الجديد

خالد شوكات يعقب على الغنوشي .. "نفضّل المحاسبة الشعبية على التنصل من المسؤولية"  

بقلم: خالد شوكات*
حديث الشيخ راشد الغنوشي “الانتخابي” في مدنين، هو في رأيي سقطة “أخلاقية” قبل ان تكون سقطة “فكرية” و”سياسية”، اذ مهما كانت “الاعتبارات الانتخابية” هامّة ومصيرية، فإنها لا يجب ان تبلغ هذا الحد من “التناقض” و”الخيانة” المعنوية للأسس التي قام عليها مسار الانتقال الديمقراطي، ومنها ان نجاح هذا المسار كان نتاجا لتحويل “المشروع الثوري” الى “مشروع اصلاحي”، فتونس وحدها دون سائر دول الربيع التي تمكنت من الإبقاء على شمعة ثورتها متّقدة، وما كان ذلك ممكنا لولا منهج “الحوار” ومنهج “التوافق”.. لقد كان خطابك “مخيّبا” لهذه الاعتبارات وغيرها:
 
أوّلاً: لأنه قام بتأييد من قال لنا في النداء وعموم العائلة الوطنية الاصلاحية، بان التغيير الذي تظهرون ليس بنيويا بل هو مجرد تكتيك تتطلعون من خلاله فك الحصار الذي ضرب عليكم في باردو، وانكم سرعان ما ستعودون الى أصلكم غير المؤمن حقّاً بالمصالحة الوطنية.
ثانيا: لأنّه دعّم بهذا الخطاب اطروحات الأصوات الاستئصالية وأضعفت حجّة الأصوات التوافقية، من حيث تنكّره لفضائل الرئيس الراحل عليكم، وهو الذي دافع عن حقّكم في المشاركة السياسية منذ تسلمه مهام رئاسة الحكومة سنة 2011، ودفاعه عنكم في المنتديات الاقليمية والدولية باعتباركم “مسلمون ديمقراطيون”، وعندما تفعلون هذا فكأنما تريدون القول بأنكم لا تحفظون معروف احد، وبان السياسة عندكم “قضاء حاجة” ثم المرور.. وبأن من تعاون معكم كان مخطئاً حين فعل ذلك.. وهو ما سيصعب مهمة التعاون معكم الى حد الاستحالة ربما، حتى ولو ان مصالح الوطن والديمقراطية تقتضي ذلك، فيّا لخيبة المسعى.
ثالثا: لأنه أثبت انكم فعلا تريدون “الزبدة ونقود الزبدة” كما يقول المثل الفرنسي، فعلاقتكم بالسلطة هي علاقة استفادة لا علاقة مسؤولية، وشراكتكم فيها هي شراكة في الربح فقط لا في الربح والخسارة كما تقضي بذلك الاخلاق السياسية.. الان اصبح النداء هو المسؤول وحده عن حصيلة الحكم خلال الخماسية الماضية، رغم مطالبته بتغيير الحكومة منذ 2017 بعد ثبات فشلها، ورغم انه عانى من مشروع تخريبي كان برعايتكم المباشرة..
أيها الشيخ الوقور، اذا تدحرجت الأحداث، وضرب عليكم الحصار مجددا، وضاقت بكم السبل، ولم تجدوا حليفا يصدَّق تعهداتكم، فتذكر حينها ذلك الرجل العظيم الذي صدّقكم ووفر لكم مجالا قد لا تظفرون بمثيله مرة ثانية.. خصوصا حين ستطعنون من قبل من تنسبون انفسكم الى عائلته “المنتحلة” ومعسكره المزيَّف، هؤلاء “الثوريون” الذين ظهروا فجأة بعد مرور تسع سنوات من حدوث الثورة.
كنت احسب ان الانقسام سيكون بين تيارين يتنافسان على “التنمية” وبرامجها، لكنكم سرعان ما انخرطتم في انقسام تافه فرضه علينا “الشعبيون” الذين ظهروا في سمائنا على حين غرّة وسرعان ما ستنقشع غيومهم، لانها غيوم كاذبة غير مطيرة.. فان نظرتم الى الثورة حقّا فكل من ساهم في جعل تجربتها ناجحة هم “ثوريون” وفيّ مقدمتهم “الندائيون”..
أخيرا ما كنت احسب انكم ستذكرون “المقرونة” بسوء.. لسببين، الاول ان سيرتكم لا تخلو منها فأنتم اول من وظف العمل الخيري بعد الثورة وما زلتم تفعلون لإحراز أهداف سياسية، والثاني ان هذه الاكلة هي من احبّ الأكلات عند التونسيين، الى درجة قد يفوق فيها حبهم لها حب الإيطاليين لإحدى اختراعاتهم الكونية..
ما ارجوه ايها الشيخ الجليل ان يسعفكم الزمن فرصةً لتصحيح هذه السقطة.. شخصيا ما زلت مؤمنا بان الاتجاه الصحيح للتونسيين هو ذاك الذي رسمه الزعيم الباجي قائد السبسي رحمه الله، اتجاه تعزيز الوحدة الوطنية بدل الانقسام، والتوافق بدل الصراع، والعمل المشترك بدل تبادل الاتهامات والشكوك والنزاعات، فالوطن كما قال الرئيس خالد الذكر قبل الحزب، ونحن لعهده أوفياء وعلى نهجه سائرون.. النداء حزب يفتخر – ولا يخجل- من انتمائه للمنظومة السابقة المتجددة، منظومة الكفاح ضد المستعمر، وبناء الدولة المستقلة، وتركيز النظام الديمقراطي.. ونحن نفضّل المحاسبة الشعبية على التنصل من المسؤولية أو مسايرة الشعبوية.
 
*المدير التنفيذي لحركة نداء تونس
 
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP