الجديد

بعد استئناف نشاطه .. صلاحيات الرئيس السبسي ومواقفه تقلق أكثر من مرضه ! 

كتب: منذر بالضيافي

عودة الرئيس الباجي قايد السبسي، اليوم الاثنين 22 جويلية 2019 لاستئناف نشاطه، بعد غياب دام 17 يوما اثر وعكة صحية، يبدو أنها عودة لم تنه الجدل، الذي “نفخ” فيه البعض وحوله الى “قضية رأي عام”، لأمر “بيت بليل” كما يقال، والذي أسس لا على خلفية الوضع الصحي للرئيس، وانما بسبب موقفه الرافض للتأشير على التعديلات على القانون الانتخابي، التي أريد لها أن “تغير قوانين اللعبة” عشية انطلاقها، وبالتالي فان ما أزعج الائتلاف الحاكم، التي تسارعت أحزابه (النهضة وتحيا تونس) لاتهام الرئيس باختراق الدستور، وبداية “التخطيط” لعزله، لا علاقة له بغيابه القصير بسبب مرضه الذي اصبح معلوما من الجميع،  بل لأسباب سياسية تم اعطائها غلافا شكليا برز من خلال جدل قانوني ودستوري، حول مدى احترام الرئيس – الذي هو مفروض حامي له – للدستور.

الصور القادمة اليوم من قصر قرطاج، أثناء لقاء الرئيس بوزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي ( اختيار له أبعاد ودلالات غير خافية) في أول نشاط رسمي له بعد مرضه، تشير الى أن الرجل وبرغم الارهاق الظاهر وهذا طبيعي ومفهوم بعد المرض خصوصا لمن هو في سنه، تبين تمسكه بالاستمرار في مهامه، وبمواصلة الأمانة، برز الرجل في مشهد فيه الكثير من التحدي والتعالي على نفسه وعلى كل الضغوطات، في رسالة مفادها أنه يرفض التسليم، وهي صور بكل أمانة لا تعبر عن تشبث بالسلطة بقدر ما تعبر عن طينة رجل دولة، يفهم مقتضيات الحكم وضرورة استمرار الدولة، خصوصا في لحظة فارقة تمر بها البلاد، وقد تأكد ذلك حينما أمضى على أمر دعوة الناخبين، وما كان ليتأخر عن فعل ذلك مع التعديلات المثيرة للجدل على القانون الانتخابي، لو شعر أنها محل قبول كل التونسيين وفي صالح حماية وتحصين الديمقراطية.

استمرار الجدل – وان بشىء من الخفوت – بعد ظهور الرئيس، كان برأي منتظرا ومتوقعا، وذلك في اطار السياق السياسي الحالي، المتسم بتصاعد الصراع حول السلطة، ووجود ارادة أصبحت واضحة ومعلومة من قبل الائتلاف الحاكم، لتأبيد وجودهم في السلطة عبر تنظيم انتخابات شكلية وعلى المقاس، توجه أثر عليه قرار الرئيس السبسي، الذي رفض الامضاء على التعديلات التي تم ادخالها على القانون الانتخابي، الذي ربما راي فيه أنه “اقصائي” و “غير دستوري” مثلما أشار الى ذلك مستشاره نورالدين بن تيشة في أكثر من تصريح اعلامي، في انتظار “كلمة الفصل”  من قبل الرئيس نفسه، والتي لا أتوقع أنها ستكون بعيدة عما ذهب اليه مستشاره السياسي.

بدا واضحا لكل مراقب حصيف، من “الخميس الأسود” الى ما تبعه ولا يزال من تفاعلات وتداعيات،  أن ما يقلق هو صلاحيات ومواقف الرئيس السبسي، التي لا يريد التنازل عنها أو التفريط فيها، فالرئيس يقلق بصلاحياته لا بمرضه، الذي ما كان ليثير كل هذه الضجة لو أمضى الرئيس على التعديلات، من هنا يبرز جليا أن الخلاف سياسي وليس قانونى دستوري شكلي، مثلما يروج له.

وكان الرئيس الباجي قايد السبسي، قد تعهد في أول كلمة مصورة (فيديو) له موجهة للتونسيين وللخارج بعد خروجه من المستشفي (5 جويلية الجاري)، الرئيس الباجي قايد السبسي،  باتمام عهدته الرئاسية، التي تنتهي نهاية ديسمبر القادم ، وفق ما صرح به في فيديو نشر على صفحة الرئاسة، على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، حيث اشار الى أنه “سيواصل ان شاء الله العمل من أجل أن تتم هذه العهدة التي تنتهي في نهاية ديسمبر 2019”، وفق تعبيره .

ان ما يحدث الان لابد من فهمه في اطار سياقه السياسي العام، عبر العودة لما سبق خلال الأشهر الأخيرة، من وجود توجه لدى الائتلاف الحاكم لتهميش دور الرئيس ومكانته، تمهيدا لعزله وهو ما أشار له هو بنفسه في لقاء اعلامي بقصر قرطاج.

فلا يمكن فهم “الشأن الجاري” حاليا دون عزله عن نهاية ما كان يعرف ب “التوافق بين الشيخين”،  وكذلك ما ميز العلاقة بين قصري قرطاج والقصبة من “حرب باردة” تحولت الى صراع مفتوح بين راسي السلطة التنفيذية، أربكت ادارة البلاد وأثرت على سير مؤسساتها ورمت بظلالها على الحراك السياسي والمجتمعي العام.

بالعودة لمرض الرئيس، أريد أن أشير الى أنه شرعي جدا أن يهتم الشعب التونسي بصحة رئيسه، خصوصا وأن صحة الرؤساء والحكام ليست شأنا ذاتيا ولا عائليا بل أنها تهم كل الأمة، وهذا ما يفسر كل الجدل الذي يثار في أكثر من بلد حول صحة هذا الرئيس أو ذاك أو هذا الملك أو ذاك، وبالتالي فإنها لا تدخل في باب “المحرمات” ولا “الطابوات”، غير أنها لا يجب أن تتحول الى “حجة” لإرباك الرأي العام والتلاعب به.

في تونس، ومنذ وصوله لسدة الرئاسة وخلال كامل عهدته التي لم يعد يفصلنا عنها سوى 5 أشهر،  لم يمثل سن الرئيس المتقدم عائق أمام تواصل مسار الانتقال الديمقراطي، على اعتبار وأن البلاد سوف تشهد خلال نهاية السنة الجارية استحقاقات انتخابية رئاسية، نرجو أن تتوفر مناخات وظروف مناسبة لإجرائها في اطار من الشفافية والديمقراطية، على غرار كل الاستحقاقات الانتخابية التي عرفتها تونس، بعد ثورة 14 جانفي 2011،

وبالتالي فان حظوظ المنافسة ستكون على قدم المساواة لكافة المترشحين للاستحقاق الانتخابي القادم، خصوصا في ظل تأكيد القيادات السياسية الحاكمة وأولها الرئيس السبسي على احترام موعد الاستحقاق المقبل، الذي سيتم تحت اشراف هيئة مستقلة وفي ظل يقظة كبيرة، من هيئات المجتمع المدني ومن الأحزاب وكذلك النخب، يقظة على ضمان استقلالية وحياد الادارة، وهو ما تشير كل المعطيات الى أنه سيتم الاحتكام اليه، وليس هناك تخوفات تصاحب الاستحقاق الرئاسي المبرمج لنهاية السنة الحالية، خصوصا بعد أن أعلن الرئيس السبسي أنه لن يترشح.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP