الجديد

تحدّيات في مواجهة الرئيس الجديد؟

بقلم: خالد شوكات
أراد الشعب التونسي معاقبة الطبقة السياسية، خصوصا التي حكمت خلال الدورة النيابية الاخيرة، فاختار إيصال “ظاهرتين” بحسب أولوياته، إحداهما دغدغت فيه العامل الاجتماعي ومكافحة الفقر، والثانية ركّزت معه على الجانب القانوني ومكافحة الفساد، والمفارق أو الطريف ان هناك تشابكا بين هاتين الظاهرتين في المسألتين مفادها أن الشخصية التي مثلت الظاهرة الاولى تعلن الحرب على الفقر لكنها لا تخلو من شبهة التورط في الفساد، بينما بدت الشخصية التي مثلت الظاهرة الثانية فوق شبهة الفساد لكنها تعلن ضرورة اعادة الدولة لدورها الاجتماعي، وهو ما رجَّح كفتها في الدور الثاني على حساب منافسها، فقيس سعيد من الناحية الرمزية ظهر لناخبيه قدّيسا أو شبه قدّيس سيحارب الفساد والفقر، وربّما حرّر فلسطين ان استطاع، وهو امر مرتبط الى حدّ كبير بالشعارات الثلاثة الكبرى التي رفعها المتظاهرون في سيدي بوزيد ايام ثورة 17 ديسمبر، الحرية والكرامة وتحرير فلسطين.
النَّاس عندما يتأزّمون عادة ما يبحثون عن مخلِّص، قد يكون نصفه من صنع الخيال ونصفه حقيقة، وهذا ما سيضيف إلى أعباء الرجل ويجعل مهمّته في ظل معطيات الواقع شبه مستحيلة ان لم أقل مستحيلة، ولا يعني هذا القول أبدا أن نيّة الرجل غير طَيِّبَة أو أنه أقام خطابه الانتخابي على اساس الخدعة، إنما القصد إنه رجل طيّب وصادق تصادف قدره مع مسعى شعب يبحث عن منقذ، فكان التطابق بين الصورة التي قدّمها عن نفسه والصورة التي صنعها خيال الجماهير، وراء هذه الصيغة التي بدت ملحمة بلا مبرّر أو شبه مبرّر، وستكون نوعا من الورطة المشتركة، بين رجل لم يعد ملك نفسه بل ملك جمهوره، وشعب يتصوَّر – على وجه الخطأ الدستوري أو السياسي- أن الرئيس ما يزال الرئيس الذي عرفوه، خصوصا في عهود ما قبل الثورة، وهكذا قد نجد أنفسنا – وهو ما لا أتمناه حقّاً- أمام خيبة أملٍ جديدة جرّاء التباين الكبير بين “المأمول” و”المحصول”، فحالة الرئيس الباجي رحمه الله لم تكن بعيدة عن هذا، وكان سقف انتظارات ناخبيه عاليا قياسا بما يتيحه دستور الجمهورية الثانية للرئيس، وقياسا الى هوامش الحركة في نظام سياسي لم يمنح قيادة السفينة الوطنية لطرف واضح.
إنني حقّا مشفق على الاستاذ، الذي لست على يقين بأنه كان يحسب ان تكلل مغامرته الفردية بهذا النجاح، فهو قادم الى الدولة من خارجها، فقد كان كل ما فعله طيلة العقود الثلاثة الماضية ان يأخذ حقيبته وينطلق الى الجامعة مدرّساً، فسيرته الذاتية خالية من أي تجربة قيادية تقريبا، حتى لو كان الامر متعلقا برئاسة جمعية رياضية، وهو رجل بلا حزب أو عصبة تحميه وتتضامن معه وتزوده بالرجال والنساء الذين سيتخذ منهم بطانة وأعواناً في رئاسة الجمهورية.
فإن اعتمد على من ظهروا معه في الحملة كديوان جديد وجد نفسه امام مشاكل لا تحصى، وان هو اعتمد في ذلك على من سترشّحه له الأحزاب المساندة فقد تحوّل في نظر كثير من الذين صوّتوا له واستبشروا بقدومه إلى “دمية” في ايدي من لا يريد الشعب ان يكون دميتهم، اذ أنكر على من سبقه هذه السيرة، وعموما فإن أدوات الفعل المتواضعة وهامش الحركة الضيق ومحدودية التجربة وقلة العلاقات – بل لربما انعدامها- مع الأطراف الاقليمية والدولية ذات الصلة سيجعل من مهمّة السيد الرئيس مغامرة بأتم معنى الكلمة.
لا أحد بمقدوره اليوم التنبؤ بنتيجتها او حدودها او مآلاتها. ثمّةَ ظواهر رئاسية مشابهة في العالم، ففي امريكا اللاتينية التي شهدت اكثر من غيرها تجارب انتقال ديمقراطي تفاوتت في نجاحها وفشلها، برز رؤساء بشكل مماثل وعلى صورة ظاهرة كما هو حال رئيسنا الجديد، من قبيل لولا في البرازيل وموراليس في بوليفيا والى حد ما شافيز في فنزويلا وَعَبَد الله بوكرم في الاكوادور وموخيا في الاوروغواي وغيرهم، الا ان مسارات هؤلاء قد تباينت،
لكن الأنظمة التي أتت بهم كانت في مجملها وغالباً أنظمة رئاسية أو شبه رئاسية، وهو ما يخالف حالنا حيث نظامنا برلماني معدّل تبدو السلطة فيه اكثر عند رئيس الحكومة، فان اختلف رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة تنكّدت البلاد وتأزمت الديمقراطية وأصبح عيش المواطنين ضنكاً، وهو ما كابده التونسيون طيلة السنتين الماضيتين على الأقل، فيّا لورطة الرئيس الجديد، وإن حاول الفعلَ تحقيقا لآمال ناخبيه اصطدم مع رئيس الحكومة، وان أحجم وجد نفساً “تابعا” والتونسيون عادة ما يضجّون من رئيس تابع.
فإن تقدّم الاستاذ بمبادرة لمراجعة الدستور وارساء نظام سياسي جديد خلال الاسابيع الاولى لرئاسته التي قد تستهل نهاية هذا الشهر، قد يجد نفسه في مواجهة الأحزاب، ومن بينها تلك التي ساندته، وإن لم يتقدم وجد نفسه في وضع محرج مع قاعدته الانتخابية التي تتضمن بعض الشرائح الهشّة متقلبة المزاج سريعة الانقلاب. كيف سيحارب الفساد ويقاوم الفقر ويرد للمواطنين كرامتهم المهدرة جراء غلاء الأسعار وانهيار الدينار وتداعي الانتاج وتواضع العمل؟ تلك أسئلة كبرى لا يمكن الا للرئيس الإجابة عنها.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP