الجديد

خاطرة موجعة .. يا حسرة يا "مالطا لحنينة" !

غازي معلى
أروي لكم تجربة الأربعين دقيقة التي تفصل بين تونس و مالطا ، والتي اختبرتها على متن طائرة المالطيةـ في اتجاه مالطا .
أربعون دقيقة كانت كافية لإظهار مدى تأخرنا أيها الشعب السعيد خلال الأربعين سنة التي خلت، تقدمت مالطا علينا في كل شىء بعدما كان المالطيون يهاجرون لتونس بحثا عن العمل أربعون دقيقة كانت كافية لإظهار ما اقترفه حكامنا اصحاب الأيادي المرتعشة و الفاسدين منهم في تونس.
أربعون دقيقة كافية لإظهار روعة وأمان وجمال وتطوّر لدى جارتنا مالطا ، أربعون دقيقة تحوّلنا عند بدء هبوط الطائرة في مطار مالطا إلى حاقدين عليكم، لماذا؟ لأنّه بمجرّد بدء الهبوط والنظر من نافذة الطائرة ومن بعدها الهبوط وما بعدها، ثم أربعون دقيقة فقط للدخول الى هذا البلد، نتحوّل بفضل سوء خياراتكم وفسادكم إلى أشخاص غيارى وإلى حاسدين حيث نسأل أنفسنا لماذا مالطا وليس تونس؟
أربعون دقيقة كانت كافية، وأنا متّجه الى حضور مؤتمر للاستثمار في مالطا وسماع مسؤوليهم يتحدّثون عن الأسباب التي توجب على كل شخص في العالم أن يستثمر ويتملك في مالطا ، فألاحظ مدى حرص مسؤوليهم وفساد المسؤولين عنّا وإجرامهم.
أربعون دقيقة أزاحت الستار عن مسرحيّتكم التي أقدمتم على تمثيلها علينا منذ زمن طويل تحت شعارات عديدة لا تخجلوا حتّى الساعة من تكرارها علينا، فبالله عليكم أوقفوا هذه المهزلة التي حوّلت تونس إلى مزبلة، مزبلة سوف يرميكم بها التاريخ لأنّكم دمّرتم تونس .
أربعون دقيقة لم أر من بعدها في مالطا اكياس القمامة على الطريق الممتدة من مطارهم إلى منتجعاتهم المليئة بالسياح، أربعون دقيقة لم أرَ بعدها فوضى في الشوارع ولم أرَ لدى خروجي في اتّجاه الفندق أشياء تشبه الطرقات.
أربعون دقيقة تفصل بين بلد ينهشه فسادكم وقوانينكم الملتويّة وصفقاتكم المفصلة على القياس وبلد همّه الأوّل والأخير البنية التحتيّة والاستثمار و دعم السياحة وتحسين أمور المواطنين، فيما أنتم مُنقسمون على تعيين ابسط مسؤول وفق المنطق الحزبي و الجهوي وتتمنعون عن انتخاب الهيئات الدستورية حتى لا تحاسبوا.
أربعون دقيقة تفصل بلدا لم أسمع منذ وصولي إليه وحتّى مغادرتي باسم أي مسؤول عام أو وزير عدل أو قاض، فيما تتحفوننا في كل يوم على الإعلام بأسماء وزراء وقضاة ومشاكل فساد تتقاذفون التهم من خلالها وتتباهون بفتح ملفات على أساسها، مهمّشين آخر معالم تونس الحضارية، و جمال هذا البلد حتى اثاره التاريخية حولتموها الى فيلات فاخرة تسكنوها.
أربعون دقيقة فقط وترى بلدا لا تسمع فيه إلّا سياحة وفرحا و حياة تنبض ليلا نهارا وتتذكّر بلدك الذي ينام منذ الساعات الاولى لليل ، لا تسمع فيه إلّا الاعتكاف والتظاهرات ورنين الجوع في بطون مواطنيه الذين لا يتكلّمون إلّا على يأسهم، لا سيّما أن المضحك المُبكي هو رؤيتهم لمسؤوليهم بكل وقاحة يتسمّرون على شاشات التلفزة كل يوم، من كبيرهم إلى أصغر مسؤول في حزب تونسي ينظّر عليهم كل يوم منصّباً نفسه وليّاً عليهم حامياً لحقوقهم ومتّهماً خصمه السياسي الآخر بأنّه الفاسد فينزل معهم إلى الشارع أو ينسحب من جلسة تشريعيّة، أو يستقيل من مركزه أو يقوم بحركة بهلوانيّة أخرى معتقداً أنّه بكل ما ذكرته قد كسب شعبيّة ما لينصّب مرّة أخرى علينا ولينصّب نفسه والياً في الدورة الانتخابيّة التالية.
أربعون دقيقة تفصل بين بلد مستقرّ، آمن، لا يمكنك معرفة حتّى إسم أي مسؤول سياسي داخله وبلد لا تسمع فيه إلّا بأسماء طبقة فاسدة، هذا البلد تحوّل إلى بلد يأكله الدين، بلد نسبة الإجرام فيه الى ارتفاع يومي، بلد فسد قضاؤه وإدارته وأصبح مرتعاً للفساد والسرقة.
أربعون دقيقة جعلت منّي حاقداً وحاسداً للهروب إلى عالم آخر، حالتي كحالة معظم التونسيين الذين نظروا من خلال نافذة الطائرة في كل مرّة ابتعدوا عن موطننا الحبيب تونس .
أربعون دقيقة أو ساعة أو يوم يكفي لتوقفوا فسادكم وتنسحبوا وتتركوا الصالح منكم فيضع يده مع الأوفياء لهذا البلد فتضعوا خطة طوارئ إنقاذيّة ونصبح بلداً شبيهاً بالبلد الذي يبعد أربعون دقيقة وندعو عندها الجميع ليأتوا و يستثمروا في تونس ويحسدونا على هذا البلد ولا يشفقوا علينا كما هي الحال بسببكم.
 
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP