الجديد

السودان: الشعب يرفض عسكرة السلطة

أحمد سلهوب *
مرحلةٌ سياسية معقدة يعيشها السودان في الوقت الراهن جراء تعنّت المجلس العسكري الحاكم في مفاوضاته مع قوى الحرية والتغيير، أحد أكبر أقطاب المعارضة السودانية، التي تسعى بدورها لخروج البلاد من المأزق السياسي الحالي ووضع نظم ديمقراطية سليمة تسير على دربها كافة الأحزاب السياسية التي تتطلع لسدة الحكم المدني بعيداً عن العسكرة والتديّن، والتخلص من براثن حكم العسكر الذي ابتليت به البلاد منذ عام 1989.
عسكر اليوم في السودان هم امتداد لجعفر النميري الذي أحكم قبضته على البلاد بالحديد والنار حتى تمت إزالته عن هرم الحكم بفعل ثورة شعبية.
المعطيات المتوافرة على الساحة السودانية تشير إلى انسداد الأفق السياسي؛ فمعسكر الجيش يريد الكلمة العليا للبلاد تحت مزاعم شتى أبرزها نظرية المؤامرة التي يسوقها محمد حمدان دقلو، والمعروف بحميدتي، الذي يفتقد لكاريزما القائد، فمواقفه وتصريحاته المتعاقبة ومؤتمراته في مناطق متفرقة من السودان، تشير إلى حرصه الشديد على التمسك بالحكم، مع العلم بأنه لم يُكمل مسيرته التعليمية ولم يلتحق بكلية عسكرية، فقد كان قائد ميليشيا الجنجويد، وهم مجموعة من قطاع الطرق الذين اعتمد عليهم البشير لدحر التمرّد الذي وقع في دارفور عام 2003.
حكام السودان الجُدد يستخدمون مصطلحات غريبة في خطاباتهم، مثل «نحن مع الشعب وهلم جرا»؛ لأنها في الحقيقة لغة خشبية تستخدم لتسويق فكرة ما واختلاق أزمات سواء كانت سياسية واقتصادية، وإلقاء التهم جزافاً على الطرف الآخر لحين التمكن من إقصائه. وهذا هو الحاصل مع قوى الحرية والتغيير الخالية من أي رمز إسلامي، وهذا يحسب لها أيضاً.
لماذا أضحت المؤتمرات الصحفية لقوى الحرية والتغيير تزعجهم ويضيقون الخناق عليها، بل ويهددون الصحفيين بعدم إذاعة بياناتهم، فضلاً عن قطع الإنترنت ليجعلوا البلاد تدير في فلكهم أيضاً، وهم لا يعرفون أن الشعب السوداني أكثر وعياً ونضجاً منهم، ولم تعد تنطلي عليه -في ظل عصر العولمة- الكلمات الرنانة التي تستخدم في الصحف الحكومية.
في بعض الأحيان يكون تدخل العسكر ضرورةً لفترة مؤقتة لحين استقرار الأمور دون التفرّد بالقرار وحده، ويثبتون خلال تواجدهم في الفترة الانتقالية ما يؤكد عدم سعيهم إلى كرسي الحكم، على عكس المجلس العسكري الحاكم اليوم الذي نسي الدور التنويري للعقيد الراحل سوار الذهب الذي قاد البلاد إلى بر الأمان في عقد الثمانينيات وسلَّم الحكم طواعية لحكومة منتخبة بقيادة الصادق المهدي.
الفكر التصادمي يجلب عواقب وخيمة لا تُحمد عقباها، وهذا ما ينطبق على السودان في وقتنا المعاصر، حيث تعيش البلاد منذ ما قبل الإطاحة بالبشير على وقع حروب داخلية، مثل التمرد في دارفور وولاية النيل الأزرق وكردفان، حيث الحركة الشعبية جناح الشمال، وبدلاً من وضع تصور حقيقي للسلام ووضع حلول جذرية مع قادة حركات التمرد، نجد حملات الاعتقال تطالهم بل يتم طردهم.
مرحلة السودان الحالية مرحلة استثنائية بموجبها يتم التوافق ورأب الصدع عبر حكم عادل تكون فيه الكلمة الأخيرة للشعب والحق والعدل دون إملاء من الخارج.
رُفضت الوساطة الإثيوبية والمبادرة الإفريقية، التي قدمت بنوداً نراها محقة للشعب السوداني، من قِبل البرهان وحميدتي اللذين تشير إليهما أصابع الاتهام بالإطاحة بثلاثة قادة كبار من المجلس العسكري الحاكم في بداية مرحلة ما بعد البشير، حيث كانوا يؤيدون نقل الحكم للمدنيين.
 
*صحفي مصري

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP