الجديد

تونس اليوم: انقسام مجتمعي وتراجع الثقة في الدولة

عماد بن عبد الله السديري
ما لا يعلمه معظم الساسة في تونس أننا كمجتمع تونسي نصنّف في عدد من التقارير الدولية الجادة التي تعنى بالشأن التنموي ضمن فئة المجتمعات غير المتماسكة وغير المتلاحمة والفاقدة للثقة في بعضها البعض.
وهي حقيقة بحثية قد وثقها المنتدى الاقتصادي العالمي في تقريره الأخير بشأن التنافسية وكذلك معهد ليجاتوم في لندن في تقريره الأخير بشأن مؤشر الازدهار.  ويرى كل من المنتدى الاقتصادي العالمي ومعهد ليجاتوم أن تعزيز تنافسية الاقتصاد وزيادة الإنتاجية وتحقيق الازدهار يعتمد على دعائم كثيرة من بينها “رأس المال الاجتماعي”.
وبحسب هاتين المؤسستين البحثيتين، فإن تونس تصنف ضمن أسوأ دول العالم من حيث رأسمالها الاجتماعي، إذ احتلت في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير بشأن التنافسية المرتبة 131 على مستوى العالم من بين 141 دولة، والمرتبة 140 على المستوى العالم من بين 167 دولة في تقرير الازدهار الذي أصدره معهد ليجاتوم في لندن.
ويعتمد قياس مؤشر رأس المالي الاجتماعي على قياس خمس مكونات فرعية تخص:
(أ) العلاقات الشخصية والأسرية
(ب) الشبكات المجتمعية
(ج) الثقة بين الأفراد
(د) الثقة في مؤسسات الدولة
(هـ) المشاركة المدنية والمجتمعية
وبشكل عام، يؤكد التقريران أن المجتمع التونسي لا يزال إلى اليوم غير متماسك وغير موحّد فيما يخص قضايا مصيرية كثيرة تعنيه بشكل مباشر. كما يؤكد التقريران أن المجتمع التونسي يتميّز بضعف الروابط المجتمعية والأسرية وتدني مستوى الشعور بالثقة وبالانتماء إلى ذات المجتمع. إلى جانب ذلك، يرصد التقريران ضعفا حادا في ثقة المواطن التونسي في الدولة ومؤسساتها وفي إقباله على المشاركة في الحياة السياسية.
في حقيقة الأمر، رغم تكرار التأكيد على تماسك الوحدة الوطنية في تونس ومتانة التماسك الاجتماعي في بلادنا، إلا إن الواقع يقول غير ذلك، حيث مازال المجتمع التونسي إلى يومنا هذا مشتتا ومتشرذما بشأن قضايا جوهرية كثيرة، مثل دور الدولة وحدود الحرية ووضع المرأة وهوية المجتمع، وغيرها من المسائل غير المستقرة. وقد أسهم الفكر المتخلف وغير المسؤول وغير الواعي والفاقد للعمق الذي تتبناه معظم الأحزاب السياسية التونسية في تأجيج الصراعات السياسية والمجتمعية وضرب اللحمة الوطنية وتشويه مؤسسات الدولة.
بل ما هو مؤكد أن أجندة بعض الأحزاب تعتمد بالأساس على ضرب النسيج المجتمعي والسعي إلى تغييره دون أي نظرة استشرافية. وهي أخطاء سياسية ذات مخاطر مرتفعة جدا، إذ ولّدت وستولّد دوما ردود مجتمعية عنيفة لها تداعيات سلبية كثيرة على اقتصاد البلاد وآفاقها التنموية.
صحيح أن تونس قد نجحت في تجنب ما أصاب بعض الدول العربية من انهيار إثر العام 2011، إلا إن وعي الشعب التونسي بوحدة مصيره وتشابك مصالحه وضرورة تكاتفه وتعاضده في معركته التنموية والحضارية مازال منقوصا جدا، في ظل وجود عدد كبير من الأحزاب الفاقدة للمسؤولية والعمق في فهمها للمسائل التنموية.
وهو أمر يستوجب وعيا وطنيا وجهدا إستراتيجيا جادا في السنوات القادمة من أجل تعزيز اللحمة الوطنية وزيادة الوعي بأهمية المساهمة المجتمعية الإيجابية وتعزيز الثقة المتبادلة بين كافة مكونات المجتمع التونسي وفي الدولة ومؤسساتها.
إن ما نعيشه اليوم من صراعات إيديولوجية متخلفة ومن صدامات سياسية تافهة ومن تأجيج غير مسؤول لبعض النعرات الجهوية أو القبلية أو الطبقية سيلحق المزيد من الأذى برأسمالنا الاجتماعي في السنوات القادمة، وما قد ينتج عنه من أزمات وطنية حادة قد تنسف كل شيء.
إني أعتقد جازما أن تونس لن تتقدم أبدا إن استمرت كبرى الأحزاب في بلادنا في ممارسة العبث السياسي وفي خوض معارك دونكيشوتية لا طائل منها.. من يريد الخير لتونس، فليزرع العلم والمعرفة، وليحثّ على العمل والابتكار والإنتاج، وليتجنب كل ما من شأنه أن يشتتنا أو أن يدفعنا لمصارعة بعضنا البعض، فمعركتنا الحقيقية ينبغي أن تركز في توحيد الصفوف ورصها من أجل القضاء على آفات الفقر والتخلف والجهل والخصاصة والحرمان والإحباط التي أذلت الشعب التونسي لسنوات وعقود وأفقدته الكثير من كرامته.
احذروا.. حتى لا تندموا.. فجميع الظروف مهيئة لتخرج الأمور عن السيطرة  في أية لحظة..

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP