الجديد

مورو الرئيس .. يصفي حساباته مع الغنوشي

علاء حافظي
تبقى شخصية عبد الفتاح مورو، أحد أبرز مؤسسي جماعة الاسلامية في سبعينات القرن الماضي (النهضة حاليا)، بكل المقاييس غير نمطية و عصية عن الاخضاع لنموذج مسبق . فوراء المظهر التقليدي في مستوى اللباس و حركات الجسد، يختفي جانب معاصر يقل وجوده في ساحة العمل الاسلامي، و محيط حركة النهضة
ذلك ان مورو يتكلم بطلاقة اربع لغات و لا يخفي افتتانا و تمكنا من الموسيقى الكلاسيكية في محيط يناقش بعض المنتسبين اليه الى حد الان الشرعية الدينية للموسيقى و يبقى اغلب قواعده و اطره اسرى لغة واحدة .
هذا التباين لا يعني ان الرجل وافد مستجد على حركة النهضة بل هو من الناحية الفعلية المؤسس الحقيقي لما عرف في حينه بالعمل الدعوي و الاسلامي الذي اطلقه مورو سنة 1969 قبل ان يلتحق به مبكرا اخرون من بينهم راشد الغنوشي، الذي سرعان ما افتك الزعامة و “فرض” على ابن باب سويقة الاكتفاء بالموقع الثاني .
ما لا يعرفه الكثيرون ان عبد الفتاح مورو هو الذي كان وراء تأسيس حركة “الاتجاه الاسلامي” سنة 1981 بعد ان اكتشف النظام البورقيبي ان “العمل الدعوي” يخفي نشاطا سياسيا كان يعتبر في حينه محظورا .
اعتبر مورو عندها انه لا بد من استباق عملية ايقاف و محاكمة متأكدة بالإعلان عن تأسيس حزب و هو ما يوفر هامشا اكبر من التعاطف و يحرج النظام البورقيبي . و وراء نفس الرغبة في احراج عجوز قرطاج فرض مورو تشريك نساء في الهيئة التأسيسية و هو ما لم يستسغه راشد الغنوشي بسهولة .
و حسب مطلعين على مسار حركة النهضة منذ تأسيسها فان عبد الفتاح مورو اكثر تسيسا و التقاطا للحظات الحاسمة من راشد الغنوشي و لكنه ظل دائما حريصا على اخفاء اختلافاته مع راشد الغنوشي حفاظا منه على موقع غير بعيد من الحركة و تجنبا لنزعة الغنوشي الاقصائية و هو الذي “التهم” بيسر عددا من المؤسسين و القياديين .
لكن يبدو ان عبد الفتاح مورو يجيد الصبر و الانتظار و “الانقضاض ” في الوقت المناسب ، فبعد ان اكتفى في السنوات الاخيرة بموقع شرفي كنائب رئيس لا دخل له في شؤون الحركة اصر على وضع رفيق دربه راشد الغنوشي امام الامر المقضي من خلال اصراره على الترشح لرئاسة الجمهورية و هو ترشح سانده الغنوشي على مضض.
يدرك  مورو انه قد يدفع ثمن شق عصا الطاعة غاليا و لكن المكسب اكبر من الثمن المفترض لان هذا الترشح يمثل بقطع النظر عن مالاته تتويجا لمسيرة طويلة و شكلا من اشكال رد الاعتبار و تصفية حساب سياسية مع راشد الغنوشي الذي يخوض بدوره اخر معاركه السياسية و الذي احرجه بكل تأكيد ترشح مورو .
لا يمكن رسم ملمح سياسي لعبد الفتاح مورو دون التوقف عند “قدرته” على التنقل بين اشد المواقف تطرفا فهو من داعمي تصريحات وجدي غنيم التي اثارت ردود فعل مستنكرة في تونس و لكنه ايضا يدافع بحرارة عن ممتهنات البغاء العلني .
عبد الفتاح مورو متفرد داخل حركة النهضة بانه الأقرب حاليا داخل قيادتها الى السعودية منه الى تركيا و قطر ….مورو صادقي التكوين و زيتوني الثقافة و هو دليل رغبة في استيعاب زمنين معرفيين متناقضين.
و قد يكون الرجل تجسيدا لواقع حركة لم تتمكن لحد الان من الملائمة الفعلية بين اشكاليات فرضها اختلاف زمن السلف عن الزمن الحالي و هو ما اوقعها في التجاذبات و التناقضات و لكنها استطاعت ببعض “المراجعات الشكلية” ان تتحول الى رقم مهم في المشهد السياسي، و قد يكون ذلك تجسيدا لبعض مكونات الشخصية القاعدية التونسية، ذات القدرة اللافتة على التأقلم، و على الابقاء على غموض خالق للجاذبية.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP