الجديد

خالد شوكات يكتب عن " رسائل الشعب" !

كتب: خالد شوكات
تفاجأت، كما تفاجأ غيري ربما، بنتائج الدور الاول للانتخابات الرئاسية، لكنني مع ذلك أتفهمها ولا ارفضها، وقد حاولت ان أفهم اسبابها وأنصت للرسائل التي أراد الشعب ان يوجهها من خلالها.
وقد كنت كتبت قبل أشهر عن ديمقراطيتنا الناشئة التي اصيبت بامراض الشيخوخة، ومن ابرزها “الشعبوية”، وها ان الحصيلة الانتخابية تثبت ايضا اننا امام شعب وكأنه “شعب ديمقراطية عريقة” يتطلع الى معاقبة “السيستام” ومعارضة “الايستبليشمنت” (المؤسسات) كما لو انه الشعب الامريكي مثلا، الذي أتى ب”ترامب” نكاية في هؤلاء الذين يزعمون انهم لا يخطئون بينما فضائحهم تزكم الأنوف.
وهنا بعض رسائل الشعب التونسي كما وردتني:
الرسالة الاولى: ضد هؤلاء الحكام، الذين اصابهم الغرور، الى درجة اعتقادهم بان الشعب سيعيد انتخابهم لمجرد انهم شباب، بيض وعيونهم زرقاء، وولدوا ليحكموا، بالنظر الى سابقة أخوالهم او جداتهم او الدماء النبيلة الزرقاء التي تجري في عروقهم، فقد اثبت الشعب انه تحرر من ربقة الخوف والترهيب وإعادة انتخاب الحكام لمجرد كونهم حكاما لديهم العصا والجزرة.
الرسالة الثانية: ضد هؤلاء القوم الذين شكلوا عبر العقود “مراكز قوى” مناطقية، سياسية ومالية، واصبح ظنهم ان الناس قد سلموا بان الحكام يجب ان يكونوا اما “بلدية” أو “سواحلية”، فمطلب المواطنة المتساوية اضحى مطلبا شعبيا، وقد قال الشعب ان “التوانسة” يجب ان يكونوا في حظوظهم مع الحكم “سواسية” كأسنان المشط، لا فرق بينهم الا ب”الكفاءة”.
الرسالة الثالثة: ضد هؤلاء الذين يعتقدون ان “الحداثة” تعني الحديث باللغة الفرنسية او بلهجة ركيكة مزيج بين لغات، يتقعّر اهلها بكلمات دخيلة من باب إثبات حداثتهم المزعومة، فقد أبدى التونسيون تمسكهم بلغتهم الوطنية واحترامهم للمثقفين الذين يتحدثون بها، خصوصا الشباب منهم الذين يفترض انهم الشريحة الأكثر نزوعا لتبني كل ما هو جديد وعصري وغربي.
الرسالة الرابعة: ضد هؤلاء الذين يَرَوْن ان بارونات المال والأعمال هم مفتاح العملية الانتخابية، فقد انتخب الناس صاحب الحملة الانتخابية الأقل كلفة واستعراضا، كاسرين بذلك القواعد شبه المألوفة في الاجتماع السياسي، ومؤكدين ان للفقراء فرصة الوصول الى مراكز القرار والحكم دون ارتهان مسبوق لاصحاب المصالح الكبرى، وهو امر عادة ما يحدث في الديمقراطيات الأكثر عراقة واحتراما.
الرسالة الخامسة: ضد هؤلاء الذين يريدون ان تنسى تونس ثورتها ويتطلعون الى الالتفاف على أهدافها في العدالة الاجتماعية والتمييز الإيجابي والعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، ويظنون ان التوانسة قد ندموا على الثورة ويحنّون الى عودة الماضي، فقد تبين فشل دعاة الماضوية والاقصاء انتخابيا فشلا ذريعا، وهو ما يثبت ان العائلة الوطنية الاصلاحية الدستورية مطالبة بالسير في طريق المستقبل لا طريق الماضي.
الرسالة السادسة: ضد أولئك الذين يريدون التلاعب بملف مكافحة الفساد وتوظيفه بشكل رديء لتحقيق أهداف مؤقتة، فالشعب يريد فعلا مكافحة الفاسدين مكافحة حقيقية ذات مصداقية، ويتطلع الى دولة عادلة قوية بتطبيق القانون على الجميع، واختيار حكام لا تلاحقهم شهبة، وهو امر يدل على نضج العقل السياسي الجماعي، ويثبت ان وجهة التاريخ الوطني يجب ان تكون نحو نظام شفاف ونزيه وعادل.
الرسالة السابعة: ضد أولئك الذين يحملون اجندة “نيوليبرالية” ترى ان الاصلاح يعني بالضرورة بيع القطاع العام واطلاق يد اقتصاد السوق، دون إعطاء الفقراء ومحدودي الدخل اولوية في توجهات الدولة الاقتصادية والاجتماعية، فالبعد الاجتماعي للدولة الوطنية ومصعدها الاجتماعي الذي كان سلّم أبناء الطبقات الشعبية للوصول الى اعلى المناصب في الدولة والمجتمع، يجب ان يكون خطا احمرا وثابتا من ثوابت الحياة السياسية.
اخيراً، عليّ القول بان إرسال الرسائل هو اهون وأيسر امر في مسار الاصلاح، وان انتخاب رئيس “ظاهرة” لا يضمن بالضرورة نجاح التغيير المنشود، فذلك امر يتوقف على توفر عوامل كثيرة، لا يبدو ان ثمّةَ ضمانات لتوفرها، على الأقل في المدى القريب، وسنرى ان كانت الانتخابات البرلمانية ستنجح في إيصال أغلبية متجانسة مؤمنة بضرورة الاصلاح والتغيير، الذي يمكننا من استكمال مسار الانتقال الديمقراطي بنجاح والحفاظ على مكتسبات الجمهورية ومنجزاتها.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP