الجديد

ما يفهم تونسيا من العراق، ولبنان، وترنّح "الدولة شبه الديمقراطية"؟

بقلم: خالد شوكات
قبل عامين، وتحديدا في اكتوبر 2017، احتفل العالم بالذكرى المائوية للثورة الروسية، ثورة البلاشفة الشيوعية، التي بلغت معها حركة العدالة الاجتماعية الأممية ذروتها، وأجبرت معها الأنظمة الرأسمالية على مراجعة توجّهاتها وتعديل بوصلتها والكف عن جشعها وتقديم تنازلات للطبقة العاملة، وهكذا قيل ان اعظم إنجاز للدولة السّوفياتية هو قيام “دولة الرفاه الاجتماعي” الديمقراطية في الغرب.
ولهذا السبب أيضا قال بعض المفكرين بأن سقوط التجربة الشيوعية السّوفياتية قاد تدريجيا الى عودة الرأسمالية إلى جشعها القديم، ولكنه الجشع الذي أخذ أشكالا جديدة، ففي ضوء الثورة التكنولوجية، ثورة الاتصالات والمواصلات، وانهيار الحدود بمعناها القديم أمام الحرّية التي تَمتّعت بها حركة رأس المال والاستثمار، لم يعد جشع الرأسمالية متمثلا في الاستغلال الفاحش للطبقة العمّالية الوطنية، بل اضحى عمليا نقل المصانع ووسائل الانتاج وحتّى المزارع والضيعات إلى الدول الفقيرة حيث العمالة الرخيصة والانظمة الفاسدة العميلة، وهو ما اثبت ان الرأسمالية لا وطن ولا دين لها غير الربح، خصوصا مع ظهور الجنان الضريبية في الجزر البعيدة، التي تجعل هذه الطبقة معفاة حتّى من الحد الأدنى للالتزام الوطني
. ذات المظاهر تعود بعد قرن من الزمان، في أثواب معاصرة، وذات ملايين الشباب الذين يقتلهم اليأس وينعدم لديهم الامل في حياة كريمة، رغم ان كثيرا منهم قام بما يتوجّب عليه وتخرَّج من الجامعة او المعهد العالي بشهادة عليا اصبحت مصدر ازعاج وتعذيب شخصي وعائلي، أمام عجز الأنظمة في البلدان النامية على إيجاد حلول لظاهرة البطالة المتفاقمة، حتّى تلك التي تقود دولا غنيّة بالموارد الطبيعية، فقد كبّلت العلاقات الدولية غير العادلة وشديدة الاختلال لصالح دول الشمال الغنية حركة التغيير المطلوبة، وحوَّلت في الغالب “الديمقراطيات الناشئة” إلى عقبة أمام حركات تغيير عميقة وجذرية مطلوبة لاضفاء المصداقية على مؤسسات الحكم الجديدة وخاصّة لإيجاد حلول للقضايا الاجتماعية والاقتصادية المستفحلة.
في العراق، ولبنان، وقبلها في الجزائر والسودان، يخرج الناس في مظاهرات شعبية غير مسبوقة، رافعين ذات الشعار الذي رفعه التونسيون ابتداء من 17 ديسمبر 2010، “الشعب يريد إسقاط النظام..”، مطالبين بخروج الطبقة السياسية الحاكمة برمّتها، باعتبارها “طبقة فاسدة”، وعلى الرغم من ان مؤسسات الحكم – خصوصا في العراق ولبنان- كانت نتاج انتخابات ديمقراطية (ظاهريا على الأقل)، فان ذلك لم يمنع الناس من المطالبة برحيلها، وهو امر جدير بالدراسة والتأمل، فقد اثبت التجربة الديمقراطية في الحالتين العراقية واللبنانية ان النظام الديمقراطي قد يكتفي بأن يكون مجرّد “تسوية طائفية” وواجهة ظاهرية للتغطية على منظومة الفساد التي يتقاسم فيها السياسيون المصالح المرسلة مع مراكز النفوذ الظاهرة والخفية.
خلاصة هذا القول، ان تونس “الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي”، ليست بعيدة عن تأثيرات الحدث العراقي او الحدث اللبناني، وان إرادة مراكز النفوذ في جعل الديمقراطية مجرد واجهة لتقاسم المصالح والتغطية على الفساد، مع عجز متفاقم على معالجة القضايا الكبرى، قضايا التنمية والعدالة الاجتماعية، وتصميم من القوى السياسية والحزبية على صمّ الاذان تجاه المتغيرات التي تطبخ في الداخل والمنطقة والعالم، والاصرار على عدم التجاوب والاقدام على تعديلات جوهرية تمنح القوة المطلوبة لمن سيتصدى للمسؤولية ويضع “كرة النار” في يده، سيفضي الى دفع البلاد نحو المجهول وانفلات حركة الناس من عقالها، ولا احد ساعتها بمقدوره ان يتحكّم في مآلات الامور.. علينا ان نوقف بإرادتنا حالة ترنّح الجمهورية الثانية، قبل ان نجد أنفسها خارج الجمهورية، ناهيك عن نهاية حزينة لديمقراطية لم تتمكن من تجاوز الواجهة السياسية الى ما هو أعمق، الى التنمية والعدالة الاجتماعية.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP