الجديد

قبل وصوله لقرطاج .. "اللجان" في كل مكان !  

خديجة زروق
غالبا ما يفتح الغموض الباب على طريقين متناقضين اذ يغري باتباع طريق التفاؤل و الامل  او يدفع في طريق التشاؤم و الخشية . و لا شك ان غموض رئيس الجمهورية المنتخب قيس سعيد يجعل قطاعات واسعة من التونسيين و التونسيات يتأرجحون بين هذين الطريقين خاصة ان مستجدات الحياة السياسية و تفاعلاتها منذ انتهاء الدور الثاني للانتخابات الرئاسية تمنح للمتفائلين و المتشائمين ما يغذي مشاعرهم و احاسيسهم .
ذلك ان التفويض الشعبي غير المسبوق الذي تحصل عليه قيس سعيد و  الذي يحتاج الى جهود كبرى لتفكيك دوافعه و اسبابه ومن يقف ورائه قد تغذى من “التقشف الاتصالي ” و “الزهد في الكلام ” الذي اعتمده استاذ القانون الدستوري و ايضا من تركيزه على بعض الشعارات التي احرجت الطبقة السياسية و حشرتها في الزاوية و من اهم هذه الشعارات ارجاع السلطة الى الشعب و النقد الكبير للأحزاب السياسية الى جانب التأكيد على اهمية النجاعة و البحث عن المردودية .
اذا كان البحث عن “الالة الانتخابية ” التي اوصلت قيس سعيد الى قصر قرطاج يبدو امرا ضروريا اذ يصعب على عاقل ان يقبل ان الاكتفاء باحتساء قهوة في احياء شعبية هو الورقة الحاسمة خاصة و ان الجحيم لا يخلو من النوايا الطيبة فان ما يبدو واضحا ان لحظة الحقيقة قد اقتربت لمعرفة ما “يضمره ” رئيس الشعب من نوايا و حسابات لان دخوله بعد اقل من اسبوع الى قصر الجمهورية بقرطاج سيجعله مدعوا لان يضع يديه في معترك ساحة سياسية متحركة و لان يعبر بوضوح عن مواقفه و تصوراته فب الشأنين الداخلي وخاصة الخارجي .
حسب ما يسيطر على الطبقة السياسية التي اصبح قيس سعيد بعد انتخابه من مكوناتها فان رئيس الجمهورية مدعو لان يحدد موقفه من الذين تحركوا و تكلموا باسمه و هددوا الاعلاميين و “بشروا ” بالتراجع عن الحريات و عن النظام الجمهوري ومن الذين انتشروا في تكوين “لجان” في المحليات والجهويات.
و الحديث عن النظام الجمهوري يحيل مباشرة الى ما اكد عليه قيس سعيد كأساس تصوره السياسي و الذي يقوم على التركيز على “السلطة المحلية ” . هذا التصور الذي يحتاج في دولة القانون و المؤسسات الى حوار ةطني كبير  و مشاريع قوانين و قد يصل الامر الى تعديل للدستور و هو مسار معقد و يمر عبر التفكير العميق و الحوار و احترام الاجراءات و هو ما لا يخفي عن الرئيس المنتخب بوصفه استاذ القانون الدستوري.
وقد التقط البعض من الذين نصفهم في صورة افتراض النوايا الحسنة بالمتسرعين و الذين قد تكون لهم في صورة توقع الأسوء نوايا و حسابات تربك المؤسسات و انطلقوا في “تأسيس محليات ” يربك وجودها الغامض السلط المحلية حتى و ان كان اداؤها قابلا للنقد .
هذه ” المحليات العشوائية ” قد تكون مسلكا يؤدي الى خلق حالة من التعارض الحاد بين المجالس البلدية المنتخبة و هذه المحليات مع ما يعنيه ذلك من ارباك في الاداء و تسرب لنوايا و توجهات قد لا يكون بعضها “بريئا و نبيلا “.
و لا شك ان حملات النظافة الشعبية التي انطلقت هذا الاسبوع و غطت اغلب مناطق البلاد بقدر ما تثير الاعجاب حين ننظر اليها كتعبير عن “استيقاظ المواطنة ” فان التفكير في انها قد تكون تدريبا على انشاء شبكة تأطير و تأثير سياسي قد تتحول في اي وقت الى حزب سياسي .
هذه الفرضية قد تحرج الاحزاب السياسية و ايضا قيس سعيد الذي تمسك باستقلاليته و الذي قد يجعل ارتباطه بحزب سياسي فاعلا في الصراع السياسوي بين السلط و قد يعيد الجميع الى مربع الازمة الذي عرفتها البلاد عبر الصراع الذي غير المشهد السياسي و وضع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في مواجهة رئيس الحكومة يوسف الشاهد و الذي اعاق مختلف مناحي الحياة في بلادنا علاوة على انه سيضرب اهم ما ميز قيس سعيد و هي مصداقيته و هو الذي طالما عبر عن رفضه للتحزب .
لا شك ان بعض الاطراف السياسية “تراهن” على قيس سعيد من اجل احراج حركة النهضة و عزلها  و لعل دعوة حركة الشعب لان يختار رئيس الجمهورية شخصية يعهد لها بتشكيل “حكومة وحدة وطنية ”  يندرج في هذا الاطار لأنه من الصعب ان تقبل حركة النهضة هذا الخيار و لان قيس سعيد قد يقطع اذا ما اختار هذا الطريق جسور التواصل و التفاعل الايجابي مع حركة النهضة التي تبقى – حتى و ان فقدت شيئا من شعبيتها – اهم لاعب في المشهد السياسي التونسي.
مطبات و اختيارات ستحدد كيفية التفاعل معها مستقبل قيس سعيد و خاصة موقعه في التاريخ و هو الذي اراد ان يكون حامل قيم و عنصر اطلاق الامل و تكريس الوحدة الوطنية و التصدي للانقسام المجتمعي.
 
 
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP