الجديد

اعلامنا في "قفص الاتهام" (3/1) !

كتب: منذر بالضيافي
أثارت استضافة “ضيف وهمي”، في أحد الاذاعات الخاصة، للحديث حول قضية شغلت التونسيين، وتحولت الى قضية راي عام (قتل شاب في ملهى ليلي)، جدلا واسعا داخل المشهد الاعلامي والسياسي وأيضا المجتمعي، حول “مهنية” الاعلام في بلادنا. و بعيدا عن الخوض في “نوايا” المشرفين على البرنامج الاذاعي، نريد أن ننطلق من هذه “الحادثة” لإبداء بعض الملاحظات حول أداء الاعلام التونسي ما بعد الثورة.
من خلال متابعة موضوعية لإعلامنا الوطني، في مرحلة ما بعد الثورة، نسجل أنه وبرغم هامش الحرية الهام فان الكثير مما يبث في الإذاعات، وما نشاهد في القنوات التلفزية العمومية والخاصة، وكذلك ما نقرأ في الصحف والمواقع لم يرتق إلى متطلبات المرحلة ودقتها في تحديد مستقبل تونس. وأصبحنا نشاهد ما أصطلح التونسيين على تسميته “بالانفلات الإعلامي”، الذي يغلب على الكثير منه اللامعني، لقد فاجأت الثورة الإعلاميين أيضا، الذين دجنهم نظام ما قبل 14 جانفي 2011، وحولهم إلى شهود زور على ما يجري في البلاد، وتم تفريغ المؤسسات الإعلامية من كل الكفاءات،  التي اختار الكثير منها الاستقالة أو الجلوس على الربوة، أو الهجرة الى خارج البلاد، على الانخراط في السائد.
يرجع العديد من المختصين في حقل الإعلام تعثر هذا القطاع في تونس عن مواكبة ما حصل في تونس يوم 14 جانفي، إلى عدة عوامل منها الإطار المجتمعي والسياسي العام في البلاد، والذي اتسم بالانغلاق وغياب حرية الرأي والتعبير.
وهناك عامل اخر وهو مهم وأساسي – وكشفت عنه مرحلة ما بعد الثورة- ويتمثل في نقص الكبير في التكوين لدي الكثيرين  من الممارسين للمهنة، ويبرز هذا النقص من خلال الإنتاج الإعلامي، ويمكن البرهنة على ما نقول من خلال قراءة في مضامين ومحتوي ما كتب وقيل وعرض في القنوات التلفزية . هذا المحتوي يبدوا أن الكثير منه لم يدرك حجم ما حدث في تونس ، الذي هو بكل المقاييس ثورة شعبية.
كما ترجع هذه الحالة ( ضعف المحتوى الاعلامي ) إلى طبيعة العلاقة بين القراءة و الكتابة، لدي الكثير من العاملين في الحقل الإعلامي. فهذه العلاقة في تصوري و فهمي جدلية أو لا تكون، فلا يمكن لأي كان من البشر أن يكون كاتبا جيدا، و هو في حالة عزوف أو غربة عن القراءة، فالمعرفة تراكم أو لا تكون.
كما أن القراءة المدركة و الواعية تدفعك للتفكير و التأمل ثم و في مرحلة لاحقة التفاعل و ذلك عبر التعليق الذي لا يكون الا عبر فعل الكتابة. وهذا هو جوهر الممارسة الصحفية، التي هي بمثابة تفاعل مستمر و بدون انقطاع مع الأحداث. وهو ما يحتم علي الصحفي أن يكون في حالة يقظة و متابعة للشأن الجاري ، و التسلح بالقراءة حتي يكون قادرا علي الربط بين الأحداث و الوقائع ، و يرجعها أو يؤطرها ضمن سياقها الأيديولوجي و السياسي.
فلا يمكن ممارسة الصحافة خاصة السياسية دون عمق ثقافي، و معرفة بالتاريخ و بالجغرافيا… وبهذا تصبح الكتابة الصحفية – وعلي خلاف ما يتصور البعض – مسؤولية و ليست مجرد ترف فكري،  فهذا الجنس من الكتابة (أو بقية الاختصاصات السمعية البصرية)  الموجه لقطاع واسع من الناس ، والذي يؤطر و يوجه ما يسمي “بالرأي العام ” يجب التعاطي معه بعيدا عن السهولة أو الاستسهال ، وهذا ما نجده في الكثير مما يكتب و يحبر علي أعمدة الصحف ومما يبث في الاذاعات والتلفزات.
إن “رأسمال” الصحفي هو قلمه وتصريحاته وأقواله (ما يكتب و يقول) , و الذي يستمده من عقلانية و موضوعية مقاربته، التي هي المعيار الوحيد للحكم علي ما يكتب، و التي تعبر أيضا عن سعة ثقافته و تنوع و غزارة قراءاته وكذلك مدي مواكبته لما يجري في رحم المجتمع الذي يعيش فيه ، و يحمل آمال و تطلعات أفراده و نخبه.
بعيدا عن “العنتريات” و “اللغو- النضالي”، التي تحول الممارسة الصحفية إلي “فرقعة” سياسية ، وهو سلوك أصبحنا نشاهده يوميا في بعض الفضائيات التي أوكلت لنفسها مهمة “توجيه” و “قيادة” الرأي العام.
فالصحفيون أو من يتعاون معهم (الكرونيكورات) ليسوا قضاة لمحاكمة هذا الطرف أو ذاك، أو للتطاول علي هذا الرمز أو ذاك، بقدر ما هم حراس لقيم العقلانية والتقدم، وصناع رأي حقيقي لا مزيف،  في مواجهة الظلام ودعاة الردة عن المكتسبات التقدمية التي تحققت في الكثير من المجتمعات العربية. فهذا هو جوهر الممارسة الصحفية مكتوبة أو مرئية أو مسموعة. و ما عداها فهو باطل، و بمثابة حرث في أرض بور لازرع فيها.
 
يتبع …

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP