون الأساسي عدد 7 لسنة 2017 المؤرّخ في 14 فيفري 2017. و قد تضمّن التنقيح المشار إليه أربع فصول من الفصل الأول إلي الفصل الرابع. وشملت إضافة فقرة ثالثة جديدة للفصل 110 من القانون الأساسي عدد 16 في الفصل الأول من مشروع التنقيح. كما أضيفت بمقتضي الفصل الثاني من التنقيح للقانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المذكور الفصول: 20 مكرر و20 ثالثا و21 بإضافة مطة أخيرة و40 إضافة فقرة أخيرة و42 مكرّر و42 ثالثا و110 فقرة رابعة.
وتمّ بمقتضي الفصل الثالث من المشروع المطعون فيه حذف الفقرة الخامسة من الفصل 121 من القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرّخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء كما تمّ تنقيحه وإتمامه بالقانون الأساسي عدد 7 لسنة 2017 المؤرّخ في 14 فيفري 2017.
ونصّ الفصل الرابع من مشروع القانون على دخوله حيّز النفاذ فور نشره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية .
وحيث خالف مشروع القانون الأساسي المذكور الدستور. ويروم النوّاب الممضون طيّ هذا، تبعا لذلك، الطعن فيه أمام الجناب لمخالفته لما جاء في توطئة الدستور وكذلك لمخالفته فصوله الموالية: 3 و 11 و21 و28 و34 و49 و53 و60 و62 و64 و74 و93 و 125 و126 و130.
وفيما يلي أسباب الطعن في عدم الدستوريّة مبوّبة حسب فصول القانون الأساسي المعني:
في عدم دستورية الفصل الأوّل من المشروع وخرق أحكام الفصل 3 و 21 و49 و60 من الدستور:
حيث نصّ الفصل الأول من مشروع القانون الأساسي على ما يلي :» تلغى أحكام الفقرة الثالثة من الفصل 110 من القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء كما تمّ تنقيحه وإتمامه بمقتضى القانون الأساسي عدد 7 لسنة 2017 المؤرّخ في 14 فيفري 2017 وتعوّض بالأحكام التالية :
الفصل 110 (فقرة ثالثة جديدة): لا تحتسب الأوراق البيضاء والأصوات الراجعة للقائمات التي تحصّلت على أقلّ من 3 بالمائة من الأصوات المصرّح بها على مستوى الدائرة في احتساب الحاصل الانتخابي.
وحيث نصّ الفصل 3 من الدستور على أنّ :«الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطات، يمارسها بواسطة ممثليه المنتخبين أو عبر الاستفتاء».
وحيث نصّ الفصل 21 من الدستور على المساواة بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات ومنها حقّ الترشح وحقّ الانتخاب وحقّ المشاركة في الحياة السياسية وانّ لكلّ مواطن صوت .
وضمن الفصل 60 من الدستور الحقّ للمعارضة في التمثيلية النيابية والمشاركة في الحياة السياسية والنقاش حولها وإبداء الرأي فيها.
وحيث ومن خلال تحليل هذه الفصول يتبيّن أنّ الفصل الأوّل من القانون الأساسي موضوع الطّعن أمام الجناب قد أحدث صنفين من الناخبين المقترعين وتميّيز بينهما.
وبمقتضى هذا التعديل تمّ تفضيل صنف من الناخبين المقترعين وإستبعاد البقيّة دون مبرّر وفي مخالفة صريحة للدستور في الأحكام السالفة الذكر ولمبدأ تكافؤ الفرص. فبعدم احتساب الأصوات التي تمّت بشكل سليم ومطابق للقانون يشكّل هدراً لهذه الأصوات ومصادرة لإرادة جزء من الناخبين على معنى الفصل 3 من الدستور.
وحيث وعلاوة على خرق مبدإ المساواة وحقّ المواطن في المشاركة في الحياة السياسية عبر اختيار ممثليه دون قيود، فانّ إقرار نسبة العتبة موضوع الفصل الأوّل من القانون الأساسي المعني بالطعن وعدم احتساب الأوراق البيضاء في الحاصل الانتخابي، والتي تُعدّ تعبيرا عن موقف وليس امتناعا من المشاركة في الحياة السياسية، من شأنه أن يؤثّر سلبيّا في المشهد السياسي.
فإعتماد العتبة لا يفسح مجال إمكانية المشاركة في الحياة السياسية إلاّ للأحزاب الكبرى ويقصي، بالتالي، الأحزاب الصغرى أو المستقلّين، وهو ما من شأنه، أن يمهّد لسيطرة كيان معيّن على الحياة السياسية ويحرم بقية مكوّنات المجتمع من المشاركة والتعبير في الحياة السياسية دون سواه في البرلمان خلافا لما جاء به الدستور في فصوله السالفة الذكر . والتوطئة خاصة والبلاد لازالت في ظلّ إنتقال ديمقراطي يتطلب مشاركة الجميع دون إقصاء.
وحيث يستخلص والحال ما ذكر، أنّ الغاية من التنقيح المطعون فيه تصبح إقصاء تشريعيّا لفئات عدّة من الشعب وهدرا لجزء مهمّ من الأصوات وتوجيها للحياة السياسية وقصرها على أحزاب وتنظيمات بذاتها ومنع بقية المواطنين من المشاركة في الحياة العامة ممّا يؤثر لا محالة على مفهوم التداول على السلطة ويخلق برلمانا تنتفي فيه التعدّدية وتغييب فيه المعارضة وتحرم فيه الأقلية من التمثيل .
وحيث أنّ هذا التنقيح من شأنه أن يُفقد العملية الانتخابية معناها ويُدخل البلاد في نوع من عدم الاستقرار السياسي ضرورة أنّ عدم احتساب الأوراق البيضاء وأصوات القائمات التي تحصّلت على اقلّ من 3% في الحاصل الانتخابي وفي توزيع المقاعد يؤدّي في حالات عدّة إلى عدم وجود فائزين بمقاعد ممّا يترتّب عنه أنّ الانتخابات لن تفرز ماهو مطلوب منها وقد تدخل العملية في دورة متواصلة ومتكرّرة . فماذا لو تقدمت، مثلا، في دائرة انتخابية معنيّة 45 قائمة في عدد جملي للمقترعين بـ 60 ألف ناخب وتحصلت كل قائمة على عدد أصوات يتراوح بين 1000 و1500 صوت أي دون 3 % (أي 1800 صوت) !؟.
وحيث وبالإضافة إلى التحفظ الجوهري السالف الذكر، يمكن أن يؤدّي التنقيح كذلك إلى تحكّم المتحصّل على اقل نسبة من الأصوات مجمّعة في حزب واحد او ائتلاف موحّد على أغلبية المجلس النيابي والتحكّم فيه لمدة 5 سنوات وهو يفتقد لتمثيلية موسّعة عند الناخبين المواطنين في ذلك ضرب لمبدإ المساواة والحقّ في المشاركة في الحياة السياسية التي نصّ عليها الدستور.
فعلى سبيل المثال، ولنفترض جدلا تطبيقا عمليا لهذه الأحكام على الدائرة الانتخابية لتونس 1 في الانتخابات التشريعية. فقياسا على معطيات سنة 2011 سجّل بها 488773 ناخب وتقدّم للاقتراع 216371 ولها كدائرة 9 مقاعد بالبرلمان وتقدّمت 79 قائمة بين حزبية وائتلافية ومستقلّة. وفازت فيها 6 قائمات منها 4 بأكبر البواقي. وإذا ما اعتمدنا معيار عدم احتساب الأصوات دون العتبة المذكورة في الحاصل الانتخابي، فإنّ هذا الأخير سيغيّر في منطقة تونس 1 وستُحرم قائمتين ممّن فازوا من التواجد بالبرلمان. كما ستهدر أصوات أكثر من نصف المقترعين الذين لن يُسمع صوتهم في المجلس ولن يكون لهم من يمثّلهم رغم رغبتهم الملحّة وحرصهم الشديد على المشاركة في الحياة السياسية ويؤكد هذا المثال أنّ المشروع المطعون فيه قد مسّ بحقّ جوهري كفله الدستور في فصوله 21 و34 وكذلك 49 وتوطئته.
إذ تطبيقا للفصل 49 من الدستور لا يمكن لأيّ مراجعة للقانون أن تنال من جوهر الحقّ وهو ما تجاهله بوضوح مشروع التنقيح، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، فإنّ التنقيح لا يمكن له أن يتناسى مقتضيات الفقرة الثالثة من توطئة الدستور التي نصّت على ضرورة أن تضمن الدولة إحترام الحريّات والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين وهو ما يجعل من التنقيح خارقا له ومخالفا لمقتضياته وللمبادئ الدستورية العامة ولمواثيق حقوق الإنسان التي تؤكّد على التمتّع بالحقوق المدنية والسياسية ذلك أنّ الأصل في الأشياء الإباحة وليس المنع والتضييق.
وبالإضافة إلى ذلك فإنّه وحتى في الحالات القصوى التي يمكن أن تلتجئ فيها جهة المبادرة إلى مراجعة مشروعها المعروض على مجلس النوّاب، فإنّها تبقى مقيّدة بضوابط عدم إدخال تغييرات جوهريّة على المشروع الأصلي وهو ما أكّده فقه قضاء هيئة الجناب (راجع قرارها بتاريخ 27 جوان 2016 المتعلق بالتمديد في المداولة حول القانون المتعلّق بالبنوك والمؤسّسات المالية (الرائد الرسمي عدد 58 بتاريخ 15 جويلية 2016 ص2511 فقرة أخيرة) لما قضي بـ:«أنّ التغيير الجوهري يجب أن يثبت مساسه بمسائل جوهرية أو بمبادئ يقوم عليها القانون».
وحيث وعلى سبيل المثال وتأكيدا على تأثير إدراج العتبة في حرمان التونسيين من تمثيلية بعد أن أدلوا بأصواتهم لقائمات اختاروها فقد جاء في الاستماع لأحد الخبراء المختصين في النظم الانتخابية أمام لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية أن 88% من القائمات المترشحة في إنتخابات 2014 حصلت على عدد من الأصوات لم تتجاوز نسبته 3% أي انه من جملة 1327 قائمة حصلت 1167 قائمة على أقل من 3% من الأصوات وهي نسبة تعادل 46% من الأصوات المصرّح بها .
وحيث وبالاستناد لما تمّ تحليله وبيانه أعلاه، يتّجه بالتصريح بعدم دستورية الفصل الأوّل من مشروع التنقيح لمخالفة ما ورد في الفصلين الفرعيين 110 (فقرة ثالثة جديدة) و110 (فقرة رابعة) للدستور وخاصة فصوله 3 و21 ومبادئ الفصل 49 و60 إضافة إلى توطئة الدستور في فقرتها الثالثة.
مخالفة الفصل الثاني من المشروع للدستور:
مخالفة لمقتضيات الفصول 60 و62 و 64 (فقرة ثانية) من الدستور التونسي وللنظام الداخلي لمجلس النواب ولقواعد النظام العام الدستوري :
حيث نصّ الفصل 60 من الدستور التونسي على أنّ : «المعارضة مكوّن أساسي في مجلس نوّاب الشعب، لها حقوقها التي تمكّنها من النهوض بمهامها في العمل النيابي وتضمن لها تمثيلية مناسبة وفاعلة في كلّ هياكل المجلس وأنشطته الداخلية والخارجية. وتُسند إليها وجوبا رئاسة اللجنة المكلّفة بالمالية وخطة مقرّر باللجنة المكلفة بالعلاقات الخارجية، كما لها الحقّ في تكوين لجنة تحقيق كلّ سنة وترؤسها. ومن واجباتها الإسهام النشيط والبنّاء في العمل النيابي».
وحيث ورد على مجلس نوّاب الشعب مشروع القانون الأساسي المطعون فيه بتاريخ 26 سبتمبر 2018 وأحيل على مكتب مجلس النواب الذي قرّر إحالته على لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية طبقا لنظامه الداخلي.
وحيث تعلّق مشروع القانون في صيغته الأصلية بمبادرة حكومية لتعديل القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء كما تم تنقيحه وإتمامه بالقانون الأساسي عدد 7 لسنة 2017 المؤرّخ في 14 فيفري 2017.
وحيث أنّ مضمون مبادرة الحكومة كان في شكل تعديلات مقترحة للمشروع المعروض (أنظر المشروع في تقرير اللّجنة البرلمانيّة المصاحبة) تمحورت حول النقاط التالية :
الفصل الأوّل : تعلق بإلغاء أحكام الفقرة الثالثة من الفصل 110 من القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرّخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء وتعوّض بالأحكام التالية :
إضافة فقرة ثالثة جديدة للفصل 110 تنصّ على أنّه :»لا تُحتسب الأوراق البيضاء والأصوات الراجعة للقائمات التي تحصّلت على أقل من 5 % من الأصوات المصرّح بها على مستوى الدائرة في إحتساب الحاصل الانتخابي».
الفصل 2 : نصّ على إضافة للفصل 110 (فقرة رابعة): لا تدخل في توزيع المقاعد القائمات المترشّحة التي تحّصلت على اقل من 5 % من الأصوات المصرّح بها على مستوى الدائرة.
الفصل 3 : يتعيّن لصرف المنحة العمومية التقديرية المنصوص عليها بالفقرة الأولى من الفصل 78 من القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المشار إليه أعلاه بعنوان استرجاع مصاريف انتخابية بالنسبة للانتخابات التشريعية، الحصول على ما لا يقلّ عن 5 % من الأصوات المصرّح بها بالدائرة الانتخابية.
الفصل 4 : يُعاد ترتيب الفقرتين الرابعة والخامسة من الفصل 110 من القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرّخ في 26 ماي 2014 المشار إليه أعلاه لتصبحا الفقرتين الخامسة والسادسة.
وحيث برّرت جهة المبادرة طلب التنقيح برغبتها في : «تطوير النظام الانتخابي مع المحافظة على استقراره والابتعاد على الحسابات الحزبية المناسبتية…. بحيث لا يجب المساس بالثوابت المرتبطة بالمبادئ الدستورية … كما أنه لا يجب تغيير القواعد بصورة جذريّة حتى لا يُفهم التطوير على انه لعبة سياسية إنتخابية».
وقد جاء في تقرير اللّجنة المصاحب لهذا ، أنّ ممثّل جهة المبادرة في تفاعله مع استفسارات النواب أمام لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية يوم 01 نوفمبر 2018 قد «شدّد ممثل جهة المبادرة … أن الخيار الذي تم اعتماده من خلال المشروع المعروض بعدم إدخال تغيير جوهري في القانون الانتخابي مرده أن الوضع لا يسمح في الوقت الراهن خاصة وان مثل هذه التغييرات تتم عادة في السنة الأول» بعد الانتخابات لذلك ارتأى المشروع المعروض الاكتفاء بتغيير بسيط…». (الصفحة 10 من الملحق عدد2)
وحيث قد تداولت اللّجنة حول ذلك المشروع «البسيط» في جانفي 2019 وقررت إحالته على الجلسة العامة والمتضمن فصل أول يحتوي على مقترح حذف الفصل 78 قديم وتعويضه بالفصل78 جديد فقرة أولي جديدة والفصل 110 إضافة فقرة ثالثة جديدة وفصل ثان ادخل تغيير بإضافة فقرة رابعة للفصل 110 وفصل ثالث تم بمقتضاه حذف الفقرة الخامسة من الفصل 121.
وحيث يتضح ، بالتالي، أنّ مشروع التنقيح شمل فصلين فقط هما الفصل 78 و110 من القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 .
إلاّ أنّه وبالرجوع إلى الصيغة الجديدة للقانون الأساسي موضوع الطعن والمعروضة مباشرة على الجلسة العامّة، فيتبيّن أنّها وردت مختلفة تماما نصّا وروحا عن المشروع الأوّل وأدخلت تغييرا جوهريا على المشروع الأصلي دون أن تسمح للنوّاب بدرسه وإعطاء رأيهم فيه سواء في أعمال اللّجنة أو خلال مداولات الجلسة العامة. وقد أضيفت فصول لأول مرة يوم التصويت وهي الفصول 20 مكرر و20 ثالثا وو21 و40 و42 مكرر رغم أنّها تتعلّق بمسائل جوهرّية في القانون الانتخابي.
وحيث ثبت لدى الفقهاء وخاصة في التجارب المقارنة أنّ الإجراءات التشريعية تمرّ بمراحل ثلاثة: المبادرة، فالنقاش ثمّ المصادقة (يراجع مثلا كتاب «القانون البرلماني»، بيار أفريل وجون جيكال، الطبعة الثالثة، صفحة 10 وما يليها).
وحيث أنّ تتطلب الإجراءات التشريعية الأساسية العرض على مجلس الوزراء طبق مقتضيات الفصل 93 من الدستور ثم العرض على مكتب البرلمان فاللجان فممارسة مقنّنة لحقّ التعديل والتصويت من قبل النواب.
وحيث أنه بالرجوع إلى الدستور والنظام الداخلي، يتبيّن أن الإجراءات التشريعية في النظام الدستوري التونسي تمرّ بالضرورة عبر المراحل التالية :
أوّلا : العرض على مجلس الوزراء : طبق مقتضيات الفصل 93 من الدستور الذي نصّ على أنّه : «… يتمّ التداول في كلّ مشاريع القوانين بمجلس الوزراء».
وحيث يتضح بما لا يدع مجالا للشكّ أنّ الحكومة بصفتها جهة المبادرة لم تقم بما هو محمول عليها بموجب الفصل 93 من الدستور ولم يقع التداول في مجلس الوزراء في شأن التنقيح الجوهري الذي أُدخل على المشروع وهو إجراء وجوبي وملزم فيه ضمانة دستورية. (وقد سبق للمجلس الدستوري الفرنسي، مثلا، أن قضى بعدم دستورية مشروع قانون لم يقع عرضه على مجلس الوزراء يراجع قرار المجلس الدستوري الفرنسي عدد ……) 468 DC du 03 / 04 /2003.
ثانيــا : العرض على هياكل مجلس نواب الشعب وبالخصوص مكتبه ولجانه :
حيث اقتضى الفصل 59 من الدستور أنّ مجلس نوّاب الشعب يشكّل لجانا قارة ولجانا خاصة .
كما اقتضى الفصل 63 من النظام الداخلي أنّ مجلس نواب الشعب يُحدث لجانا قارة ولجانا خاصة فضلا عمّا حدّده الفصل 87 منه من أنّ لمجلس نواب الشعب تسع لجان قارة تشريعية تتولّى بالخصوص دراسة مشاريع ومقترحات القوانين المعروضة على المجلس قبل إحالتها على الجلسة العامّة والنظر في جميع المسائل التي تُحال إليها.
كما اقتضى الفصل 76 منه أن تكون جلسات اللجان علنية،
وحيث يتّضح مما سبق ذكره أنّ عرض المبادرات التشريعية على اللجان البرلمانية مسألة دستورية في غاية الأهمية تتأصّل فلسفتها في تمكين النواب والعموم من الاطلاع على مضمون النصوص المقترحة وتمكين جميع النواب من مناقشتها ومن تقديم ملاحظاتهم وتعديلاتهم.
وحيث وبخصوص هذه المسألة الحاسمة والجوهريّة يعتبر فقه القضاء الدستوري المقارن أنّ أعمال اللّجان البرلمانيّة يجب أن يلتزم فيها بمبدأ النزاهة والوضوح من جهة المبادرة وهو ما يعرف بأحترام مبدأ «La sincérité et la clarté des débats parlementaires» .
وحيث وتطبيقا لهذا المبدأ أقرّ المجلس الدستوري الفرنسي عدم دستوريّة قوانين لم تحترم واجب العرض المسبق على اللّجان البرلمانيّة المختصّة.
وأكدّ هذا الاتجاه كذلك، المجلس الدستوري الفرنسي في قراره عدد537-2006 بتاريخ 22 جوان 2006 الذي ورد في مقال صادر للأستاذة «SOPHIE DE CACQUERAY» في المجلة الفرنسية للقانون الدستوري في جوان 2009 ص 790 وما يليها :
«Quant à la décision du conseil constitutionnel, elle se situe également dans la droit ligne des précédentes décisions en la matière. …
…, tout en se situant dans la continuité, le Conseil constitutionnel a opéré un ajustement de sa jurisprudence concernant les normes de référence applicables au contrôle des règlements des assemblées. En effet, s’appuyant sur l’article 6 de la DDHC et sur l’article 3 de la Constitution, le Conseil constitutionnel considère que les règlements parlementaires doivent respecter <وحيث يتضح ممّا سبق ذكره، أنّ عرض مسائل للتصويت خارج هذا المسار إنّما هو مخالفة صريحة للإجراءات التشريعية الأصلية الضامنة لقانون يعكس الإرادة الجماعية.
وحيث أنّ ما تمّ عرضه على التصويت خلال الجلسة العامة بتاريخ 18 جوان 2019 لمجلس نواب الشعب مخالف صراحة لما سبق بيانه.
ثالثــا : ممارسة شرعية لحق التعديل:
حيث أنّ حقّ التعديل يعتبر من أهمّ الحقوق الدستورية المخوّلة سواء لجهة المبادرة من السلطة التنفيذية أو كذلك لأعضاء مجلس نواب الشعب.
ولئن أقرّت الدساتير المقارنة شروطا لممارسة هذا الحق تكاد تكون متعارفة مثل ما أقرّه الدستور التونسي مثلما نصّ عليه الفصل 63 من الدستور التونسي، فإنّ فقه القضاء الدستوري المقارن والأعراف البرلمانية الديمقراطية المقارنة أسهمت في مزيد تقنينه.
فلقد تمّ التمييز بين التعديلات الإضافية الجديدة في غير علاقة بالنصّ الأصلي المقترح المعروض على الهياكل البرلمانية أو حتى التعديلات الجديدة المقترحة على التعديلات الأصلية وهذا مهما كان مصدرها وبين التعديلات المقترحة في علاقة بالنص الأصلي المقترح.
وحيث أنّ الفلسفة القانونية التي أصّلت هذا التوجّه تكمن في مراقبة ممارسة حقّ التعديل وهو ما قد تتضمنّه هذه التعديلات من «خزعبلات إجرائية» تشريعية للحيلولة وممارسة عديد الهيئات الدستورية ذات العلاقة للسلطة الاستشارية المخولة لها قانونا (المحكمة الإدارية مثلا، الهيئات الدستورية المستقلة…) خصوصا إذا ما تضمّنت التعديلات الجديدة نصوصا في غير علاقة مباشرة بنصّ القانون المقترح في صيغته الأصلية.
وقد مارس فقه القضاء الدستوري المقارن هذا التوجّه حتى بخصوص التعديلات الجديدة المقترحة على التعديلات الأصلية.
وفي هذا الإطار، يتّجه التذكير بأنّ المعايير الدولية في الأعراف البرلمانية وفي فقه القضاء الدستوري المقارن إعتمدت شروطا أساسية في ممارسة حقّ التعديل ومن أهمّها أنه لا بدّ أن يكون للتعديلات المقترحة علاقة مباشرة بالنصّ الأصلي (قرار المجلس الدستوري الفرنسي 191 لسنة 1985 بتاريخ 10 جويلية 198) فضلا على إقرار قاعدة أنه لا يجوز للبرلمان إدخال تعديلات جديدة بمجرّد إحالة مشروع القانون إلى الجلسة العامة ليتم اعتبار التعديلات غير المحترمة لهذه الضوابط بمثابة «الفرسان التشريعية» غير المقبولة (من أهم القرارات 88-251 بتاريخ 12 جانفي 1989 وقرار «تعديل سيقان» (Amendement Seguin) عدد 225-86 بتاريخ 23 جانفي 1987) .
وحيث لم ينح النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب في منحى خلاف هذا التوجّه. إذ اقتضت أحكام الفصل 121 منه أن تُقدّم مقترحات التعدیل المتعلقة بمشروع قانون إلى مكتب اللجنة المعنية، في أجل أقصاه أربعة أيّام من نشر المشروع والتقرير على الموقع الالكتروني للمجلس دون إعتبار يوم النشر. …ویُشترط في مقترح التعدیل أن یكون في صیغة مضبوطة ومكتوبة.
وحيث حدّد نفس الفصل إجراءات عرض مقترحات التعديل ونشرها بما يفتح سبلا مريحة لنواب الشعب بتقديم ملاحظاتهم في شأنها واستثنى حالة ما إذا كان مشروع القانون موضوع طلب استعجال نظر لاعتماد آجال مختصرة ليمكن في تلك الحالة تقديم مقترحات التعديل حتى ختم النقاش العام.
وحيث اقتضت أحكام الفصل 92 من النظام الداخلي أنّه حالة استعجال النظر على اللجنة أن تقّدم تقريرها في أجل لا يتجاوز أسبوعا من تاريخ تلقيها طلب الاستعجال.
وحيث لم يتم إحترام مقتضيات هذه الأحكام بما يحول وسريان إجراءاتها وفق أحكام الفصل 121 لخروجها عن حكم استعجال النظر.
وحيث أنّ عديد النواب كانوا قد أثاروا نقاط نظام تتعلّق بخرق أحكام النظام الداخلي المشار إليها وقرّرت الأغلبية المرور إلى التصويت بالرغم من ذلك وهو ما يُعدّ خرقا صريحا للإجراءات الدستورية.
رابعا : التصويت والمصادقة :
حيث اقتضت الفقرة الثانية من الفصل 64 من الدستور أن مشروع القانون الأساسي لا يُعرض على مداولة الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب إلا بعد مضي خمسة عشر يوما من إحالته على اللجنة المختصة وهو ما ثبّتته مقتضيات الفصل 120 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب.
وحيث ثبت أنّ التعديلات المقترحة خلال الجلسة العامة بتاريخ 18 جوان 2019 على مشروع القانون الأصلي والذي أُعدّت بشأنه تقريرا منشورا على الموقع الرسمي والموزّع على أعضاء مجلس نوّاب الشعب تُعتبر تعديلات في غير علاقة بالنصّ الأصلي المقترح من قبل الحكومة (أنظر تقرير اللجنة المصاحب لهذا) وأنّ عرضها ومناقشتها شابها إخلالا جوهريّا وشكليّا بالإجراءات التشريعية الدستورية التي ضبطها الدستور والنظام الداخلي لمجلس نوّاب الشعب.
وحيث فقد فوجئ النوّاب يوم الجلسة بتغيير جذري وجوهري في المشروع الذي لم يُعرض على اللجنة في مخالفة صريحة لروح ومقاصد الفصل 64 (فقرة ثانية) من الدستور والمشار إليها أعلاه.
وحيث يشكل عدم عرض مشروع التنقيح في نسخته الجديدة التي أدخلت تغييرا جوهريا عليه تحايلا على الدستور وتعديا على صلاحيات مؤسسة أخرى وهي اللجنة المختصة
وحيث إن الهدف من عرض المشروع على اللجنة المختصة هو مزيد تمحيصه وتدقيقه وترك مجال للنواب للاطلاع عليه وبحث مواطن الخلل فيه والاستماع إلي الخبراء والمختصين وتحديد الموقف من التصويت عليه عن دراية تامة .
وحيث أُدخلت على المشروع تغييرات جوهرية وتمّ التوسّع فيه وتغيّر بصفة تكاد تكون تامة من جهة المبادرة ممّا يجعله يمثّل مبادرة جديدة.
وحيث وطالما لم تُعرض الفصول الجديدة على اللجنة ولم تُحترم الآجال لتمحيصها والتدقيق فيها، فإنّ تلك الفصول المصادق عليها والمشار إليها أعلاه تنطوي على مخالفة صريحة للفصل 64 (فقرة ثانية) من الدستور.
وحيث أنّ عرض المشروع على الجلسة العامة في آجال قصيرة جدّا دون احترام مقتضيات الفصل 64 من الدستور ودون احترام النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب يجعله عرضة للتصريح بعدم دستوريته. وبالإضافة إلى الفقه المقارن المشار إليه أعلاه فقد جاء في قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين عدد 2/2016 بتاريخ 24 ماي 2016 المتعلق بمشروع قانون البنوك والمؤسّسات المالية ما يلي: «حيث يعيب الطاعنون وقوع إحالة مشروع القانون عدد 09/2016 المتعلق بالبنوك والمؤسسات المالية دون حصول مراعاة وجوب توجيه رئيس مجلس نواب الشعب جدول الأعمال إلى أعضاء المجلس بأي وسيلة تترك أثرا كتابيا وذلك قبل أسبوع على الأقل من موعد انعقاد الجلسة العامة أو 48 ساعة في الحالة المستعجلة المختصر فيها الأجل».
وحيث ورد بالفصل 52 من الدستور أنه «يضبط مجلس نوّاب الشعب نظامه الداخلي ويصادق عليه بالأغلبية المطلقة لأعضائه. وحيث أنّ النظام الداخلي للمجلس يمثل إطارا يشمل الأحكام والضوابط الكفيلة بضمان مقوّمات النجاعة وحسن أداء العمل التشريعي يتعيّن على المجلس الالتزام به مراعاة لحقوق المعارضة والأغلبية في الاطلاع على مشاريع القوانين ودراستها والتقدم في شأنها بمقترحات التعديل عند الاقتضاء مثلما تقتضيه خاصة أحكام الفصل 60 من الدستور. وحيث نصّ الفصل 138 من النظام الداخلي على أن يوجه رئيس المجلس جدول الأعمال إلى أعضاء المجلس والحكومة بأي وسيلة تترك أثرا كتابيا وذلك قبل أسبوع على الأقلّ من موعد انعقاد الجلسة العامة ويمكن في الحالات المستعجلة اختصار الأجل إلى 48 ساعة. وحيث أنّ الأحكام المتصلة بكيفية وضع النصوص التشريعية والتي تنضوي في مجالها أحكام الفصل 138 من النظام الداخلي تجعلها بالضرورة تستوعب مقتضيات وضوابط دستورية تجب مراعاتها عند النظر في مشاريع القوانين.
وحيث أن إحالة المشروع على الجلسة العامة في غضون الأجل المتعين احترامه والتقيد به هو إجراء جوهري له وثيق الارتباط بقواعد النظام العام الدستوري بحكم تعلقه بتنظيم أسس قواعد العمل التشريعي. وحيث أن الدفع المحتج به من قبل النواب في نطاق ردهم على الطعن في شأن وقوع احترام جميع الإجراءات القانونية لعرض مشروع القانون وفقا لأحكام الإجراءات المختصرة المنصوص عليها بالفصول 85 و 110 و 121 من النظام الداخلي تعوزه وجاهة الجدية باعتبار أن هذه الفصول تتعلق بتنظيم أعمال اللجان واختصاصاتها وبالتعديلات الممكن إدخالها على جدول أعمال الجلسة العامة ولا علاقة لها بإجراءات إحالة مشاريع القوانين على هذه الجلسة.
وحيث إن التغاضي عن احترام هذا الإجراء الأساسي يُعدّ خرقا لمقتضيات دستورية يستوعبها الفصل 138 من النظام الداخلي لمجلس نوّاب الشعب ويجعل بذلك هذا الوجه من الطعن حريا بالاعتبار ومتجه القبول والاكتفاء بقصر النظر من هذه الناحية دون سواها.
وحيث بمرور المشروع للتصويت بأغلبية 128 صوتا دون إن يناقش في أي مرحلة و أن تبنيه من النواب يمكن أن يعد مبادرة تشريعية «مقنعة» في التفاف وفي مخالفة صريحة كذلك للفصل 62 من الدستور وللنظام الداخلي الذي ألزم المرور بعدة مراحل ضمانا للمواطن وحقا لممثليه في مناقشته والاستماع إلي مختلف أوجه المختصين والمهتمين والمواطنين حتي يكون النص تعبيرة صادقة عن مشاغل الشعب والتزاما منه باحترامه .
ولهذه الأسباب وعملا بما سلف بيانه وعملا بأحكام الفصلين 20 و23 من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرخ في 18 أفريل 2014 قضت الهيئة بقبول الطعن شكلا وفي الأصل بعدم دستورية الإحالة على الجلسة العامة لمشروع القانون عدد 09/2016 المصادق عليه من مجلس نواب الشعب بتاريخ 12 ماي 2016.» …
وحيث واستنادا إلى ما ذكر أعلاه وخاصّة ما ورد في مقتضيات أحكام الفصل 64 من الدستور ومن فقه هيئة الجناب فيصبح مشروع التنقيح المطعون فيه متّسم بخرق جسيم للدستور ويتّجه التفضل بالتصريح بقبول المطعن ومن ثمّة بعدم دستورية المشروع المذكور.
2/ ـ في خرق الفصل الثاني للفصول 11 و 34 و49 من الدستور :
حيث وبالإضافة إلى الخروقات المشار إليها أعلاه، فإنّ الفصل الثاني من المشروع المطعون فيه قد خرق كذلك من خلال ما ورد في الفصل 40 منه أحكام الفصل 11 من الدستور. إذ نصّ الفصل 40 من مشروع تعديل الفصل الثاني من القانون الأساسي موضوع الطعن ما يلي : « إضافة فقرة أخيرة: ويتضمن ملف الترشح وجوبا :
– بطاقة عدد 3 خالية من السوابق العدلية في الجرائم القصدية أو وصل الاستلام على أن تتولى الهيئة في هذه الحالة التثبّت من خلوّها من السوابق .
– ما يفيد القيام بالتصريح بالمكاسب والمصالح في الآجال المنصوص عليها بالفصول 12 و 50 من القانون عدد 46 لسنة 2018 مؤرّخ في 1 اوت 2018 المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح و بمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح. بالنسبة للأشخاص الخاضعين لواجب التصريح بالمكاسب والمصالح وفق أحكام الفصل 5 من نفس القانون.
– ما يفيد القيام بالتصريح السنوي بالضريبة على الدخل للسنة المنقضية.
وحيث يتّجه التذكير أنّ الفصل 11 من الدستور التونسي نصّ على ما يلي : «على كل من يتولّي رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة أو عضويتها أو عضوية مجلس نواب الشعب أو عضوية الهيئات الدستورية المستقلة أو أي وظيفة عليا ان يصرح بمكاسبه وفق ما يضبطه القانون «.
وحيث يتبيّن أنّ المشرّع الدستوري قد ألزم كلّ من يتولّي المنصب التصريح بمكاسبه وفق ما يضبطه القانون أي بصفة لاحقة لفوزه بالمنصب وليس بصفة قبلية كما نصّ عليه مشروع القانون الأساسي. وقد رتّب المشرّع جزاءا في القانون عدد 46 لسنة 2018 المؤرّخ في 1 اوت 2018 المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح في الفصل 31.
وأعتبر التصريح شرطا للمباشرة بالنسبة للأشخاص المشار إليهم بالأعداد من 1 حتّى 9 في الفصل 5 من القانون المذكور وعلى رأسهم رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس النوّاب.
وحيث يتّضح أنّ التصريح يتعلق بالممارسة دون سواها وانّ الأجل المضروب لذلك هو شهرين بعد تسلم المهام استثنى منه المذكورين أعلاه والذين يُعدّ التصريح شرطا لمباشرتهم لوظائفهم النيابية.
وحيث ذهبت إرادة المشرّع الدستوري التونسي في اتجاه عدم التضييق في شروط الترشح أقرّ قاعدة التناسب بين الحق في الترشّح والموانع المتعلقة بالشفافية في الحياة العامة. وإعتبر المشرّع التصريح شرطا للممارسة وليس للترشّح. وبالتالي، فإنّ التعديل الوارد في المشروع قد جعله شرطا اقصائيا للترشّح وفي ذلك تجاوز صريح وخرق واضح للفصلين 34 و49 من الدستور المتعلق بجوهر الحقّ .
وحيث وبالنظر إلى كل الإخلالات القانونيّة المشار إليها أعلاه يتّجه التفضّل بالتصريح بعدم دستورية الفصل الثاني بإعتبار أنّ الفصل الفرعي منه تحت عدد 40 فقرة لمخالفته الصريحة للفصل 11 من الدستور.
وحيث وفي نفس السياق يتّجه التذكير أنّ الفصل 34 من الدستور التونسي نصّ في الباب الثاني على كون : « حقوق الانتخاب والاقتراع والترشّح مضمونة طبق ما يضبطه القانون».
كما نصّ الفصل 49 من الدستور في خاتمة الباب الثاني والمتعلّق بالحقوق والحريات:» يحدّد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو
الصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها. وتتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك. لا يجوز لأي تعديل أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور»
وحيث أنّه وبقراءة مجمّعة للفصلين المذكورين يتّضح أنّ أيّ تعديل على القانون الانتخابي لا يمكن أن يؤدّي إلى تضييق حقّ الترشّح أو حقّ الاقتراع أو حقّ التصويت أو أن يمسّ بهما إلا إذا كان لغاية حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني أو الصحّة العامة أو الآداب العامة.
وحيث أنّ مشروع التنقيح الحالي لا يتعلق بأيّ إستثناء من الاستثناءات المنصوص عليها بالفصل 49 من الدستور. كما أنّه وعلى فرض إدخال تنقيحات على تلك الحقوق الجوهرية وخاصة حقّ الترشّح فانّه قد استقرّ قانونا وفقها وقضاء سواء على المستوى الوطني أو الدولي ضرورة التناسب والتلاؤم بين التضييق في تلك الحقوق والمصلحة التي يرمي إليها من وراء ذلك وما لم تكن هنالك مصلحة عامة واضحة وتناسب بين التضييق والمصلحة المراد حمايتها، فانّ الأصل في الأشياء الإباحة والحدّ والتضييق هو الاستثناء والاستثناء لا يتوسّع فيه وهي من المبادئ القانونية العامة ومن القواعد القانونية المضمّنة بالمواثيق الدولية وخاصة تلك المتعلقة بالحقوق الأساسية للإنسان ومنها الحقّ في المشاركة في الحياة السياسية كما نصّ عليه الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية .
وحيث وعلاوة على ذلك، فإنّ الفصل 49 يشترط التناسب بين الحقّ وبين الحدّ منه من اجل مصلحة عامة وهو غير متوفر في التنقيح الحالي ضرورة أن أي تنقيح يجب أن يصبّ في مصلحة احترام النظام الديمقراطي وان النصوص القانونية يجب أن تكون على غاية من الدقّة والوضوح والمقروئيّة وهي قاعدة قانونية دستورية استقرّ عليها فقه القضاء الدستوري وهي كذلك شرط من شروط التصريح بدستورية وعدم دستورية القوانين كما ذهبت إليه الهيئة الوقتية لمراقبة مشاريع دستورية القوانين في قرارها عدد02 /2015 بتاريخ 8 جوان 2015 الصادر بالرائد الرسمي عدد 47 بتاريخ 12 جوان 2015 ص 1496 فقد ورد فيه ما يلي :
«وحيث نصّ الفصل 49 من الدستور «يحدّد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلاّ لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام أو الدفاع الوطني أو الصحة العامة أو الآداب العامة وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها»… أما من حيث اشتراط أن لا يكون صدرت في حق المترشح لعضوية المجلس حكم جزائي بات فهو شرط تضييقي… وبذلك يكون الشرط مخالفا لمبدأ التناسب مما يجعل المطعن في محله… واتجه تبعا لذلك التصريح بخرق الفصل… من المشروع في المطّة الأخيرة من فقرته الأولي للفصل 49 من الدستور.
وأضافت في نفس القرار ما يلي : « وحيث أنّ النتيجة التي إنتهى إليه المشرّع بشأن اشتراط وجوب الإدلاء على كلّ راغب في الترشّح لعضوية المجلس الأعلى للقضاء بتصريح على الشرف في كونه لم تتعلق به شبهة فساد مالي أو إداري أو سياسي تعتبر من قبيل اشتراط لزوم ما لا يلزم فضلا انه لم يقع تحديد معني هذه الشبهة ودلالتها المطلوب التصريح بعدم تعلقها بالمعني بالأمر فان هذا المنهج الذي انتهجه المشرع يتنافي من جهة مع القاعدة القائلة بان الأصل في كل إنسان الاستقامة وسلامة النية حتي يثبت خلاف ذلك ويتجافي من ناحية أخري مع القرينة الدستورية المنصوص عليها بالفصل 27 من الدستور المتضمنة أن المتهم بريء إلي أن تثبت إدانته ويكون كذلك قد نال من حق الانتخاب بالتضييق فيه بالمساس من جوهره مخالفا بذلك مقتضيات الفصل 49 القائلة إن القانون يحدد الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. وحيث أضحي لذلك هذا الفرع من الطعن حريا بالاعتبار ومتجه القبول .»
كما تبنت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين في قرارها بتـاريخ 22 ديـسمبر 2014 بخـصوص القـضية عـدد 08 /2014 المتعلـق بمشروع قانون المالية لسنة 2015 نفس الموقف وقرنت بين مبدأ الحفاظ على الحق والتناسب في الحد منه وانه لا يكون إلا لضرورة قصوي اقتضتها المصلحة العامة التي يجب ان تبرز بوضوح في حيثيات النص وشرح أسبابه وهو ما لم يتوفر في ملف قضية الحال مما يجعل الطعن فيه بعدم الدستورية في طريقه لمخالفته للفصلين 34 و49 من الدستور كما ذكر أعلاه .
وحيث جاء في القرار المذكور ما يلي : «حيث إن واضع مشروع الفصل 28 من القانون المذكور لم يأبه ولم يعبأ من ناحية أخرى عند تحديد الضوابط المتعلقة بحق ملكية صاحب البضاعة لواجب تحقيق المعادلة بين مصالح الطرفين واحترام مبدأ التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها مثلما تقتضيه أحكام الفصل 49 السابق الإشارة إليه فلم يقتصر ويتوقف عند ّحد تخويل إدارة الديوانة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بضمان استخلاص مستحقاتها المتعلقة بالبضاعة المحجوزة أو المودعة لديها دون سواها بل فسح لها المجال لحرية التصرف فيها حسب مطلق مشيئتها مما ّ أدى إلى النيل من جوهر حق الملكية لصاحب البضاعة وآل إلى زوال واضمحلال هذا الحق في كيانه الذي كان من المتعين مراعاة مقومات احترامه وصيانته،
وحيث أضحى بهذا المنظور الطعن في مشروع القانون المنتقد المؤسس على هذه الاعتبارات حري ّا بالاعتماد وموجبا للحكم بعدم دستوريته من هذه الناحية.» (الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 104–– 26ديسمبر2014 صفحة عدد 3767).
وحيث يتضح بما لا يدع مجالا للشك إن المشروع المصادق عليه لم يكن الهدف منه حماية مصلحة ولم يبين وجه التناسب بين الحد والحق المحدود منه. كما أن مصطلحاته ومضامينه وردت فضفاضة وغير دقيقة ولم تحدد معانيها ودلالاتها بصفة دقيقة وهو ما يجعله مخالفا للشروط الواجب توفرها في صياغة القوانين الانتخابية والتي دأبت على تطبيقها جميع المواثيق والمنظمات الديمقراطية المعنية بالشأن الانتخابي.
3/ ـ في خرق الفصل الثاني لمقتضيات الفصل 74 من الدستور :
حيث نصّ الفصل 74 من الدستور على: «الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حق لكل ناخبة أو ناخب تونسي الجنسية منذ الولادة، دينه الإسلام. يشترط في المترشح يوم تقديم ترشحه أن يكون بالغا من العمر خمسا وثلاثين سنة على الأقل.
وإذا كان حاملا لجنسية غير الجنسية التونسية فإنه يقدم ضمن ملف ترشحه تعهدا بالتخلي عن الجنسية الأخرى عند التصريح بانتخابه رئيسا للجمهورية. تشترط تزكية المترشح من قبل عدد من أعضاء مجلس نواب الشعب أو رؤساء مجالس الجماعات المحلية المنتخبة أو الناخبين المرسمين حسبما يضبطه القانون الانتخابي.»
أ/ ـ حيث ان الشروط الواردة بالفصل المذكور هي شروط واردة على سبيل الحصر وليست على سبيل الذكر. وبالتالي، لا يمكن لنص قانوني اقل مرتبة من النص الدستوري تعديلها والحال أنّ المشروع تضمّن في فصله 42 مكرّر جديد إضافة وشروط أخري تحدّ من حق الترشح فانه عملا بمبدأ توازي الصيغ والإجراءات فان تلك الشروط لا يمكن تعديلها او التوسع فيها إلا بتنقيح الفصل الدستوري المشار إليه أعـــلاه.
ب/ ـ إن نيّة المشرع الدستوري ذهبت إلى إفراد وتحصين شروط الترشح لرئاسة الجمهورية من كلّ تدخل تشريعي تجنّبا لما حدث قبل 14 جانفي 2011 ولما يتطلبه التعديل الدستوري من إجراءات صعبة ودقيقة وأغلبية تختلف عن الأغلبية لسن قانون أساسي كي ينأى بتلك المؤسّسة عن التجاذبات وكي لا يجعلها عرضة للتضييق أو التوسيع في الترشّح لها وصيانتها من كل عبث.
وحيث إن أعمال العقلاء تصان عن العبث.
وحيث أنّ باب السلطة التنفيذية والترشح لرئاسة الجمهورية ورد في باب خاص بعد ان تناول المشرع الحق في الترشح والاقتراع في الفصل 34 من الأحكام العامة وباب الحقوق والحريات وان الإحالة للقانون لتنظيم حق الترشح والاقتراع في باب عام لا يسمح لإحكامه بان تسري على باب خاص وهو الترشح لرئاسة الجمهورية مما يجعل أي تنقيح لتلك الشروط أو إضافة فيه مخالفة صريحة للدستور. كما أن القاعدة القانونية والمبدأ هو تسبيق الخاص على العام عند التعارض أو الاختلاف. وعليه فمن المتجه التفضل بالتصريح بعدم دستورية التدخل التشريعي المذكور .
ج ـ ان ما يدعم ما تمّت الإشارة إليه وان المشرع كان قاصدا ذلك التحصين الدستوري ومنع المشرع بمقتضي قوانين أساسية أن يضيف أو يعدّل شروط الترشح للانتخابات الرئاسية هو ما ذهب إليه المشرع الدستوري نفسه في باب السلطة التشريعية عندما نص في الفصل 53 في شروط الترشح لعضوية مجلس النواب. إذ أحال على صور الحرمان من الترشح التي يضبطها القانون. ومن البديهي القول أن المشرع كان على وعي تام بذلك وحصّن الأول وأحال في الثاني وهو تمييز وتفريق مقصود , وهو ما يجعل التدخل التشريعي المطعون فيه مخالف للدستور واتجه التفضل من هذه الوجهة بالتصريح بعدم دستورية الفصل الثاني لأن الفصل المتفرع عنه تحت عدد 42 مكرر جديد قد أضاف شروط جديدة للترشح لرئاسة الجمهورية يأباها الفصل 74 من الدستور .
4/ ـ في خرق الفصل الثاني للفصل 125 من الدستور :
حيث نص الفصل 125 من الدستور التونسي على : «تعمل الهيئات الدستورية المستقلة على دعم الديمقراطية. وعلى كافة مؤسسات الدولة تيسير عملها…»
وحيث إن هيئة الانتخابات استنادا للفصل 126 من الدستور لها الولاية العامة على الشأن الانتخابي.
وحيث إن إدخال تلك التغييرات على القانون الانتخابي وإضافة أعباء ومهام جديدة لمجلس الهيئة وللهيئة العليا المستقلة للانتخابات يتطلب استعدادات وتحضيرات وإعمال تمهيدية وأدلة وقرارات ترتيبية وتكوين الخ …
وهو ما يجعل كل تلك الأعمال ستعاد وتنقح على ضوء التنقيحات الجديدة إن نقح القانون وهو ما سيدخل إرباك على عمل الهيئة ولن ييسر عملها بل سيضيقه ويؤثر حتما على نجاعة تامين انتخابات حرة وشفافة ونزيهة .
وحيث وعلاوة على ما ذكر فان هيئة الانتخابات المحمول على جميع السلط تيسير عملها طبقا للدستور قد أضاف إليها المشرع بهذا التنقيح صلاحية واسعة وصعبة جدا وهي التدقيق والتثبت من كل أعضاء القائمات المترشحة وكل المترشحين ومن مدي توفر شروط الفصول التي جاء بها التنقيح في جانبهم . وبالتالي، فإنّ هذه الهيئة ستتولى البحث والتقصي وستتحول فعليا و أليا إلى محكمة تفتيش في التصريحات والنوايا والبحث في وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة وكل ما من شانه أن يثبت لديها أن المترشح قام بتصريح بقول أو بكتابة تتنافي وما تضمنه الفصل الإضافي المصادق عليه والمتعلق بكل من قام بشكل صريح و متكرر بخطاب لا يحترم النظام الديمقراطي و مبادئ الدستور و التداول السلمي على السلطة أو يهدد النظام الجمهوري و دعائم دولة القانون أو يدعو للعنف و التمييز و التباغض بين المواطنين أو يمجد ممارسات انتهاك حقوق الإنسان.
وحيث أن مصطلح كلمة «تبين لها» هو مصطلح يعطي سلطة تقديرية مطلقة للهيئة للقيام من تلقاء نفسها. فهل ستعد تطبيقة الكترونية لذلك وكيف ستتعامل مع الكم الهائل من الترشحات أمام ضغط الروزنامة؟ فعلى سبيل المثال واستنادا للانتخابات التشريعية لسنة 2014 فان عدد القائمات بلغ 1327 قائمة بها 15652 مترشحا، فهل هذا ييسر عمل الهيئة وهل أن اكتفاء الهيئة ببعض المترشحين للتثبت منهم يسمح باحترام مبدآ تكافؤ الفرص ومبدأ المساواة بين المترشحين وهو مبدأ دستوري تقتضي مخالفته أو المس منه التصريح بعدم الدستورية !؟
وحيث يتضح من كل ما سبق شرحه وبيانه إن مشروع التعديل سيدخل إرباكا على الهيئة وسيعقد عملها مما من شانه أن يؤثر سلبا على تحقيق هدف ضمان انتخابات حرة ونزيهة وهو مبدأ شديد الارتباط بحق الإنسان في المشاركة في الحياة السياسية والمدنية كما تنظمه المواثيق الدولية وعليه وهو ما يتجه معه التصريح بعدم دستورية الفصل موضوع الطعن.
في مخالفة المشروع برمّته للفصلين 126 و130 من الدستور :
حيث نصّ الدستور التونسي في الفصل 126 المتعلق بهيئة الانتخابات التي أعطاها المشرع الولاية العامة على المسار الانتخابي والتي تتمتع بسلطة ترتيبية في مجال الانتخابات على كونها تستشار وتبدي الرأي في جميع مشاريع النصوص ذات العلاقة بالانتخابات والاستفتاء.
وهو ما نص عليه كذلك صراحة قانونها الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرخ في 20 ديسمبر 2012 كما تم تنقيحه وإتمامه بالقانون الأساسي عدد 44 لسنة 2013 المؤرخ في 1 نوفمبر 2013 وبالقانون الأساسي عدد 52 لسنة 2013 المؤرخ في 28 ديسمبر 2013 , اذ جاء في الفصل الثالث منه ما يلي :
«تتولي الهيئة العليا المستقلة للانتخابات القيام بجميع العمليات المرتبطة بتنظيم الانتخابات والاستفتاءات وإدارتها والإشراف عليها طبقا لهذا القانون وللتشريع الانتخابي وتقوم في هذا الإطار خاصة بما يلي :1/ …2/ …3/ …4/ …ضمان المعاملة المتساوية بين جميع الناخبين وجميع المترشحين وجميع المتدخلين خلال العمليات الانتخابية والاستفتائية.
…16 / ـ إبداء الرأي في جميع مشاريع النصوص ذات العلاقة بالانتخابات والاستفتاء…».
وعليه فان كل مشروع تنقيح لا يعرض على الهيئة في الآجال المعقولة لتبدي رأيها فيه يعد مخالفا للدستور وللقانون الأساسي المنظم للهيئة ولا يمكن تمريره أو المصادقة عليه .
كما انه لا يمكن المساس حسب الفقرة 4 من الفصل الثالث المذكور من قانون االهيئة .
وحيث :»… تستشار الهيئة وجوبا في مشاريع القوانين المتصلة بمجال اختصاصها «.
وحيث أن مشروع التنقيح وثيق الارتباط بمجال تدخل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ضرورة انه تناول مسائل من صميم مجال عمل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إذ تضمن في بنوده إضافة في الفصل 40 فقرة أخيرة تنص على ما يلي :
– ويتضمن ملف الترشح وجوبا:
* بطاقة عدد 3 خالية من السوابق العدلية في الجرائم القصدية، أو وصل الاستلام على ان تتولى الهيئة في هذه الحالة التثبت من خلوها من السوابق.
* ما يفيد القيام بالتصريح بالمكاسب والمصالح، في الآجال المنصوص عليها بالفصول 12 و50 من القانون عدد 46 لسنة 2018 مؤرخ في 1 أوت 2018 المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح بالنسبة للأشخاص الخاضعين لواجب التصريح بالمكاسب والمصالح وفق أحكام الفصل 5 من نفس القانون.
* ما يفيد القيام بالتصريح السنوي بالضريبة على الدخل للسنة المنقضية.»
وحيث يتضح أن التصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح وفي الجملة كل ما يتعلق بالقانون عدد 46 وإضافة شروط له أو تنقيحه أو تغييره فهو يدخل في مجال اختصاص الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي خول لها الدستور ومكنها من آليات التصدي للفساد ومكافحته في القطاعين العام والخاص وإلزام جميع السلط باستشارتها الوجوبية في كل تلك المشاريع.
وقد تناول القانون الأساسي عدد 59 لسنة 2017 المنظم للهيئة ذلك ونص عليها بصريح الفصلين 9 و10 منه كما تضمن الفصل 13 مطة 5 من المرسوم 120 إشارة واضحة لضرورة اخذ رأي الهيئة وذلك :»بإبداء الرأي في مشاريع النصوص القانونية والترتيبية ذات العلاقة بمكافحة الفساد».
وحيث نص الفصل 130 من الدستور على كون الهيئة «تسهم في سياسات الحوكمة الرشيدة ومنع الفساد ومكافحته ومتابعة تنفيذها ونشر ثقافتها. وتعزز مبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة «.
وحيث إن جهة المبادرة قد عللت التغييرات الجوهرية والتنقيح الذي قدمته بتعلة حرصها على تنقية المناخ الانتخابي وتعزيز الشفافية والنزاهة والمساءلة في الشأن العام وهي وعلى فرض التسليم بذلك التبرير من صميم صلاحيات هيئة مكافحة الفساد التي تعمل على إرساء مبادئ النزاهة والشفافية والمساءلة كما عرفها المرسوم الإطاري عدد 120 لسنة 2011 المتعلق بمكافحة الفساد في فصله الثاني والذي جاء فيه يقصد بالمصطلحات التالية على معني هذا المرسوم :..النزاهة : مجموعة من المبادئ والسلوكيات التي تعكس التقيد بمقتضيات القانون ومقاصده وتجنب تضارب المصالح والامتناع عن أي عمل من شانه المساس بثقة العموم في صحة وسلامة الأداء أو السلوك ومطابقته للضوابط التي تحكمه…»
وحيث ان مشروع التنقيح في فصله المذكور قد تناول مجال اختصاص الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد مما يجعل الاستشارة وجوبيه لجهة المبادرة وهو ما يؤدي في حال عدم استشارتها , وهو ما ثبت في موضوع الحال, إلي خرق صريح للدستور تجعل من المشروع المقدم في فصله المشار إليه أعلاه متسم بعدم دستورية وهو ما درج عليه فقه القضاء الدستوري الوطني والمقارن.
وحيث وعلى سبيل الذكر لا الحصر يتجه التذكير بقرار الهيئة الوقتية لمراقبة مشاريع دستورية القوانين عدد 02 /2015 بتاريخ 8 جوان 2015 المتعلق بمشروع القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء الصادر بالرائد الرسمي عدد 47 بتاريخ 12 جوان 2015 , الصفحة 1490 الذي ورد فيه ما يلي:» من حيث الأصل عن المطعن المأخوذ من مخالفة إجراءات المصادقة على القانون لمقتضيات الفصل 148 من الدستور حيث يعيب الطاعنون وقوع المصادقة على القانون الأساسي عدد 16 /2015 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء دون حصول عرضه على الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي حثي تبدي رأيا استشاريا في شانه تطبيقا لأحكام الفصل 148 من الدستور والفصل الثاني في فقرته الثانية من القانون الأساسي عدد 13 لسنة 2013 المؤرخ في 02 ماي 2013 … .
وحيث ورد بالفصل الثاني من القانون الأساسي عدد13 المؤرخ في 2 ماي 2013 ان الهيئة الوقتية للأشراف على القضاء العدلي تبدى رأيا استشاريا في مشاريع القوانين المتعلقة بسير العمل القضائي.
وحيث من المتواضع عليه فقها وقضاء انه يكون الإجراء باطلا إذا نصّ القانون على بطلانه او حصل بموجبه مساس بقواعد النظام العام أو بأحكام الإجراءات الأساسية .
وحيث إن إبداء الرأي من هيئة القضاء العدلي بشان مشروع القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء ولئن كان يكتسي صبغة استشارية فانه إجراء جوهري وأساسي له وثيق الارتباط بقواعد النظام العام الدستوري بحكم تعلقه بصميم العمل القضائي .
وحيث أن الجهة المعنية بإحالة مشروع قانون … هي اللجنة المختصة بمجلس نواب الشعب دون سواها بحكم أن هذا المشروع يكون لديها حين يبلغ فيه وضع تتضح فيه ملا محه وتبدو مظاهره فيتيسر عندئذ للهيئة المذكورة الاطلاع عليه وإبداء ملحوظاتها في شانه .
وحيث أن التغاضي عن وجوب التحقق من وقوع احترام هذا الإجراء الأساسي يعد خرقا للدستور ويجعل لذلك هذا الوجه من الطعن حريا بالاعتبار ومتجه القبول .»
كما أنّ المجلس الدستوري الفرنسي أكّد على نفس الإتجاه في قراره عدد 468 بتاريخ 3 افريل 2003  والذي قضى فيه بعدم دستورية مشروع القانون لعدم وجود الاستشارة.
« Considérant que ,si le Conseil des ministres délibère sur les projets de loi et s’il lui est possible d’en modifier le contenu ,c’est, comme l’a voulu le constituant ,à la condition d’être éclairé par l’avis du conseil d’Etat »
وحيث يكون من المتجه من هذه الوجهة أيضا القضاء بعد دستورية مشروع التنقيح لمخالفته للفصول المذكورة أعلاه من الدستور.
في مخالفة المشروع برمته لتوطئة الدستور وللعهد الدولي لحقوق الإنسان في مادته 25 المصادق عليه من الجمهورية التونسية وللمبادئ الدستورية الكونية ومنها مبادئ لجنة البندقية حول الانتخابات الحرّة والشفافة والنزيهة:
حيث نصت توطئة الدستور التونسي التي هي جزء لا يتجزأ من الدستور وفقا للفصل 146 نفسه من الدستور على : وتعبيرا عن تمسك شعبنا… وبالقيم الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان الكونية السامية.
وحيث جاء في المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المصادق عليه بتاريخ 16 ديسمبر 1966 والذي دخل حيز النفاذ بتاريخ 23 /03 /1967 وفقا لأحكام المادة 49 منه والذي صادقت علية الدولة التونسية بتار يخ 29 /11 /1968 بمقتضي القانون عدد 30 لسنة 1968 ما يلي :»يكون لكل مواطن , دون أي وجه
من وجوه التمييز المذكور في المادة 2، الحقوق التالية، التي يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة :
أ) أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إمّا مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية،
ب) ان ينتخب وينتخب , في انتخابات نزيهة تجري دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري , تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين،
ج ) أن تتاح له , على قدم المساواة عموما مع سواه ، فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده.
وحيث جاء في المادة الثانية من نفس العهد الدولي ما يلي :
«… تتعهد كلّ دولة طرف في هذا العهد ، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لاتكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد, بأن تتخذ طبقا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد, ما يكون ضروريا لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية …».
حيث جاء في الآراء الصادرة عن لجنة البندقية المتعلقة بنزاهة وشفافية الانتخابات والتي تعد تونس عضوا فيها تمنع إجراء إي تعديل على النظام الانتخابي سنة قبل موعدها وهنالك حالات يمنع فيها منعا باتا المس  بالقانون الانتخابي سنة الانتخابات وخاصة فيما يتعلق بما يسمي :
أولا :  التقطيع الانتخابي أو التقسيم الانتخابي أي عدد الدوائر الانتخابية لا يمكن سنة الانتخابات لا التقليص فيها ولا الترفيع فيها وهو ما اقره كذلك المشرع التونسي حيث نص الفصل 106 من القانون الانتخابي في تونس على كون: «يتم تقسيم الدوائر الانتخابية ويضبط عدد مقاعدها بالاستناد إلي قانون يصدر سنة على الأقل قبل الموعد الدوري للانتخابات التشريعية».
ثانيا: شروط الترشح وموانعها لا يمكن المساس بها كذلك سنة قبل موعد الانتخابات قياسا بالتقطيع الانتخابي وبما لها من تأثير على الحقوق والحريات ومنها حق الترشح والاقتراع والتصويت
ثالثا :العتبة التي تؤثر بصورة واضحة على النتائج .
وحيث يتضح انه استنادا للمعايير الدولية لنزاهة وشفافية الانتخابات طبقا لأراء لجنة البندقية ولمبادئ باريس المتعلقة بحقوق الإنسان ومنها الحق في المشاركة السياسية إن لا تغير قواعد الانتخاب عند انطلاق العملية الانتخابية تحت أي مسمي كان لما في ذلك لضرب من مبدأ المنافسة النزيهة .
يراجع الرأي الاستشاري للجنة البندقية عدد 190/2002 الصادر في 9 أكتوبر 2002
II. Les conditions de la mise en œuvre des principes
1. Le respect des droits fondamentaux
a. Les élections démocratiques ne sont pas possibles sans respect des droits de l’homme, et notamment de la liberté d’expression et de la presse, de la liberté de circulation à l’intérieur du pays, ainsi que de la liberté de réunion et d’association à des fins politiques, y compris par la création de partis politiques.
b. Les restrictions à ces libertés doivent respecter les principes de la base légale, de l’intérêt public et de la proportionnalité.
2.Niveaux normatifs et stabilité du droit électoral
a. A l’exception des règles techniques et de détail – qui peuvent avoir un caractère réglementaire -, les règles du droit électoral doivent avoir au moins rang législatif.
b. Les éléments fondamentaux du droit électoral, et en particulier le système électoral proprement dit, la composition des commissions électorales et le découpage des circonscriptions ne devraient pas pouvoir être modifiés moins d’un an avant une élection, ou devraient être traités au niveau constitutionnel ou à un niveau supérieur à celui de la loi ordinaire
وحيث جاء بالفصل 106 من المجلة الانتخابية والذي ينص على أن «يتم تقسيم الدوائر الانتخابية ويضبط عدد مقاعدها بالاستناد إلى قانون يصدر سنة على الأقل قبل الموعد الدوري للانتخابات التشريعية». مما يجوز معه القياس بالنظر من جهة لوحدة الموضوع (أي الآليات الإجرائية في المادة الانتخابية). ومن جهة أخرى لوحدة الأسس (أي قواعد اللعبة في الزمن في السباق الانتخابي) فضلا عن منطق «من باب أولى وأحرى» ذلك أن مسألة العتبة ومسألة شروط الترشح أهم بكثير من مسألة الدوائر الانتخابية في تونس، فالجانب ألمضموني هو الغالب في المسألتين الأولى والثانية، بخلاف المسألة الثانية التي يغلب عليها الطابع الإجرائي والتقني.
وحيث أن مسالة العتبة موضوع الفصل الأول من المشروع المطعون فيه ، لها تأثير مباشر على النتائج وهي من القواعد التي تهم الاقتراع والنتائج ولا يمكن تحت إي طائل التغيير منها او المساس بها سنة الانتخابات وهو ما أكدت عليه لجنة البندقية في رأيها التفسيري حول استقرار القانون الانتخابي تحت عدد 348 /2005 بتاريخ 15 و16
و17 ديسمبر 2005 والذي جاء فيه
4. Sont des règles fondamentales, notamment : – le système électoral proprement dit, c’est-à-dire les règles relatives à la transformation des voix en sièges ;
أما السبب الثاني فيتعلق بالمعايير الدولية المعروفة بعبارة «الممارسات الفضلى في المادة الانتخابية» والتي إنخرطت فيها تونس بعد 2011. فلجنة البندقية تعتبر في الرأي رقم 190 لسنة 2002 المعتمد في الدورة 52 في شهر أكتوبر 2002 بالصفحة 13 أنه «لا يجوز تعديل العناصر الأساسية في القانون الانتخابي وخاصة منها نمط الاقتراع وتشكيل اللجان الانتخابية وتقسيم الدوائر قبل مرور سنة على الأقل من الانتخابات…»، والثابت أن هذه الأمثلة وردت على سبيل الذكر لا الحصر، ولا يظن عاقل ونزيه أن شروط الترشح أو العتبة يمكن تغييرها في الحالة الأولى أو إحداثها في الحالة الثانية لا تندرج ضمن العناصر الأساسية في السباقات الانتخابية وهو نفس التوجه الذي تبنته المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات IDEA في دليلها حول إشكال الإدارة الانتخابية في سنة 2016 بالصفحة 263 في الصفحة 375 حيث اعتبرت انه «من الضروري جدا» إدخال التعديلات قبل أية انتخابات ب»وقت كاف» (أي ما يعادل الأجل المفعول).
وحيث جاءت بتوصيات هذه اللجنة خاصة ما يلي :
« L’élaboration de lois électorales représente une entreprise cruciale; il importe donc d’employer une langue aussi claire que possible et d’éviter les passages contradictoires. Normalement, on ne peut effectuer de changements majeurs aux lois électorales lorsque le processus électoral est sur le point de commencer. Cela vise à préserver la stabilité politique et législative.
وحيث أنّ الثابت أنّ التنقيح بعيد عن أجل السنة وكذلك عن الأجل الكافي، إذ لم يبق على الانتخابات التشريعية المحدّدة في 6 أكتوبر 2019 إلا بضعة أسابيع فقط ، ممّا يزيد في حجم عدم شرعية المشروع.
وحيث أننا في مادة تتعلق بالحقوق والحريات والأصل فيها الإباحة والتوسّع وليس التضييق. وبالتالي، فإنّه ومثلما سبق توضيحه أعلاه، فان تعديل أو تغيير قواعد الترشح بعد انطلاق العملية الانتخابية فيه تضييق ومنع من حقّ مكفول دستوريا وتسحب عليه تلك الأحكام المتعلقة بالتقطيع الانتخابي والتي لا يمكن أن تكون إلا سنة قبل الموعد الدوري للانتخابات وعليه فان أي تعديل أو تغيير على القانون الانتخابي في اتجاه تضييق أو منع من ممارسة ذلك الحق فيه مخالفة صريحة للقانون ولإرادة المشرع .
حيث ان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي التي تملك ولاية عامة على الانتخابات منذ انطلاق العملية الانتخابية وهي المسؤولة على نزاهة وشفافية وسلامة المسار الانتخابي وضمان حق الاقتراع والترشح للجميع
وحيث سبق للهيئة ان أعربت صراحة على ضرورة عدم تغيير القانون الانتخابي في اتجاه تضييق حق الترشح مثلما ورد في تصريح رئيس الهيئة لوسائل الإعلام , مما يجعل من المشروع المقترح فيه تعد صارخ على موقف الهيئة ومخالفة لقانونها الذي أعطاها ولاية عامة على المسار الانتخابي سنة الانتخابات خصيصا
وحيث الدستور ألزم الهيئة في الفصل 126 بضمان سلامة المسار الانتخابي ونزاهته وشفافيته.
وحيث من الواضح ان التنقيح لا يضمن نزاهة وشفافية المسار الانتخابي كونه أضاف أعباء وإعمال جديدة للهيئة ومع عدم استعدادها لذلك ومع ضيق الوقت وعدم وجود اجال كافية لا للهيئة لبسط رقابتها على كامل المسار في ظل التنقيحات الجديدة وكذلك للقضاء لممارسة رقابته على كل الإعمال يجعل المسار فاقدا لنزاهته وشفافيته كما تم تعريفها في القانون التونسي والتي تمت الإشارة اليها في هذا الطعن .
فضمان نزاهة وسلامة المسار يقتضي بالضرورة تخويل الهيئة الوقت اللازم والإمكانيات الكافية كتمكين كل المتداخلين في العملية الانتخابية من الاستعداد الجيد والإلمام الدقيق بمراحل المسار ومحطاته والنصوص المنظمة له وهو ما لا يمكن ان يتوفر عند إدخال هذا الإرباك على العملية التي انطلقت منذ 10 افريل 2019 تاريخ بداية عملية التسجيل ووضع الروزنامة من طرف الهيئة.
وحيث سبق للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين بمقتضي قرارها في القضية عدد 03/2014 الصادر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 41–– 23ماي 2014صفحة عدد 1344 ان أقرت عدم قبول تغيير القانون الانتخابي سنة قبل موعد الانتخابات استئناسا بما هو معمول به في الأنظمة القانونية المقارنة
« وحيث ّ أن مبدأ المساواة يقتضي الإبقاء على نفس تقسيم الدوائر ّ الانتخابية وعدم مراجعته في فترة تسبق الانتخابات بأقل من سنة استئناسا بما هو معمول به بالقانون المقارن…»
وحيث ولكلّ ما ذكر في هذا المطعن، يتجه التفضل بالتصريح بعدم دستورية مشروع التنقيح برمته لمخالفته الصريحة للدستور وللمواثيق الدولية وللقواعد القانونية والممارسات الفضلي في الانتخابات الديمقراطية .
في مخالفة المشروع برمته لتوطئة الدستور والمبادئ العامة الدستورية والمبدأ الدستوري المتعلق بعدم رجعية القوانين :
حيث ورد بالفصل الثاني من تنقيح القانون إضافة فصل 20 مكرر و42 مكرر وذلك بـ لا يقبل الترشح للانتخابات التشريعية لكل شخص او قائمة تبين للهيئة قيامه او استفادته خلال ألاثني عشر شهرا التي تسبق الانتخابات بأعمال تمنعها الفصول 18 و19 و20 من المرسوم عدد 87 لسنة 2011 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية، على الأحزاب السياسية او مسيريها أو تبين قيامه آو استفادته من الإشهار السياسي كما يعرفه الفصل 2 من المرسوم عدد 116 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري وبإحداث الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري.
وتقرر الهيئة إلغاء نتائج الفائزين في الانتخابات التشريعية إذا ثبت لها عدم احترامهم لأحكام هذا الفصل.
كما نص الفصل 42 مكرر من نفس الفصل الثاني: لا يقبل الترشح للانتخابات الرئاسية لكل شخص تبين للهيئة قيامه او استفادته خلال ألاثني عشر سنة التي تسبق الانتخابات بأعمال تمنعها الفصول 18 و19 و20 من المرسوم عدد 87 لسنة 2011 .
وحيث نصّ الدستور التونسي في توطئته على (الفقرة الثالثة) : « وتأسيسا لنظام جمهوري ديمقراطي تشاركي، في إطار دولة مدنية السيادة فيها للشعب عبر التداول السلمي على الحكم بواسطة الانتخابات الحرة وعلى مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها، ويكون فيه حقُّ التنظّمِ القائمِ على التعددية، وحيادُ الإدارة، والحكمُ الرشيد هي أساسَ التنافس السياسي، وتضمن فيه الدولة علوية القانون واحترام الحريات وحقوق الإنسان واستقلالية القضاء والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين والمواطنات والعدل بين الجهات».
كما نص الفصل 21 من الدستور على : المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز. تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامّة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم.
ونص الفصل 28 من الدستور التونسي على : «العقوبة شخصية, ولا تكون إلا بمقتضي نص قانوني سابق الوضع عدا حالة النص الأرفق بالمتهم».
وحيث ان مشروع التنقيح في الفصلين المشار إليهما أعلاه قد نص على تطبيق تلك الشروط بصفة رجعية وهو ما يجعله في مخالفة صريحة للدستور اذ الغاية من تلك النصوص عقاب من يثبت انه قد ارتكب أفعالا لم تكن ممنوعة عليه زمن ارتكابها بل مسموح بها قانونا مما يجعل النص له صبغة جزائية.
وحيث انه بصريح النص الدستوري لا عقاب بدون نص سابق الوضع. وبالتالي، فإنّه من هذه الوجهة فان التنصيص على الرجعية لحرمان شخص من حق اتخذ شكل عقاب فيه مخالفة واضحة للدستور في فصله 28.
وحيث استقر تشريعا وفقها وقضاء أن الحرمان لا يكون إلا بمقتضي عقاب تصرح به محكمة , في محاكمة عادلة ,بعقوبة تكميلية التي تقضي بمنع شخص ما من حقوقه المدنية والسياسية لفترة معينة بعد أن تتوفر له فيها كل الضمانات القانونية وليس بإقصاء تشريعي يتخذ شكل عقوبة جزائية وهي شبيهة في مادة القانون الإداري بالعقوبات التأديبية المقنعة التي تصدي لها القاضي الإداري لما فيها من مس بحق جوهري تكفله الدساتير والمواثيق الدولية ومنها الدستور التونسي .
وحيث علاوة على ذلك وعلى فرض أن النص لا يكتسي صبغة جزائية فانه وحتي في المادة المدنية والإدارية فان رجعية القانون تتسم بشروط واضحة لا تتوفر في المشروع المطعون فيه لتبريره ومفاد ذلك كما يلي :
يُعتبَر مبدأ عدم رجعيّة القوانين ذا أهمّية كبيرة من الناحية القانونيّة؛ ولذا نصَّت معظم الدول على هذا المبدأ ضمن تشريعاتها، ومن الاعتبارات، والمُبرِّرات التي دَعَت إلى ضرورة وجود هذا النصّ ما يلي:
أ ـ اعتبارات قائمة على أساس العدالة:
حيث ان تطبيق القانون الجديد على ما صدر قَبل نفاذه يُعتبَر نوعاً من الظلم، وعدم العدل؛ فالقانون لا يجب أن يُلزمَ الأفراد بالخضوع لأحكامه، وقواعده قَبل صدوره، ونفاذه.
ب ـ اعتبارات قائمة على أساس المنطق:
فالقانون يُعتبَر تكليفاً لأفراد المجتمع، سواء كان القانون يحكم أداء عمل مُعيَّن، أو الامتناع عنه؛ فالمنطق يقضي بأنّه من غير المعقول أن يأمر القانون بأداء أعمال في الماضي قَبل نفاذه، أو صدور أحكامه، كما أنّه يستحيل العمل مُقدَّماً بالقوانين التي سيصدرها المُشرِّع، والقاضي بدوره يعود في تطبيق أحكامه إلى قانون نافذ وساري المفعول.
ج ـ اعتبارات قائمة على أساس عمليّ:
حيث أن تطبيق القانون بأَثَر رجعيّ يُؤدّي إلى انعدام ثقة الأفراد بالقانون، وهذا ما يجعل القانون أداة هدّامة، لا وسيلة لتنظيم حياة الأفراد، وبناء المجتمع، كما أنّ تطبيق القانون بأَثَر رجعيّ يُؤدّي إلى إيجاد حالة من الاضطراب في المجتمع بصورة تَمسُّ استقرار المُعاملات القانونيّة. الاستثناءات الواردة على هذا المبدأ يُستثنى تطبيق مبدأ عدم رجعيّة القوانين في حالتَين رئيسيَّتين؛ فتطبيق هذا القانون ليس مُطلَقاً، وهاتان الحالتان هما:
في حالة القوانين غير الجزائيّة: يجوز للمُشرِّع تطبيق القوانين غير الجزائيّة بأَثَر رجعيّ، وذلك بالنظر إلى مُقتضَيات المصلحة العامّة، ويتمّ تطبيق هذه القوانين بأَثَر رجعيّ بموافقة أغلبيّة مُعيَّنة على ذلك.
في حالة القوانين الأصلح للمُتَّهم: فإذا صدر قانون أصلح للمُتَّهم بعد أن يقع الفعل، وقَبل الحُكم بشأن القضيّة بشكل نهائيّ، فإنّ هذا القانون الصادر حديثاً هو الذي يُطبَّق دون غيره.
وحيث يعتبر تطبيق الأثر الرجعي بدون تعليل للمصلحة العامة الواضحة مسا بحق مكتسب جري فقه قضاء المحكمة الإدارية والفقه المقارن والمجالس الدستورية في الأنظمة الديمقراطية على اعتبار أن رجعية التطبيق في اتجاه التضييق مخالف للمبادئ العامة للقانون وهي مصدر من مصادر القانون ما فوق الدستورية لاتصالها بحق أنساني .
وحيث يتضح أن تطبيق القانون بأثر رجعي وهو الاستثناء مرهون ومقيد بتحقيق المصلحة العامة. ومن ثم لا يجوز له الخروج عن هذا الأصل إلا في حالات الضرورة والتي تقتضيها المصلحة العامة، ولهذا فإن هذه السلطة التقديرية للمشرع تخضع للرقابة القضائية لما لهذه الأخيرة من حق الرقابة على دستورية القوانين.
وحيث عملا بقاعدتي لا حكم لأفعال العقلاء قبل وضع النص. وأن الأصل في الأشياء والأفعال الإباحة أي أن ما لم يرد نص بتجريمه، فالأصل حله ولا عقاب على فعله أو تركه.
وحيث تأسيسا على ما ذكر فانه يمكن القول إن قاعدة عدم رجعية القوانين بصرف النظر على النص عليها في الدستور فإنها تستند إلى مبررات عدة توجب الالتزام بها حتى من قبل المشرع. عملا بمبدأ الأمان القانون وديمومة وتجرد القاعدة القانونية وامتدادها في الزمن وحفاظا على مصالح المواطنين وحماية لتصرفاتهم.
وحيث يتجه ولجملة ما قدم وذكر واستنادا للدستور وللمبادئ الدستورية وللقواعد الآمرة المتعلقة بحقوق الإنسان ومنها الحق في الاطمئنان لنظام قانوني ما في زمن ما والخضوع إليه وتكييف تصرفاته ومعاملاته على ضوئه واستنادا لمبدأ الأمان القانوني الواجب تمتعه به التصريح بعدم دستورية الفصل الثاني لمخالفة الفصلين الفرعيين الواردتين ضمن أحكامه تحت عدد 20 مكرر و42 مكرر أحكام توطئة الدستور التونسي والفصل 126 منه.
لـــــهذه الأسـبـــــــــاب
نلتمس من الجناب، التصريح بعدم دستورية مشروع القانون الأساسي المتعلق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء كما تم تنقيحه وإتمامه بالقانون الأساسي عدد 7 لسنة 2017 المؤرّخ في 14 فيفري 2017 والمصادق عليه في الجلسة العامة بمجلس نواب الشعب بتاريخ 18 جوان 2019 برمته لمخالفته لما جاء في توطئة الدستور وفي فصوله الموالية : 3 و 11 و21 و28 و34 و49 و53 60 و62 و64 و74 و93 و 125 و126 و130 .
واحتياطيا التصريح بعدم دستورية الفصل الأول والفصل الثاني من مشروع التنقيح المصادق عليه في الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب يوم 18 جوان 2019 لمخالفتهما لتوطئة الدستور وللفصول 3 و 11 و21 و28 و34 و49 و53 60 و62 و64 و74 و93 و 125 و126 و130.
وللجناب سديد النظر
الإمضاء عن النواب الطاعنين
النائب / محمد الفاضل بن عمران

 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP