الجديد

الأمير المُحارب

شغل مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده باسطنبول / تركيا الرأي العام الدولي، خاصة مع توجيه وسائل العلام، بناءا على تصريحات لقادة دول، توجيه شبهة ما حصل في القنصلية الى تحميل المسؤولية عنه للقصر الملكي في الرياض، وتحديدا الى أعلى هرم القصر، الأمر الذي أثار جدل كبير حول تداعيات ما حصل على العائلة المالكة وتحديدا على الأمير الشاب الذي يتولى مهام ولي العهد، وكذل تأثير تغييب خاشقجي على مستقبل ودور المملكة الاقليمي والدولى. في هذا المقال يتطرق الباحث في مركز كارنجي للشرق الأوسط، يزيد صايغ، الى مستقبل ولي العهد، ويذهب الصايغ الى أن الأمير ” محمد بن سلمان سيتجاوز تداعيات مقتل خاشقجي، لأنه يُحكم قبضته على أجهزة الأمن السعودي”، وفق قوله.
 
يزيد صايغ *
تتواصل التكهنات بأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد يُطاح به، أو قد يتم تحجيمه إلى حد كبير نتيجةً لمقتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول مطلع الشهر الجاري.
إلا أنه من المستبعد جداً أن تسلك الأمور هذا المنحى، على الرغم من مطالبة بعض الحكومات الغربية بإجراء تحقيقٍ مناسب، ومن القرار الذي اتخذه مسؤولون ماليون كبار في العالم وبعض الشركات العالمية بالعدول عن المشاركة في مؤتمر الاستثمار الدولي الذي عُقِد في الرياض بين 23 و25 تشرين الأول/أكتوبر. إنه موقف قوي غير مسبوق، لكن حتى لو أسفر ذلك عن فرض عقوبات أكثر تشدّداً في حال ثبتت مسؤولية الأمير محمد عن الجريمة، فهو لن يحافظ على بقائه وحسب، إنما سيستغل أيضاً ردود الفعل الشاجبة ليرسّخ مكانته باطراد على المستوى الداخلي.
عندما يتعرّض الحكّام السلطويون إلى الضغوط، لايتخلّون عن السلطة، بل يُمعِنون أكثر في فرضها، أياً يكن الثمن، ومحمد بن سلمان هو من أكثر المرشّحين للتصرف على هذا النحو. لقد أثار ترسيخ الأمير محمد لسلطته منذ تعيينه ولياً للعهد في حزيران/يونيو 2017، انتقادات متكررة. بيد أن معظم التكهّنات عن مصيره تغفل عن الإشارة إلى أنه عمدَ، في إطار دوره الموازي كوزير للدفاع، إلى تشديد قبضته على الأجهزة العسكرية والأمنية في السعودية.
في السابق، كانت هذه المؤسسات تشكّل إلى حد كبير إقطاعات منفصلة يرأسها أعضاء من الأسرة المالِكة. وقد أتاحت لهم هذه المنظومة، إلى جانب الحفاظ على حصصهم الفردية الخاصة في النظام السياسي، جمع ثروات طائلة من خلال عقود البناء والمشتريات المنبثقة عنها. ولاتزال عملية إصلاح الأجهزة الدفاعية والأمنية في المملكة وإعادة هيكلتها، عملاً قيد التطوير بغية تحسين إمكاناتها التشغيلية وأدائها، لكنها أتاحت لمحمد بن سلمان إبعاد جميع خصومه الأساسيين.
المؤشّر الأوضح عمّا تقدّم كان في حزيران/يونيو وتموز/يوليو 2017، عندما أقال الملك سلمان وزير الداخلية آنذاك، الأمير محمد بن نايف، ووضعَ جميع أجهزة مكافحة الإرهاب وأجهزة المخابرات الداخلية تحت مظلّة هيئة واحدة جديدة، وهي رئاسة أمن الدولة الخاضعة إلى إمرة محمد بن سلمان. ومن الأجهزة التي نُقِلت لتصبح جزءاً من الهيئة الجديدة المديرية العامة للمباحث التي تُعتبَر جهازاً نافذاً. وإلى جانب السيطرة على هذه الأجهزة والأدوار، تحوّلت رئاسة أمن الدولة والوكالات التابعة لها – مثل مركز المعلومات الوطني الذي نُقِل أيضاً من عهدة وزارة الداخلية – إلى مَحاور وجهات متلقّية للاستثمارات الكبرى في الأمن السيبراني. وقد جاء ذلك استكمالاً لنزعة الاستثمار في برامج التجسّس وفي التجسس الرقمي لاستخدامها ضد المعارضين. وتعود هذه النزعة إلى مالايقل عن أربع سنوات، وفق ماورد بالتفصيل في تقرير صادر عن Citizen Lab ومقرّه تورونتو.
لقد ترافقت إعادة التنظيم مع تغيير الحرس في الجيش وسلك الضباط الأمنيين. فقد استبدل الملك سلمان قائد الحرس الملَكي في تموز/يوليو 2018، وعيّن، في شباط/فبراير 2018، قائداً جديداً لهيئة الأركان في القوات المسلحة السعودية، فضلاً عن تعيين قادة جدد لسلاح البر والدفاع الجوي. وهؤلاء، إلى جانب قادة سلاح الجو والسلاح البحري، خاضعون مباشرة لإمرة محمد بن سلمان. ووفقاً لوثيقة تخطيط غير منشورة استشهد بها المحلل المتخصص في الشؤون الدفاعية، نيل بارتريك، من المزمع تعيين 800 ضابط جديد بحلول أواخر العام 2019.
من شأن ترفيع جيل كامل من الضباط الشباب الذين يكنّون الولاء لولي العهد أو الذين من الممكن أن يُفيدوا من المجالات التي يُتيحها للحصول على ترقية سريعة ومناصب قيادية مهمّة، أن يؤدّي إلى ترسيخه أكثر في موقعه. ويشتمل ذلك على تدابير مثل ترقية رئيس جهاز رئاسة أمن الدولة ونائبه إلى مرتبة الوزراء، ويتعزّز من خلال استبدال الضباط والمسؤولين في وزارة الداخلية المرتبطين بمحمد بن نايف، بآخرين موالين للأمير محمد بن سلمان.
حتى في الحالات التي لايدين فيها الضباط، في شكل كامل، بتعيينهم إلى محمد بن سلمان، كما هو الحال في الحرس الوطني السعودي، فإن الإبقاء على الفصل بين الحرس الوطني ووزارة الدفاع يدرأ التهديدات من الجهازَين معاً. غير أن الاتجاه في المدى الطويل يؤشّر إلى ترسيخ سيطرة محمد بن سلمان الذي ليس لديه، وفق مايُشير إليه بارتريك، نائب وزير دفاع، لكنه في صدد توسيع الهيكلية التنظيمية للوزارة من خلال تعيين خمسة مساعدين جدد لوزير الدفاع وثلاثة وكلاء.
في موازاة ذلك، اتخذ محمد بن سلمان خطوات حازمة وواسعة لإعادة هيكلة المصالح الاقتصادية والتجارية للقطاعَين الدفاعي والأمني وتوسيعها. تأسست الشركة السعودية للصناعات العسكرية في أيار/مايو 2017 كفرعٍ دفاعي تابع لصندوق الاستثمارات العامة، أي صندوق الثروة السيادية السعودي الخاضع حصراً لإمرة محمد بن سلمان. وقد أُنشئَت الهيئة العامة للصناعات العسكرية في آب/أغسطس 2017 للاهتمام بشؤون المشترياتالخاصة بوزارتَي الدفاع والداخلية وغيرهما من الأجهزة مثل رئاسة أمن الدولة. إشارة هنا إلى أن الشركة السعودية للصناعات العسكرية والهيئة العامة للصناعات العسكرية تخضعان إلى سيطرة لجنة وزارية يرأسها محمد بن سلمان.
في حين أن هذه الخطوات تهدف ظاهرياً إلى كبح الفساد والكمّ الكبير من العمولات التي يتم تقاضيها في قطاع عالي الربحية، إلا أنها تسبّبت بنقلٍ واسع للأصول والصلاحيات من الخصوم المحتملين، ومنها محفظة شؤون الذكاء السيبراني التي كانت من مسؤولية وزارة الداخلية ونُقِلت إلى عهدة رئاسة أمن الدولة. كما منحت هذه الخطوات أيضاً محمد بن سلمان أصولاً مالية إضافية، على الرغم من أن أجهزة على غرار الشركة السعودية للصناعات العسكرية قدّمت أداء دون المستوى، وذلك نظراً إلى قدرته على توجيه الاستثمارات والعقود المموَّلة من صندوق الاستثمارات العامة نحو الأجهزة الدفاعية والأمنية المفضَّلة لديه. وقد عزّز الأمير محمد هذه النزعة عبر إصدار أوامره، في تموز/يوليو 2018، لمراجعة العقود الدفاعية القائمة، ماشكّل انعكاساً لخطواته الآيلة إلى مراجعة عقود بناء مدنية واسعة أو إلغائها منذ العام 2016، مستخدِماً سلطته الموازية كرئيس لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
هذه الآليات غير مكتملة، وقد يكون مصير بعضها الفشل. فليس أكيداً، على سبيل المثال، أن قيادة العمليات المشتركة المنوي إنشاؤها في إطار المؤسسة العسكرية – كجزءٍ من خريطة الطريق لتطوير وزارة الدفاع والتي صادق عليها الملك سلمان في تموز/يوليو 2017 – سوف تُبصر النور. بيد أن الأثر التراكمي هو ذو طبيعة تحوّلية: يجري التخلّص من إطار العمل الدفاعي والأمني الذي كان مجزّأً في السابق واستبداله بإطار أكثر وحدوية، في انعكاس لاتجاهٍ مماثل داخل الدولة السعودية. مايقوم به الأمير محمد ليس أمراً غير معهود أو جديداً بالكامل، بل إنه متجذّر بقوّة في التغييرات الداخلية في الميدانَين الاقتصادي والمؤسّسي، والتي تشهدها المملكة منذ سنوات.
أياً تكن تداعيات مقتل خاشقجي، محمد بن سلمان في موقعٍ يُخوّله مقاومة أي محاولة داخلية لخلعه من منصبه. ونظراً إلى حجم الارتباط الاقتصادي الغربي مع السعودية، يتطلب الأمر مستوى من العقوبات الدولية التي تفوق التصوّر تماماً من أجل التأثير قليلاً في موقعه الداخلي. وحتى لو حدث ذلك، سيتعيّن على الحكومات الغربية أن تُهدّد القطاعَين الدفاعي والأمني السعوديين بالشلل التام قبل أن تتمكّن من التصدّي للنزعة التي يتّبعها محمد بن سلمان.
 

  • باحث في مركز كارنجي للشرق الأوسط
  • الرابط:
  • https://carnegie-mec.org/diwan/77592?utm_source=rssemail&utm_medium=email&mkt_tok=eyJpIjoiT0dabE9HTXlZekkzTWpabCIsInQiOiJFZ1h3YzBJdGZkc1R4c0h1YnhVd2ptQmRNMUpKTlwvd0FNUEJ2aWcxMnV2NStPcjJPbTVVR1VMUkwrVXFFZ3g1XC9SUVpJSjBcL1wvMkwyUjVrXC81K1hmVkpldkRZaCtQbVwveDBydjFOQU11MDdQWWcrOWNVTUtIOGw3MHgrRjhINkpNQyJ9

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP